مصريون ينعون المعارض يحيى القزاز: رحل المناضل الشرس

18 ديسمبر 2024
صورة متداولة للمعارض المصري الراحل يحيى القزاز (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توفي يحيى القزاز، السياسي والأكاديمي المصري، عن 68 عاماً بعد معاناة مع ارتفاع ضغط الدم. كان أستاذاً في الجيولوجيا بجامعة حلوان ومؤسس حركة "كفاية" لمناهضة الاستبداد، واعتقل في 2017 بسبب آرائه السياسية.

- عُرف القزاز بمواقفه الثابتة في الدفاع عن الحرية والعدالة، واعتبر رمزاً للنضال السياسي والفكري في مصر. نعت شخصيات عامة ومنظمات حقوقية شجاعته وإصراره على الحق.

- أصدرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان بياناً نعت فيه القزاز، مشيرة إلى أنه كان صوتاً حراً ومعارضاً صلباً، واعتبر رحيله خسارة كبيرة للمجتمع الأكاديمي والحركة الحقوقية والسياسية.

عن 68 عاماً ونيّف، رحل السياسي والأكاديمي المصري يحيى القزاز عن عالمنا. فقد توفّي المعارض البارز وأستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان (جنوبي محافظة القاهرة)، اليوم الأربعاء، بعد معاناة طويلة مع مرض ارتفاع ضغط الدم الذي يُطلَق عليه "القاتل الصامت". وعلى الرغم من دخوله المستشفى لتلقّي العلاج أخيراً، فقد غادره القزاز إنّما "على مسؤوليته الشخصية"، وذلك بعد مسيرتين أكاديمية وسياسية حافلتَين.

وُلد يحيى القزاز في مصر في عام 1956، ليبرز اسمه بين الأكاديميين المدافعين عن الحريات والحقوق، إلى جانب كونه عالماً متميّزاً في مجال الجيولوجيا. وهو كان يُعرَف بحبّه الشديد لـ"مصر وترابها"، الأمر الذي اتّضح في مسيرته العلمية التي قادته إلى التجوال في ربوع البلاد، مبرزاً جمالها وقيمتها الجيولوجية. ولم يكن القزاز أكاديمياً تقليدياً اكتفى بالمنهاج، إنّما كرّس جهوده للدفاع عن الحرية الأكاديمية وحقوق الطلاب وكان صوته حاضراً في كلّ معركة تتعلّق بالكرامة والعدالة. وفي عام 2004، كان من أوائل مؤسّسي حركة "كفاية" التي اشتهرت بمناهضتها الاستبداد والتوريث، والتي طالبت بوقف التفريط في حقوق مصر السياسية والاقتصادية.

يحيي القزار في مواجهة السلطة

وفي عام 2017، أُلقي القبض على يحيى القزاز على خلفية تدوينات سياسية نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، انتقد فيها سياسات النظام الحاكم. وقد وُجّهت إليه اتّهامات بالتحريض ضدّ الدولة وبالانتماء إلى جماعة إرهابية، الأمر الذي وصفه حقوقيون وسياسيون بأنّع "تلفيق". وقد أمضى القزاز ثلاثة أشهر في الحبس الاحتياطي في قضيّة رأي، إلى حين الإفراج عنه في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2018 بكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه مصري (نحو 600 دولار أميركي في حينه)، غير أنّه ظلّ تحت مراقبة مستمرة وسط تضييق سياسي وإعلامي.

ولم تقتصر حملات الاستهداف التي تعرّض لها يحيى القزاز شخصه فحسب، بل امتدّت لتشمل أسرته. وفي عام 2019، مُنعت زوجته البالغة من العمر 66 عاماً من السفر لأداء العمرة، كذلك أُدرجت أسماء أبنائه في قوائم الممنوعين من السفر من دون أيّ سند قانوني. وقد نشر القزاز حينها تدوينة مؤثّرة وصف فيها الظلم الذي لحق بأسرته، جاء فيها "إذا كانت آرائي تزعج السلطة، فأنا مستعدّ لدفع الثمن. لكن ما ذنب زوجتي وأبنائي؟".

وفي شهر يوليو/ تموز من عام 2019، أُحيل يحيى القزاز إلى مجلس التأديب في جامعة حلوان بتهمة "الانقطاع عن العمل"، وهي المدّة التي قضاها في الحبس الاحتياطي. وفي خطوة أخرى وُصفت بأنّها "انتقام سياسي"، أُحيل مجدداً إلى مجلس التأديب بزعم "الإخلال بواجبات وظيفته" وكذلك الانتماء إلى جماعة إرهابية، على الرغم من أنّ النيابة لم تتمكّن من إثبات هذَين الاتهامَين. وفي أغسطس/ آب من عام 2021، منع أمن جامعة حلوان محاميه من حضور جلسة مجلس التأديب، في واقعة أثارت استياء حقوقيين رأوا في ذلك "عصفاً بالحريات الأكاديمية وقواعد العدالة".

إرث يحيى القزاز ثمين لا يُنسى

وكان يحيى القزاز قد عُرف بمواقفه الثابتة ومبادئه التي لم تتبدّل على الرغم من كلّ أشكال التنكيل التي تعرّض لها. فهو ظلّ مؤمناً بأنّ الحرية والعدالة هما أساس الدولة الحديثة، وقد رفض بطريقة قاطعة السكوت على الظلم. وفي أحد تصريحاته، قال إنّ "احترام الدستور والقانون هو أساس قوّة الأنظمة، لا القوّة الغاشمة".

