مطاردات في شوارع البصرة وبغداد لعمّال توصيل المشروبات الكحولية

10 سبتمبر 2024
الأمن العراقي ينظم حملات تفتيش لملاحقة المشروبات الكحولية(أرشيف/العربي الجديد)
+ الخط -

تتكرر بين وقت وآخر حوادث مطاردة قوات الأمن العراقية لسائقين يعملون في توصيل الخمور (المشروبات الكحولية) للمنازل، حيث تعتبر الشرطة هذا النوع من الأعمال مخالفا للقانون وتعتقل السائقين وتصادر المشروبات الكحولية الموجودة بحوزتهم. وهذه المشاهد يوثقها في مرات عديدة المواطنون العراقيون، وتُظهر ملاحقة عمال الـ"دليفري" من قبل الشرطة بناء على معلومات مسبقة بشأن طرد التوصيل الذي يحملونه، ويرافقها الكثير من التهكم والسخرية من قبل العراقيين الذين يعتبرون بلادهم تتجه نحو مزيد من القوانين المتشددة إزاء الحريات الخاصة، وحتى العامة.

ليلة أمس الاثنين، نشر عراقيون مشاهد قالوا إنها مطاردة للشرطة وسط البصرة لسائق توصيل مشروبات كحولية، دون الكشف عما آلت إليه هذه المطاردة، لكن أحد أفراد الشرطة في البصرة قال لـ"العربي الجديد" إن السائق تمكن من الإفلات وترك الطلبية التي لم يتضح بعد لمن كانت موجهة. ويتم اعتقال ناقلي الكحول ومُصادرة المشروبات، غير أنه يتم إطلاق سراحهم بكفالات مالية بعد ساعات من الاعتقال أو كتابة تعهدات في مراكز الشرطة.

وصوّت البرلمان العراقي، نهاية العام 2016، لمصلحة قانون يمنع استيراد الكحول وتصنيعه، غير أنه لم يُنشر في الجريدة الرسمية ويدخل حيز التنفيذ إلا في فبراير من عام 2022، وبدأت الشرطة بحملات واسعة ضد باعة المشروبات الكحولية، كما أدت سلسلة من الهجمات بواسطة عبوات ناسفة وقنابل يدوية استهدفت محلات لبيع الكحول، إلى إغلاق الكثير منها، ولجوء أصحابها إلى البيع سرا للزبائن المعروفين لها.

المشروبات الكحولية في القانون العراقي

وينص القانون المعمول به حاليا في العراق على "حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها"، كما تنص الفقرة الثانية من القانون على "عقوبات جزائية بين 10 ملايين و25 مليون دينار (الدولار الواحد يساوي 1320 دينارا عراقيا). وذلك رغم تسجيل قوى الأقليات العراقية غير الإسلامية، وتيارات مدنية وحقوقية اعتراضات واسعة على القانون، بوصفه مخالفا للدستور العراقي الذي ضمن حريات الأقليات ومنع المس بالحريات الشخصية، والحقوق ذات الصلة بالمكونات الدينية والمذهبية المتنوعة. 

ولتجنب الشرطة يلجأ باعة الخمور في العراق إلى اعتماد التوصيل للزبائن من خلال طلبات تصلهم عبر الهاتف، وهو ما باتت الشرطة تُلاحقه أيضا. غير أن الفنادق ومراكز ومنتجعات مرخصة من هيئة السياحة العراقية ومناطق وجود الأجانب ما زالت تبيع المشروبات الكحولية المحلية وحتى المستوردة، وتحت حماية الشرطة العراقية، فيما رفضت أربيل تطبيق قانون حظر الخمور لديها.

