مصر: محبوسون احتياطياً يطالبون بعدم نقلهم لجلسات التجديد على الأقل في رمضان

08 ابريل 2021
لا أمل بإخلاء السبيل إلا بعد قضاء المدة القصوى للحبس الاحتياطي(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -


بعدما فقد عدد من المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا سياسية في مصر، الأمل في إخلاء سبيلهم قبل حلول شهر رمضان، استغاثوا من خلال أسرهم، بعدم نقلهم إلى جلسات تجديد حبسهم في مقار النيابة المختلفة، طالما أنّ قرارات تجديد الحبس تصدر أوتوماتيكياً.

وقالت شيماء عبد الفتاح، شقيقة الناشطة السياسية والصحافية المحبوسة احتياطياً، إسراء عبد الفتاح، نقلاً عن شقيقتها خلال آخر زيارة لها في السجن، "أنا خلاص اتعودت على السجن. أنا بس مش عايزة أنزل جلسات تاني. كفاية".

وأضافت شيماء عبد الفتاح، "طلب إسراء، هو أن لا تركب عربة الترحيلات ثانية، وأن توفّر النيابة العامة المصرية، على المحبوسين احتياطياً مشقّة التعب والتنقّل والانتظار ساعات طويلة، فقط لتجديد حبسهم، طالما يتمّ تجديد الحبس في كلّ الأحوال".

وقالت إسراء عبد الفتاح لشقيقتها، "إيه لازمتها نزولنا الجلسات وقعدتنا بالساعات في الحبسخانة وفي عربية الترحيلات بدون ميه ولا أكل ولا شرب وفى مكان صعب جدا. ارحمونا وجددولنا من مكاننا على الأقل في رمضان لأن نزولها جلسات الجديد لا يقدم ولا يأخر".

ما طالبت به إسراء عبد الفتاح من محبسها في سجن القناطر للنساء، يطالب به غيرها المئات من المحبوسين احتياطياً بين الحين والآخر، بعدما فقدوا الأمل في إخلاء سبيلهم إلاّ بعد قضاء المدة القصوى للحبس الاحتياطي في القانون المصري، المقدّرة بعامين، ما لم يتم تدويرهم على ذمة قضايا ثانية لاستمرار حبسهم أطول فترة ممكنة.

فالحبس الاحتياطي يقيّد حرية المواطن ويغيّبه عن عمله وأسرته وحياته. ورغم أنّ الدستور المصري قرّر بوضوح أنّ الحبس الاحتياطي يكون محدّد المدة، إلاّ أنّ هناك آلاف المواطنين المحبوسين احتياطياً منذ سنوات، ليس هذا فحسب، بل إنهم مجرّدون من أغلب حقوقهم التي قرّرها لهم المشرّع والقانون.

التشريع المصري لم يضع تعريفاً محدداً للحبس الاحتياطي، وإنما اكتفى بإيراد قواعد تعالج موضوع الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية. وتسير القوانين المصرية على أنّ مدة الحبس الاحتياطي في أحوال الجنايات، يجب ألا تزيد على سنتين، وفي أغلب القضايا السياسية يتمّ تجديد حبس المتهمين على ذمتها كلّ 45 يوماً لحين انتهاء مدة الحبس الاحتياطي كاملة، وبعدها يواجه المحبوسون احتياطياً احتمال إخلاء السبيل أو التدوير على ذمة قضية ثانية بمدة حبس احتياطي جديدة.

حيث تعددت التعريفات التي تناولت الحبس الاحتياطي في الفقه المصري وفي كتابات الباحثين القانونيين، فهناك من وضع تعريفاً للحبس الاحتياطي بأنه "سلب حرية المتهم مدة من الزمن تحدّدها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قرّرها القانون".