وقد نعت شخصيات عامة ومنظمات المعارض السياسي والأكاديمي المصري البارز يحيى القزاز، اﻷستاذ المتفرّغ في كلية العلوم في جامعة حلوان. في هذا الإطار، أعلن أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة عمار علي حسن وفاة المعارض المصري، في تدوينة نشرها على صفحته على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، جاء فيها "ذهب الدكتور يحيى القزاز إلى جوار ربّه"، مشيراً إلى أنّه "عاش حراً أبياً عزيزاً مخلصاً لوطنه ولما يؤمن به". وتوجّه حسن إليه، في تدوينته، قائلاً: "عشت تطلب الحرية والعدل يا قزاز، فالآن ستجدهما هناك، في رحاب ذي الجلال، فلك الرحمة والغفران ولأهلك الصبر والسلوان".

وأوضح حسن، في تدوينته نفسها، أنّ يحيى القزاز "علّم أجيالاً تلو أجيال (علم الجيولوجيا)"، مبيّناً أنّ ذلك "جعله يجوب مصر من أقصاها إلى أدناها، فأحبّ كلّ ذرّة في ترابها، وآمن بقيمتها وقامتها". وأشار إلى أنّه "كان رجلاً يشاكس ويقاوم من دون تردّد"، مؤكداً أنّه كان يهدف إلى "الحقّ والحقيقة" وإلى "الحرية والكرامة". وشدّد حسن على أنّ القزاز "لم يخف، ودفع الثمن راضياً، لأنّه آمن بأنّ الرجل الحقيقي لا يحني ظهره، مهما داهمته الظروف القاسية، أو هبّت عليه العواصف الهوجاء"، مبيّناً أنّه "لم يضنه سوى إيذاء أهل بيته بسببه، فكان يقول دائماً بشجاعة ونبل: أنا أمامكم، فافعلوا ما تشاؤون بي، وخلّوا أهلي، فلا ذنب لهم".

بدوره، نعى المحامي الحقوقي خالد علي الفقيد يحيى القزاز، وكتب "وداعاً للدكتور الجليل يحيى القزاز"، مضيفاً: "تعرّفت إليه من خلال حركة 9 مارس لاستقلال الجامعة المصرية، وبعدها توالت الأنشطة العامة التي تجمعنا، وتشرّفت بأن أكون محاميه عند القبض عليه". وأشار علي، في منشور على موقع فيسبوك، إلى أنّ "لا أنسى أبداً شجاعته سواء في أقواله أو دفاعه عن مواقفه وأفعاله بكلّ شرف وكرامة"، واستعاد أحد المواقف السابقة مع الراحل عندما أخبره أنّه قرّر التوقّف عن تناول الشاي الذي يحبّ، وذلك "حتى لا يظنّ سجّاني أنّه يملك أداة للضغط عليّ"، بحسب ما نقله عنه المحامي الحقوقي. وختم علي منشوره بـ"ربّنا يرحمك ويسكنك فسيح جنّاته ويصبّر قلوب محبّيك".

في سياق متصل، أصدرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان بياناً تحت عنوان "رحيل الفارس الدكتور يحيى القزاز: صدى المعارضة ونموذج الصمود"، نعت فيه "ببالغ الحزن والأسى (...) المعتقل السياسي السابق وأحد أبرز رموز المعارضة وأستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان الذي أُعلن اليوم عن وفاته، تاركاً خلفه إرثاً نضالياً خالداً وتاريخاً مشرّفاً من الدفاع عن الحقوق والحريات". أضافت الشبكة: "لقد كان الدكتور يحيى القزاز صوتاً حرّاً ومعارضاً صلباً لم يخشَ الجهر برأيه أو الوقوف في وجه الظلم"، مشيرةً إلى أنّه طوال مسيرته "تحمّل كثيراً من الصعاب في سبيل الدفاع عن قيم الحرية والكرامة والعدالة".

وأوضحت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أنّ "آخر مواقفه العلنية الرسالة المفتوحة التي وجّهها إلى (الرئيس المصري) عبد الفتاح السيسي، تعبيراً عن إصراره على توجيه الكلمة الحرّة رغم كلّ القيود والتحديات". وأكدت أنّ "رحيل الدكتور يحيى القزاز يمثّل خسارة كبيرة للمجتمع الأكاديمي وللحركة الحقوقية والسياسية في مصر"، ولا سيّما أنّه كان "مثالاً للشجاعة والإصرار على الحقّ مهما كانت التحديات".

تجدر الإشارة إلى أنّ ناشطين كثيرين وكذلك مدوّنين على مواقع التواصل الاجتماعي قد شاركوا في نعي يحيى القزاز ورثائه، كلّ بطريقته. لكنّهم أجمعوا بحسب ما تدلّ منشوراتهم على أنّ رحيله ليس فقط فقداناً لعالم في مجال الجيولوجيا إنّما لأيقونة من أيقونات النضال السياسي والفكري ولرمز من رموز مصر أبى إلا أن يعيش حرّاً حتى الرمق الأخير.

المساهمون