ويقول أحد باعة المشروبات الكحولية في العاصمة بغداد، طالبا عدم ذكر اسمه، إنهم "يعملون على المعارف والثقاة فقط"، في إشارة إلى الأشخاص الذين يبيعونهم إياها. ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن لديهم زبائن من الشرطة والجيش، وفصائل مسلحة، يتصلون بين وقت وآخر لطلب كمية، ويرسلون سائقيهم أو أشخاص من قبلهم، أو يقوم هو بإرسالها لهم، مؤكدا أنهم يضطرون لذلك لأن السلطات أوقفت منح رخص العمل لهم، منذ فترة طويلة بناء على القانون الجديد، لكنها سمحت لعدد محدود بالعمل ممن يتعاملون مع الأجانب وفي الفنادق والأماكن السياحية. ويتم تغليف العبوات وصناديق الخمور بطريقة خاصة لمنع ملاحظة الشرطة لها، داخل حواجز التفتيش التي قد تصادفهم، من بينها وضعها داخل كراتين مياه شرب، أو علب الطعام السريع، وحتى قدور الطعام، معتبرا أن "القانون لم يسهم في وقف شرب أو تعاطي الخمور، بقدر ما خلق أشخاصاً مخالفين للقانون للجديد الذي ضيق عليها وأمر بحظرها".

فيما يؤكد بائع خمور آخر في البصرة أن "كل شيء يمشي بالرشوة"، في إشارة إلى أنهم يقدمون مبالغ مالية لقاء تيسير أعمالهم الخاصة ببيع الخمور أو حتى جلبها من محافظات أخرى.

والشهر الماضي، أظهرت صورا نشرها "الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لأكثر من 70 فصيلا مسلحا في العراق، اعتقال شخص قالت إنه حاول "تهريب" خمور إلى محافظة الأنبار، كما أكد محافظ القادسية جنوبي العراق، عباس شعيل الزاملي، في وقت سابق، بأن "قرار إغلاق محال ومخازن المشروبات الكحولية نهائي" كونها "تنتهك الذوق العام"، مضيفا في معرض دفاعه عن القرار: "لسنا ضد حرية الرأي والحرية الشخصية ومصادرة الحقوق، لكننا نقف بوجه من ينتهك حرمة المحافظة"، موضحا أن "الحكومة المحلية لا تتقبل وجود مخازن ومحال لبيع المشروبات الكحولية، كونها تنتهك الذوق العام وسببت العديد من المشاكل". وأضاف: "اتخذنا قرارا نهائيا وبالتنسيق مع أعضاء مجلس المحافظة بغلق مخازن بيع الكحول بعد ورود كتاب رسمي من هيئة السياحة والآثار في وزارة الثقافة والإعلام، يتضمن عدم تجديد الإجازات لأصحاب بيع الخمور وأنها مخالفة للشروط".

وبشأن ذلك، قال الناشط وعضو التيار المدني العراقي، أحمد حقي، إن "تكليف الشرطة بمثل هذه الأعمال كأنه تكليف ديني"، معتبرا أن "العراق صوّت أخيرا على حزمة قوانين بدعم من قوى يمينية تُعتبر سالبة للحريات العامة، ولا تشبه العراق صاحب المكونات والثقافات المتعددة"، مضيفا أن "المخدرات، وجرائم الاتجار بالأعضاء البشرية، واستغلال الأطفال في التسول، جرائم أخطر بالنسبة للمجتمع، أكثر من ملاحقة شخص يحمل علبة بيرة محلية الصنع"، على حد قوله.

لكن قانون حظر المشروبات الكحولية ومنع بيعها وجد قبولا من جمهور القوى والأحزاب الدينية الذي اعتبره متماشيا مع كون الإسلام دين الدولة. ويقول الناشط في التيار الصدري، علي الدراجي، لـ"العربي الجديد"، إن مؤاخذتهم على الموضوع هي "تهاون الدولة مع المخالفين"، مطالبا بتشديد القانون الذي اعتبره مهما. وبشأن حقوق العراقيين من الديانات الأخرى، اعتبر أن "الأحكام يجب أن تتماشى مع ما تريده الأغلبية".

المساهمون