في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حرم عشرات المتهمين من الانتقال إلى المحكمة لحضور الجلسة الأولى لمحاكمة نشطاء التنسيقية المصرية للحقوق والحريات في الدعوى رقم 1552 لسنة 2018 أمن دولة عليا.
في حينها، نقلت فقط كل من هدى عبد المنعم (كانت عضوا سابقا في المجلس القومي لحقوق الإنسان) في سيارة إسعاف، وعائشة الشاطر، ابنة القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر، من محبسهما بسجن النساء بالقناطر، وظلتا طوال الجلسة خلف القضبان الحديدية، المصممة لعزل الصوت، حيث اكتفتا بالإشارة لمحاميهما وذويهما. بينما تعذر نقل باقي المتهمين من سجن طرة جنوبي القاهرة، لدواع أمنية.
وفي اليوم التالي مباشرة، صبيحة الثاني عشر من سبتمبر/أيلول، قررت الدائرة الثالثة جنايات إرهاب، تأجيل النظر في أمر تجديد الحبس المقرر لتعذر نقل جميع المتهمين بسجون طرة وتأجيل الجلسة ليوم 19 سبتمبر/أيلول الجاري، لدواع أمنية.
في اليوم نفسه، امتنعت إدارة مجمع سجون طرة، عن تسليم ليلى سويف، والدة الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح، جوابا من ابنها، فقررت الانتظار وعدم الرحيل إلا بعد استلام جواب منه، قبل أن تعدل عن القرار بعد مضي قرابة 7 ساعات على أمل اللقاء به في اليوم التالي خلال جلسة تجديد حبسه.
ويعد جواب بخط يد علاء عبد الفتاح هو الوسيلة الوحيدة للاطمئنان عليه في سجن يموت فيه سجناء نتيجة الإهمال الطبي، ويتعرض فيه آخرون للتعذيب والتهديد، بحسب شهادة علاء عبد الفتاح نفسه، التي يرويها لأفراد أسرته في الزيارات الدورية.
حجة الدواعي الأمنية، دانتها العديد من المنظمات الحقوقية المصرية لحقوق الإنسان، التي وصفت هذه القرارات بـ"استخفاف السلطة القضائية البالغ تجاه حريات المتهمين المحبوسين احتياطيًا في القضايا على خلفية سياسية بحجة الظروف الاستثنائية".
وسبق أن اعتبرت منظمات مجتمع مدني مصرية أن "التعذرات أو الدواعي الأمنية تعد حرمانًا تعسفيًا لحقوق المتهمين وانتهاكًا صريحًا لمبدأ افتراض براءة المتهم، وكشفًا لرؤية السلطة القضائية الحالية وفي القلب منها نيابة أمن الدولة تجاه هؤلاء المتهمين باعتبارهم أشخاصا خطرين على المجتمع، ولا يجب الإفراج عنهم خاصة في الفترات التي تتطلب تأمينات إضافية".
وقبل عامين، أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ورقة موقف عن ظاهرة امتناع وزارة الداخلية عن نقل المتهمين للمحاكم والنيابات والمستشفيات، رغم وجوب عقد جلسات المحاكمات وتجديد الحبس أو ضرورة تلقي العلاج والرعاية الصحية، بزعم وجود عذر أمني، وقالت إن تلك الظاهرة سنتها وزارة الداخلية دونما وجود سند قانوني لها، مما يجعلها خطوة جديدة لدهس القانون في مصر.
وأكدت الورقة التي صدرت بعنوان "نعتذر: لن نحترم القانون اليوم، عن ظاهرة التعذرات الأمنية وتغييب القانون في مصر"، أن وزارة الداخلية كانت تتعلل في بعض الأوقات بوجود مانع أمني يحول بينها وبين نقل هؤلاء المتهمين إلى مقار النيابة أو المحاكم أو المستشفيات، ولكن نتيجة لغياب المحاسبة والمساءلة، فقد توسعت بشدة في عدم نقل متهمين من أماكن احتجازهم المختلفة إلى مكان انعقاد جلساتهم، سواء إلى النيابات أو إلى المحاكم باختلاف درجاتها، أو المستشفيات لتلقي العلاج، خلال انعقاد بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم، لتصبح العادة ظاهرة، مثلها مثل تجاوز مدد الحبس الاحتياطي للحد الأقصى القانوني وتفشي الحبس الانفرادي، والتعسف في تقديم الرعاية الصحية والعلاج في السجون.
الدواعي الأمنية التي تتحكم في إرجاء سير العدالة، ممثلة في نقل المتهمين إلى جلسات محاكماتهم، أو تعطيل وسائل الاطمئنان عليهم سواء بجواب أو بتعذر نقلهم للجلسات لدواعٍ أمنية، باتت تتحكم أيضًا في إرجاء جلسات العلم في الجامعات المختلفة، حيث كشف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، عن تفاصيل تأجيل اجتماع رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، داخل مكتب رئيسة قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بعد اعتراض الأمن على إقامته بدعوى عدم إخطاره به قبل أسبوعين من عقده.
السيد كتب، في منشور عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تفاصيل الواقعة: "بعد الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان؛ فوجئت بأن اجتماع رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة مع الأستاذة الدكتورة العزيزة رئيسة قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة... قد تأجل، حيث أبلغتني الزميلة العزيزة بأن الأمن في جامعة القاهرة يشترط إبلاغه بالاجتماع قبل أسبوعين من عقده، وطبعا لا بد للزميل المحترم رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة الأميركية من أن يظهر ما يثبت شخصيته عند بوابة الجامعة، فموافقة الأمن الذي يحرس البوابة ضرورية حتى يتمكن من دخول الجامعة".
ولفت السيد إلى أن المؤتمر "لو تم سيكون علنيا ومفتوحا لجميع أساتذة وطلبة العلوم السياسية الراغبين في الحضور، ويمكن أن تكون به ترجمة إلى اللغة العربية"، وتابع: "أرجو من القراء والقارئات أن يحيطوني علما بأي جامعة أخرى في العالم تضع مثل هذه الشروط لقيام أساتذة الجامعة بدورهم في التعاون العلمي وتبادل الخبرات مع أساتذة الجامعات الأخرى".
وبمناسبة ما كتبه مصطفى كامل السيد، عن التدخلات الأمنية في الأنشطة العلمية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، تذكر أستاذ القانون والدستور المصري نور فرحات ما حدث معه من موقف مشابه في التسعينيات، برعاية مركز حكم القانون والنزاهة في لبنان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وروى الفقيه الدستوري "اشتركت مع قاض مصري جليل وقضاة وفقهاء عرب في دراسة عن أوضاع القضاء في العالم العربي. كانت الدراسة تتعرض للقضاء في مصر والمغرب ولبنان. وفقا للتقاليد العلمية المرعية كان من المفترض أن تناقش دراسة كل بلد في مجتمع أكاديمي بالدولة المعنية. رتبت مع العميدة وقتئذ الدكتورة مني البرادعي علي تنظيم الندوة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكان من المفروض أن تنظم في كلية الحقوق ولكن الجهات الراعية رأت ذلك. كان هناك زميل في كلية الاقتصاد قسم العلوم السياسية يتولى الترتيبات، ذهبت في اليوم المحدد للكلية فلم أجد إعلانًا واحدًا عن الندوة، وأرشدوني لقاعة يجلس فيها خمسة أشخاص منهم موظفو الكلية. تناقش الخمسة لمدة نصف ساعة وانصرفوا، قيل لي هذه هي تعليمات الأمن أن تعقد الندوة في صمت. وقد كان. هذه دولة العلم الصامت لاعتبارات أمنية".