مطالبات بتسريع دفن جثث المهاجرين في مستشفيات تونس

10 مايو 2024
إخراج جثث مهاجرين من بيت الأموات في مستشفى بقابس (مراد مجاعد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المستشفيات في المحافظات الساحلية التونسية تواجه أزمة استيعاب جثث المهاجرين الأفارقة، مما يؤثر سلبًا على الصحة العامة وسير العمل.
- المنظمات المدنية والنقابات الصحية تطالب بحلول قانونية وإنسانية لأزمة دفن الجثث، مثل تخصيص مقابر جماعية وتسريع الإجراءات القانونية والطبية.
- تونس تواجه انتقادات بسبب التعامل الأمني مع الهجرة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، مما يزيد المخاطر على المهاجرين ويعمق الأزمة الإنسانية.

يؤثر نزيف غرق المهاجرين في البحر على قدرة مستشفيات المحافظات الساحلية في تونس على استيعاب الجثث المنتشلة بانتظار إصدار السلطات أوامر بدفنها، أما المنظمات المدنية فتطالب بحلول قانونية سريعة لأزمة الدفن.

تمددت أزمة استيعاب مستشفيات تونس جثث المهاجرين الأفارقة ضمن المعايير الصحية المناسبة التي تستبعد تأثر عمل الأقسام بوجودها إلى مستشفيات مدينة قابس (جنوب). 
وسبق أن عانت مستشفيات في صفاقس ومدنين من الأزمة نفسها المرتبطة بتأثير تعفّن الجثث على الصحة العامة، وسير عمل المؤسسات الصحية التي لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من الجثامين.
وأخيراً قرعت نقابة أعوان الصحة في مستشفى قابس (جنوب شرق)، جرس الخطر بسبب انبعاث روائح كريهة من غرفة الأموات في المستشفى التي تضم أكثر من 30  جثة لمهاجرين انتشلوا من البحر، وهو ما يفوق طاقة استيعاب برادات مشرحة المستشفى التي لا تتجاوز 15 جثة.

يؤكد الكاتب العام لنقابة أعوان الصحة في المستشفى الجامعي بقابس سامي القناوي على تأثير الروائح الكريهة المنبعثة من غرفة الأموات على سير عمل الأقسام في المؤسسة الصحية، مشيراً إلى أن المشرحة استقبلت أخيراً جثثاً مجهولة الهوية لأفارقة من جنوب الصحراء كان البحر قد لفظها على طول سواحل الولاية.
ويشير إلى أن "نقابة أعوان الصحة في مستشفى قابس تؤدي واجبها المهني تجاه الأحياء وواجبها الإنساني تجاه الأموات، ومن الضروري إيجاد حلّ للملف كي تستطيع المؤسسة الصحية إيواء الجثث وضمان سلامة الأعوان".
ويطرح دفن جثث المهاجرين في تونس إشكالات كبيرة بسبب غياب الإطار القانوني لتنفيذ إجراءاته من خلال تحديد مسؤوليات الهياكل الرسمية المعنية بقضايا الهجرة. ويترافق ذلك مع رفض البلديات تحمّل تكاليف الدفن، وتراجع دور المنظمات الدولية التي ترعى شؤون المهاجرين.
وكانت جمعيات مدنية قد طالبت بضرورة وضع خطة طوارئ إنسانية على السواحل التونسية، والتعامل مع جثث المهاجرين بما يحفظ كرامتهم بعد الموت، ودفنهم بطريقة لائقة بعد اتخاذ كل الإجراءات القانونية والطبية، ومنها رفع البصمة الوراثية التي تتيح لاحقاً للعائلات التعرّف إلى هوياتها.
وتقول الجمعيات إن "الدولة التونسية لا تبدي أي اهتمام بزيادة الموت على شواطئها، وتكتفي بالحل الأمني في البحر، وتتعاون لعسكرة السواحل وتكثيف المراقبة لإبقاء الحالمين بالانتقال بعيداً عن الحدود الأوروبية"، وهي المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية للاتحاد الأوروبي ودوله التي فرضت مسارات تعاون غير عادلة في قضايا الهجرة، ما رفع عدد الوفيات في البحر، وعمّق الأزمة الإنسانية في حوض البحر المتوسط.
وقبل أن تنتقل أزمة تكدّس جثث المهاجرين إلى قابس، عاشت مستشفيات أخرى في صفاقس ومدنين الإشكالات نفسها نتيجة ضعف طاقة إيواء البرادات في غرف الأموات، وارتفاع عدد ضحايا قوارب الهجرة الذين لفظهم البحر على شواطئ المدن الساحلية التي تنطلق منها القوارب عادة إلى إيطاليا.
ويقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، لـ"العربي الجديد": "ليس تكدّس جثث المهاجرين مجهولي الهوية المنتشلة من البحر أمراً جديداً، ويشمل كافة المحافظات الساحلية التي تشهد عمليات إنقاذ بحري. وسبق أن عاشت مؤسسات صحية في صفاقس وجرجيس قبل عام أزمات مماثلة لمستشفى قابس، علماً أن عدد جثث المهاجرين المنتشلة من البحر تراجع في الأشهر الماضية بعدما نجحت أجهزة الأمن في الحدّ من رحلات الهجرة السرّية". ويشير عبد الكبير إلى أن غالبية الجثث المنتشلة تعود لمهاجرين أبحروا من موانئ ليبية لكن البحر دفعها إلى السواحل التونسية.
ويفسّر عبد الكبير أسباب تكدس الجثث في برادات المستشفيات التونسية بـ"التزام السلطات بإجراءات التعرف إلى هويات المهاجرين التي تكون غالباً مجهولة، ولا يحمل أصحابها وثائق ثبوتية تدل على جنسياتهم".

