كشف نائب عن دائرة قطاع العاصمة القاهرة، أن توجيهاً رئاسياً صدر إلى الأجهزة التنفيذية في العاصمة ببدء أعمال إزالة المباني السكنية المعروفة بـ"البلوكات" في الحيَّين السادس والسابع بمدينة نصر، فور الانتهاء من إزالة منطقة ألماظة التابعة لحيّ مصر الجديدة قرب مطار القاهرة الدولي.
وقال البرلماني الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "انتهت محافظة القاهرة من إزالة كل مباني الصف الأول في شارع حسين كامل سليم الرئيسي بمنطقة ألماظة، من أجل الإفساح في المجال لأعمال توسيع الشارع، وذلك بعلم إدارة المهندسين العسكريين التابعة للقوات المسلحة (الجيش)، تمهيداً لتسهيل حركة المرور من طريق القاهرة - السويس وإليها، وصولاً إلى العاصمة الإدارية الجديدة".
ولم تكترث الأجهزة التنفيذية في القاهرة بنداءات الاستغاثة المتكررة التي أطلقها أهالي منطقة ألماظة للمطالبة بوقف هدم عقاراتهم المُرخصة والقانونية منذ أن أنشئت في ستينيات القرن الماضي، وذلك لاستغلال الأراضي المُشيدة عليها في بناء مجمعات ترفيهية تضم مطاعم ومقاهي ومتاجر يتملكها الجيش. وهم برروا موقفهم بأن ألماظة لا تصنف منطقة عشوائية، بل أشرفت شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير التابعة للدولة على تنفيذ عقاراتها.
وتوقع النائب أن تبدأ أجهزة محافظة القاهرة بإزالة مباني الحيَّين السادس والسابع بمدينة نصر البالغ عددها 125 خلال سبتمبر/ أيلول المقبل، ضمن المرحلة الأولى من المشروع. وعزا قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بإزالة هذه المباني إلى "كونها قديمة نسبياً ومتهالكة، وواقع أنها تطل على مونوريل العاصمة الإدارية الذي يُبنى حالياً"، وهو قطار أحادي السكة يتحرك على كمرة خرسانية من دون سائق.
وأضاف: "ستُبنى أبراج سكنية جديدة بدلاً من المباني التي ستزال في الحيَّين السادس والسابع بمدينة نصر، كي تتناسب مع مخطط تطوير المنطقة المرتبطة بمشروع مونوريل العاصمة الإدارية". واعتبر أنّ "من غير اللائق أن تنفق الدولة مليارات الجنيهات على تنفيذ مشروع مهم مثل المونوريل، فيما يطل مساره على مبانٍ معظمها مهدد بالسقوط، مثل عمارات التعاونيات".
في السياق، أفاد مصدر حكومي بأن نحو 3 آلاف أسرة تقطن في "بلوكات" الحيَّين السادس والسابع بمدينة نصر، ستخيّر بين الحصول على تعويضات مالية وصفها بأنها "مناسبة وفقاً للتقييم العقاري الذي تحدده الحكومة"، أو العودة إلى المنطقة بعد الانتهاء من تطويرها، شرط تسديد الفارق بين قيمة التعويض والسعر الجديد للوحدة السكنية وقتها، أو الحصول على وحدات بديلة في مشروع "أهالينا" الذي يقع ضمن حيّ السلام، على أطراف القاهرة.
وحددت محافظة القاهرة قيمة التعويض المبدئي للوحدة التي تبلغ مساحتها 90 متراً مربعاً بـ180 ألف جنيه (9400 دولار) كحد أقصى، في حين أن سعرها في السوق يصل إلى 400 ألف جنيه (21 ألف دولار)، مع طرح بديل للأهالي يتمثل بتسليمهم وحدات سكنية جديدة بمشروع "غاردينيا سيتي" التابع لوزارة الإسكان في نطاق حيّ مدينة نصر، وذلك بقيمة مليون و200 ألف جنيه (63 ألف دولار) لمساحة 120 متراً مربعاً، وتقسيط ثمنها على 10 سنوات بفائدة بسيطة.
وأشار المصدر الحكومي إلى إمكان تقدم سكان الحيَّين السادس والسابع بطلبات في هذا الشأن إلى لجنة شكلتها محافظ القاهرة، مع إرفاقها بمستندات الحيازة والملكية قبل أن تبدأ المحافظة بصرف التعويضات المادية المقررة لهم، بعد انتهاء لجان الحصر من قياس مساحات الوحدات السكنية، وإثبات حيازتها.
وكانت النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي، مهى عبد الناصر، قد قدمت طلب إحاطة إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الإسكان عاصم الجزار، بشأن قرار الحكومة إزالة العمارات المعروفة بـ"البلوكات" في الحيَّين السادس والسابع بمدينة نصر. وقالت: "أُنشئت هذه المنطقة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وصُمِّمَت أبنيتها على نمط الهندسة السوفييتية كمساكن شعبية، وتضم خمس طبقات، ما جعلها الأفضل تخطيطاً بين معظم مناطق القاهرة. وفي حال اعتبارها مشيّدة بلا تخطيط، يجب إزالة غالبية أحياء العاصمة".
وسألت: "هل انتقلنا من مرحلة بيع الأراضي في الصحراء إلى مرحلة بيع العمران في قلب القاهرة، علماً أن هذه المساكن لها ملكية شرعية وموثقة؟ على مسؤولي الحكومة إعادة النظر في طلبات المواطنين الذين لا يمكن أن يعيشوا تحت تهديد مستمر بالطرد والتشريد في أي لحظة بداعي التطوير، ودرس كل البدائل المطروحة للتطوير والتجميل، من دون اللجوء إلى هدم أي مبنى حالته مستقرة في المنطقة".
وشهدت مناطق عدة في العاصمة المصرية تنفيذ حملات لإزالة عقارات وتنفيذ تهجير قسري للمواطنين بحجة التطوير، وأبرزها في مناطق الجبخانة والجيارة وحوش الغجر والسكر والليمون في حيّ مصر القديمة، ضمن أعمال تطوير محيط سور مجرى العيون الأثري. كذلك أزيلت منطقتا المرج وعزبة النخل شرقيّ القاهرة لإقامة محور المرج - رمسيس المروري، وتوسيع الطريق الدائري.
وأخيراً، انتهت محافظة القاهرة من إزالة 127 عقاراً في منطقة عرب الحصن التابعة لحيّ المطرية، بزعم استكمال توسيع جسر الخصوص الذي تنفذه هيئة وحدة الهندسة في الجيش، بهدف ربط طريق منطقة مسطرد التي تتمركز فيها شركات والطريق الدائري. وقد صرفت تعويضات هزيلة جداً للسكان بإجمالي 52 مليون جنيه (2.7 مليون دولار)، أي بواقع 409 آلاف جنيه (21.5 ألف دولار) فقط للعقار الواحد.
ولا تستعين الأجهزة التنفيذية في مصر بآراء الخبراء، أو تنظر إلى البعد التاريخي والنسيج العمراني للمناطق قبل اتخاذ قرار هدمها، فيما يسعى نظام السيسي لتغيير معالم أحياء القاهرة، من خلال وصمها بالعشوائية ومخالفة قوانين البناء، والمضيّ قدماً بعمليات التحديث العمراني القسري المخالفة لأحكام الدستور والقانون.