بعدما أنهت دراستها الجامعية، وقد تخصّصت في اللغة العربية، لم تُوفَّق الشابة الفلسطينية إيمان بوظيفة في أيّ من المؤسسات التعليمية الحكومية أو تلك التابعة لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وراحت تعمل في إحدى رياض الأطفال الخاصة في غزة.
لم تتوقّع المعلمة الفلسطينية أن تبدأ مسيرتها المهنية براتب شهري قدره 300 شيقل (الدولار الأميركي الواحد يساوي نحو 3.40 شيقلات) في مقابل ستّ ساعات من العمل يومياً، لكنّها قبلت بذلك خطوة أولى لاكتساب بعض الخبرة في الحقل التعليمي، ولو كان ذلك في عالم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ثلاثة وخمسة أعوام.
وتتعالى الأصوات في الفترة الأخيرة من أجل تحسين الحدّ الأدنى للأجور في هذا المجال. وفي هذا السياق، حاول "العربي الجديد" التواصل مع معلمات في رياض الأطفال للإحاطة بهذا الموضوع، لكنّ كثيرات رفضنَ ذلك خشية فقدان وظائفهنّ على الرغم من الأجر المنخفض، نظراً إلى غياب البدائل. أمّا أخريات فطالبنَ برفع الحدّ الأدنى للأجور، مع تحفّظهنّ على ذكر هويّاتهنّ.
يُذكر أنّ قانون العمل الفلسطيني نصّ على تحديد مبلغ 1450 شيقلاً حدّاً أدنى للأجور في مختلف القطاعات، قبل أن يُرفَع هذا المبلغ أخيراً بقرار من الحكومة الفلسطينية في رام الله، برئاسة محمد اشتية إلى 1880 شيقلاً، إلا أنّ ذلك غير مطبّق في غزة.
وتقول إيمان -التي فضّلت التعريف عن نفسها بهذا الاسم- إنّها تعمل منذ نحو أربعة أعوام في المنشأة ذاتها، وقد وصل راتبها أخيراً إلى 400 شيقل. وبالنسبة إليها، فإنّ ما تتقاضاه وغيرها من المعلمات في رياض الأطفال مجحف بحقهنّ ولا يكفل لهنّ أي استقرار مالي يمكنهنّ من توفير احتياجاتهنّ العائلية، خصوصاً مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في القطاع.
ولا يقلّ عدد الأطفال الذين تتعامل معهم إيمان في الشعبة الواحدة عن 35، علماً أنّ العدد قد يرتفع أو ينقص في مؤسسات أخرى، وفقاً لحجم الإقبال أو واقع الترتيب في الشعب الدراسية.
من جهتها، تخصّصت المعلمة رغد في مجال الدراسات الإسلامية واللغة العربية لتتخرّج من الجامعة في عام 2017، لكنّها منذ ذلك الحين لم تعثر على وظيفة في مجالها، فاتّجهت إلى عالم رياض الأطفال. وتقول رغد لـ"العربي الجديد"، مكتفية بالتعريف عن نفسها بهذا الاسم، إنّ "حجم الجهد الذي تبذله المعلمات يومياً في تعاملهنّ مع الأطفال لا يتوافق مع الأجور التي تُصرَف لهنّ، والتي لا تزيد في أفضل الأحوال عن 500 شيقل، وهو مبلغ لا يلبّي الاحتياجات الأساسية للعائلة".
وتأمل رغد أن تتدخّل الجهات الحكومية لإلزام رياض الأطفال بتطبيق حدّ أدنى للأجور أكثر إنصافاً، كون الواقع المالي لمؤسسات كثيرة مستقرّاً، الأمر الذي يؤكده استمرار عمل هذه المنشآت من دون توقّف طوال السنوات الأخيرة.
وتُعَدّ مؤسسات رياض الأطفال العاملة في قطاع غزة منشآت قطاع خاص ذات أهداف ربحية بالأساس، في حين يقتصر دور وزارة التربية والتعليم على منحها تصاريح وتراخيص عمل، فيما يخضع ملف متابعة العاملات في هذه المؤسسات وأجورهنّ لرقابة وزارة العمل.
وقد رفضت وزارة العمل التعليق على ملفّ أجور المعلمات في رياض الأطفال، عندما حاول "العربي الجديد" التواصل معها، بحجّة عدم توفّر حدّ أدنى مطبّق في القطاع في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يندرج كذلك على واقع المعلمات في هذه المؤسسات.
في سياق متصل، يقول رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال فلسطين سامي العمصي لـ"العربي الجديد"، إنّ "نحو أربعة آلاف معلمة وعاملة يشتغلنَ في قطاع رياض الأطفال لقاء أجور مجحفة، مع متوسّط شهري قدره 250 شيقلاً"، واصفاً الأمر بأنّه تمييزي. يضيف العمصي أنّ "وزارة العمل والجهات الحكومية مطالبتَين بتحديد حدّ أدنى للأجور في القطاع يتوافق مع الحالة الاقتصادية، بعيداً عن ذريعة آثار الحصار الإسرائيلي، لا سيّما في ما يخصّ المنشآت الكبرى وبعض المؤسسات القادرة على تطبيق قرار كهذا".
وبالنسبة إلى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال فلسطين، فإنّ "مبلغ ألف شيقل هو الحدّ الأدنى الذي يمكن تطبيقه كخطوة أولى في القطاع، بعيداً عن وضع أرقام مالية مرتفعة تجعل عملية تطبيقها صعبة وتُبقي الحالة على ما هي عليه".