جثة مهاجر في مستشفى بصفاقس (حميد زغدان/ فرانس برس)
جثة مهاجر في مستشفى بصفاقس (حميد زغدان/ فرانس برس)

ويوضح أن "تحديد هويات المهاجرين، سواء عبر الوثائق الثبوتية أو عن طريق تحاليل الحمض النووي، يحتاج إلى فترة زمنية، ومعالجة مشكلة تعثر إجراءات الدفن في مناطق لا تتوفر فيها مدافن خاصة بالمهاجرين، فسكان المناطق يرفضون غالباً دفن المهاجرين في مقابر محلية تتبع للبلديات، ما يزيد تأخير دفن الجثث حتى بعد استكمال كل الإجراءات القانونية المتعلقة بالتشريح والتحاليل الجينية". ويشدد عبد الكبير على "ضرورة تجاوز هذه الإشكالات، وتبسيط إجراءات دفن جثث المهاجرين من أجل تفادي تكدّس الجثث والمخاطر الصحية التي تنجم عنها".
وتدفن السلطات الصحية والبلدية الجثث غالباً بعد إجراء تحاليل الحمض النووي وتوثيقها. ووفق أحدث البيانات التي نشرها منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بلغ عدد الضحايا والمفقودين في السواحل التونسية منذ بداية العام الحالي 53 شخصاً، وعدد الموقوفين 5424 شخصاً.
وتفيد البيانات ذاتها بأن 87 في المائة من المنضمين إلى رحلات سرّية هم من مهاجري دول جنوب الصحراء، في حين لم تتجاوز نسبة حاملي الجنسية التونسية 13 في المائة. وتشير أيضاً إلى أن 90 في المائة من عمليات الاجتياز تحصل عبر البحر.وتطالب المنظمات المدنية بإيجاد حلول سريعة لمسألة دفن جثث المهاجرين التي يتم انتشالها من البحر لتجنّب كارثة بيئية قد تتسبب في انتشار الكوليرا أو أمراض أخرى.

وتقترح المنظمات المدنية تخصيص قطع أرض لإقامة مقابر جماعية للمهاجرين لحفظ الجثث وتجنّب تركها في الثلاجات داخل المستشفيات لمدة طويلة.
ويقول عبد الكبير في هذا السياق إنه "جرى تجاوز إشكال توفير مدافن خاصة بالمهاجرين في كل من مدنين وجرجيس، لكنه لا يزال قائماً في صفاقس وقابس، ما يتسبب في إشكالات تكدّس الجثث خارج برادات المؤسسات الصحية".
وقال منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في بيان سابق، إن "الدولة التونسية لا تبدي أي اهتمام بزيادة الموت على شواطئها، وتكتفي بالحل الأمني في البحر، وتتعاون لعسكرة السواحل وتكثيف المراقبة لإبقاء الحالمين بالتنقل بعيداً عن الحدود الأوروبية".
وحمّل المنتدى المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية للاتحاد الأوروبي ودوله التي فرضت مسارات تعاون غير عادلة في قضايا الهجرة، ما ساهم في ارتفاع أعداد الوفيات في البحر، وعمق الأزمة الإنسانية في حوض البحر المتوسط.

المساهمون