كما عرّفه آخرون بأنه "إجراء من إجراءات التحقيق الجنائي يصدر عمّن منحه المشرّع هذا الحق، ويتضمن أمراً لمدير السجن بقبول المتهم وحبسه به ويبقى محبوساً مدة قد تطول أو تقصر حسب ظروف كل دعوى حتى ينتهي إمّا بالإفراج عن المتهم أثناء التحقيق الابتدائي أو أثناء المحاكمة، وإما بصدور حكم في الدعوى ببراءة المتهم أو بالعقوبة وبدء تنفيذها عليه".

كما تضمنتها التعليمات العامة للنيابات وفي المادة رقم 381، وذلك على النحو التالي "الحبس الاحتياطي إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائي من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما استدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة".

لكن بعيداً عن كل تلك التعريفات، هناك حقيقة ثابتة أنّ الحبس الاحتياطي تحوّل من أداة من أدوات إجراءات التحقيق، إلى عقوبة في حدّ ذاته.

وكانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قد رصدت استمرار الحبس على ذمة قضايا أمن دولة خلال عام 2019، تجاوز عددها 1500 قضية، والتي في الغالب لا يتم إحالتها للقضاء، لكن يستمر تجديد الحبس احتياطياً خلال المدة القانونية -عامان- كتقنين للاعتقال السياسي، وفي بعض الحالات تجاوز الحبس الاحتياطي المدة القانونية.

ويقدّر رئيس لجنة حقوق اﻹنسان في مجلس النواب المصري، علاء عابد، عدد المحبوسين احتياطياً في مصر حتى يناير/كانون الثاني 2018 من 25 إلى 30 ألف سجين من إجمالي عدد السجناء الذي يقارب 65 ألفاً.

وتشير تقارير وإحصائيات المنظمات الحقوقية المصرية والدولية إلى أنّ حالات الحبس الاحتياطي وصلت لعددٍ لم يسبق له مثيل  في تاريخ مصر.

وقد أصبحت مساءلة الحبس الاحتياطي "ذات أهمية لخطورته على حرية الأفراد، خاصة بعد إفراط القضاء المصري في استخدام الحبس الاحتياطي من بعد 30 يونيو/حزيران 2013، ليتحوّل إلى ما يشبه نوعاً من العقوبة"، بحسب بحث صادر عن مركز دعم التحوّل الديمقراطي وحقوق الإنسان –منظمة مجتمع مدني مصرية- في يونيو/حزيران 2018.

وبحسب البحث الصادر عن مركز دعم "تغصّ السجون المصرية بالمحبوسين احتياطياً على ذمة تحقيقات أو محاكمات من دون صدور أحكام ضدهم، وقد تطول فترة الحبس الاحتياطي إلى سنوات قبل أن يعرض أمر المحبوس أمام قاض موضوعي، على الرغم من أنّ أقصى مدة حبس احتياطي يسمح بها القانون لغير المحكوم عليهم هي 24 شهراً".

وأشار البحث إلى أنّ الأصل في الحبس الاحتياطي هو أنه إجراء قانوني تتّخذه سلطة التحقيق أو المحكمة المختصة، لضمان التحفظ على المتهم في مكان آمن لحين الفصل في الدعوى والاتهامات المنسوبة إليه من جهة، وضمان عدم العبث بأدلة القضية أو التأثير على شهود الواقعة أو الإضرار بالمجتمع من جهة أخرى.

لكنه أكّد أنه في ظلّ الممارسات الأخيرة "تحوّل الحبس الاحتياطي من إجراء تحفظي إلى عقوبة سياسية، وهو ما يعكس فشل المؤسسات الأمنية في بناء قضايا تستحق نظرها أمام قاض موضوعي، ويعكس من جانب آخر استسهال انتهاك القانون دون أي رادع".

وأكد البحث أنّ الحبس الاحتياطي يعدّ "أحد أخطر الإجراءات القانونية، باعتباره يمس الحرية الشخصية للفرد، وعندما تطرّق إليه فقه القضاء وصفه بأنه أبغض الإجراءات القانونية. لأنه إجراء يميل إلى قرينة الإدانة عن البراءة، والأصل في الإنسان البراءة حتى إثبات التهمة".

دلالات
المساهمون