مصر: مهن شاقة تحت شمس حارقة

12 يونيو 2024
لا يستطيع التوقف عن العمل وسط الحرارة العالية للحفاظ على لقمة العيش (دعاء عادل/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سامي عمارة وعمال آخرون في مصر يواجهون تحديات يومية بسبب العمل تحت الشمس الحارقة، مما يعرضهم لمخاطر صحية كبيرة خلال فصل الصيف.
- إبراهيم بسطويسي وسارة فتح الله يشاركان تجاربهم حول العمل في ظروف قاسية، مع درجات حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية ورطوبة عالية، مؤكدين على استمرارهم في العمل لإعالة أسرهم رغم الصعوبات.
- محمد البدرشيني ينتقد قانون العمل المصري لفشله في توفير الحماية الكافية للعمال، داعيًا إلى إصلاحات جذرية تشمل تطبيق شروط صارمة لساعات العمل وتوفير البنية التحتية الملائمة لحمايتهم من الاستغلال.

في الخامسة صباحاً، بينما لا يزال معظم الناس نائمين، ينهض سائق الشاحنة المصري سامي عمارة (56 عاماً) من سريره ليبدأ يومه الشاق. يجب أن يتوجه إلى ميناء الإسكندرية (شمال) لتحميل بضائع قبل أن تشتد الحرارة، ويضطر إلى السير تحت أشعة الشمس الحارقة حين سينشد الاستراحة للحظات تحت ظل أحد المباني.
ولا تقتصر هذه الحال على سامي، فكثيرون مثله من العمال البسطاء في مصر، من بناة ومزارعين وعمال نظافة وغيرهم، يواجهون كفاحاً يومياً للتعامل مع الظروف القاسية التي تفرضها عليهم موجات الحرارة الشديدة خلال فصل الصيف. ويعرضهم العمل ساعات طويلة تحت وهج الشمس الحارقة لمخاطر صحية كبيرة.

يقول سامي لـ"العربي الجديد": "اعتدنا العمل في كل الظروف مهما كانت قاسية، وتشكل الحرارة تحدياً كبيراً بالنسبة لنا نحن عمال النقل والتحميل. ينهمر مني العرق طوال الوقت، وأشعر بالإرهاق والصداع الشديد بسبب الحرارة المرتفعة، وبأن جسدي يوشك أن ينهار".
يضيف: "أعلم أن هذه الظروف قاسية جداً على صحتي، لكنني لا أملك خياراً آخر، فأنا احتاج إلى هذا العمل لإعالة أسرتي، ولا أستطيع التوقف حتى في أشد أيام الصيف حرارة، لأن ذلك سيعني عدم استطاعتي توفير قوت يومي. أكافح من أجل البقاء والحفاظ على صحتي بقدر ما أستطيع في مواجهة هذه التحديات الشديدة".
ويتحدث إبراهيم بسطويسي (مزارع في قرى أبيس جنوبي الإسكندرية) لـ"العربي الجديد": "تتجاوز درجات الحرارة 40 مئوية في الصيف، وتزيد الرطوبة الشديدة المعاناة، لكننا مضطرون للعمل ساعات طويلة بدءاً من الخامسة صباحاً وحتى المساء المتأخر، رغم أن أجسادنا تصاب بإنهاك كبير من العمل وسط الحرّ الشديد، ونعاني آلاماً في الظهر والساق. والحقيقة أن الشمس تنهش جلودنا، وتجعلنا نشعر بجفاف مفرط".
يتابع المزارع الأربعيني: "أشعر أحياناً أنني على وشك الإغماء بسبب الإرهاق والجفاف. ونحن نفتقر إلى المياه الباردة والظل الكافي للراحة ما يزيد معاناتنا. ورغم الظروف القاسية نواصل العمل بجدية من أجل إعالة عائلاتنا. إنه عمل شاق للغاية لكننا لا نعرف غيره لكسب المال والعيش".

الصورة
فشل قانون العمل المصري في حماية ودعم عمال المهن الشاقة (فريد قطب/ الأناضول)
فشل قانون العمل المصري في حماية ودعم عمال المهن الشاقة (فريد قطب/ الأناضول)

أما سارة فتح الله التي تعمل في تنظيف إحدى الحدائق العامة بالإسكندرية فتقول لـ"العربي الجديد": "أبدأ يومي في الثامنة صباحاً، وأستمر في التنظيف وجمع النفايات والتخلص منها حتى ساعة متأخرة من المساء. وأشعر خلال هذه الساعات الطويلة بأن جسدي يحترق تحت أشعة الشمس، والأسوأ أننا نضطر للتنقل سيراً على الأقدام بين المواقع المختلفة، ما يزيد معاناتنا".
تضيف: "أشعر بآلام في قدمي وسائر جسدي بسبب الجهد البدني الشاق والسير في حرارة شمس لا تطاق. أصاب أحياناً بإغماء بسبب الجفاف والإرهاق المفرط، خاصة أننا لا نأخذ إلا فترة استراحة قصيرة لتناول وجبة خفيفة".
ويقول محسن سعد (45 عاماً)، وهو يقف بين ألسنة النار الملتهبة في مخبز وسط الاسكندرية ويتصبب عرقاً": نحن مجبرون على ممارسة عمل صنع الخبز، وتحمّل حرارة الفرن وقيظ الصيف، وقد اعتدت على هذه الأجواء، ورغم معاناتي من الجوع والعطش لا أستطيع التوقف للحفاظ على لقمة العيش، وتوفير أجر مناسب يساعدني مع أسرتي التي تضم أربعة أفراد".  
يقول القيادي العمالي وعضو مجلس النواب السابق، محمد البدرشيني، لـ"العربي الجديد": "فشل قانون العمل المصري في توفير الحماية والدعم الكافي لعمال المهن الشاقة الذين يتعرضون لظروف عمل قاسية وغير إنسانية، منها العمل ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة والرطوبة العالية، ومن دون أي إجراءات وقائية وتوفير مظلات أو مصادر للمياه الباردة أو تخصيص فترات راحة كافية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشير إلى أن "قانون العمل لا يفرض تطبيق شروط صارمة في شأن ظروف ممارسة المهن الشاقة، وهو ما تستغله الشركات ضد العمال الفقراء الذين لا يملكون خيارات أخرى للعمل، ما يدفعهم إلى قبول الظروف المجحفة وغير الإنسانية، بينما يتمتع آخرون براحة في مكاتب مكيّفة".
يضيف: "نحتاج إلى إصلاح جذري لقانون العمل من أجل توفير حماية أفضل للعمال عموماً وأولئك الذين يمارسون مهناً شاقة خصوصاً. يجب أن تفرض شروط صارمة في شأن ساعات العمل، والراحة، وتوفير البنية التحتية الملائمة مثل مظلات ومياه باردة، كما يجب معالجة قضية البطالة، وتوفير فرص عمل بديلة تمنع استغلال العمال الضعفاء لضمان عدالة وكرامة جميع العاملين بغض النظر عن نوع العمل الذي ينفذونه".

المساهمون