بين عامي 2018 و2020، زاد عدد الأشخاص الذين لا مأوى لهم في العاصمة البلجيكية، بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، بنحو 30 في المائة. أشارت نتائج إحصاء كبير، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى أثر فيروس كورونا الجديد في هذه الظاهرة، التي من المرجح أن تكبر. منذ عام 2008، دأبت منطقة العاصمة بروكسل كلّ سنتين على قياس تغير عدد الأشخاص الذين يعانون من التشرد أو السكن السيئ.
هذه المنهجية، التي تهدف إلى إجراء مسح خلال ليلة واحدة، 9 نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام، بفضل العمل الميداني لفريق كبير من المتطوعين والمهنيين في هذا القطاع، جعلت من الممكن تقديم تقرير دوري عن التصاعد الحتمي لظاهرة الأشخاص الذين لا مأوى لهم في العاصمة الأوروبية (مستوى القياس ونتائجه يسمحان بإطلاق مفهوم "ظاهرة" بشكله العلمي على هذه الأزمة). ولا تشير أرقام آخر إحصاء أجري في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 إلى انعكاس الاتجاه، بل على العكس تماماً، إذ وفقاً لتقرير تحليل هذه الأرقام، جرى إحصاء إجمالي 5313 شخصاً في حالة من التشرد ولا مأوى لهم في تلك الليلة، مقابل 4187 في عام 2018. الزيادة تبدو واضحة للعيان بنسبة 27.72 في المائة. ونتيجة للظروف المرتبطة بالفيروس، مثل تطبيق حظر التجول أو فتح أماكن إضافية في مساكن الطوارئ، حددت خدمات التعداد عدداً أقل بقليل من الأشخاص الذين يقضون الليل في الأماكن العامة.
في المقابل، انفجر عدد المواطنين الذين يستخدمون أماكن إقامة في حالات الطوارئ، إذ استخدم 1928 شخصاً هذه المراكز في إحصاء 2020، مقارنة بـ 1305 في إحصاء 2018، أي بزيادة نحو 47.7 في المائة. ومن بين الملاحظات الأخرى اللافتة في المسح النمو الكبير في استخدام الأشخاص الذين لا مأوى لهم الأماكن المهجورة.
وأحصي نحو ألف شخص في هذه الفئة من المساكن غير المستقرة. رقم يصل إلى نحو أربعة أضعاف ما كان عليه عام 2018، ومرتين مقارنة بعام 2016. وإذا كان عدد الأطفال أقل في الشوارع، إذ جرى تحديد 12 قاصراً في الأماكن العامة في الإحصاء الأخير، فإن وجودهم في مراكز الطوارئ مرتفع جداً (388 طفلاً). أضف إلى ذلك أنّ عدداً كبيراً من الأطفال ينامون أساساً في الملاجئ، مثل مقار الاستقبال أو العبور أو في أماكن الإقامة التي تعتبر غير ملائمة. يقول فرانسوا برتراند، مدير الوكالة الإقليمية التي تنسق قطاع دعم المشردين وتشرف على عملية التعداد، لـ"العربي الجديد": "جرى تحديد ما مجموعه 933 من الأطفال والمراهقين المشردين أو الفقراء في بروكسل".
يشدد على أنّ "واحداً من كلّ خمسة أشخاص يعاني من التشرد أو سوء السكن هو في سنّ أقل من 18 عاماً". كذلك، يشير إلى أنّه في فئة السكان المشردين "تتجاوز الفئة العمرية (18- 25) عشرين في المائة، مما يعني أنّ الصورة النمطية للرجل العجوز في زاوية الشارع لم تعد مطابقة للواقع. وقد لوحظ في الأدبيات الدولية أنّ التشرد أصبح أصغر سناً، ويضم مزيداً من النساء والعائلات". وتشكل النساء، بحسب المسح، نحو 30 في المائة من المشردين.
وبينما يؤثر وباء كورونا بالتأكيد في هذه التغيرات، فإنّ الوضع مرشح للتدهور في ضوء السياق الاجتماعي والاقتصادي الحالي. وهو ما يقلق فرانسوا برتراند: "نخشى من موجة صدمة ستؤثر على الأسر ذات الدخل المنخفض. ففي بروكسل، أكثر من المدن الأخرى في البلاد، أصبح الوصول إلى السكن صعباً للغاية، إذ تنفق الأسر ذات الدخل المنخفض ما يصل إلى ثلثي دخلها على السكن. وهذا يعني أنّ أيّ شخص من الطبقات الدنيا يمكن أن يصل إلى التشرد نتيجة التفكك الأسري، أو فقدان الوظيفة، أو في حال العنف المنزلي". يشير إلى أنّ "الأسرّة الإضافية التي جهزت استجابة لكورونا، وأيضاً كجزء من خطة الشتاء، لإيواء المشردين، لا يُمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية". فأماكن الإقامة في حالات الطوارئ التي جرى فتحها في بروكسل استخدمت كلّها من دون استثناء، خصوصاً تلك التي افتتحت على عجل في الفنادق. ففي ليلة الإحصاء، كان 622 شخصاً يمضون الليل في هذه الفنادق. وبالتالي، فإنّ التساؤل بين العاملين في قطاع دعم المشردين هو ما الذي سيحلّ بهؤلاء بمجرد أن تستأنف الفنادق وظيفتها الأصلية. ويعترف آلان مارون، الوزير المسؤول عن الشؤون الاجتماعية في مقاطعة بروكسل، قائلاً: "لن نتمكن من استخدام الفنادق كمراكز لاستقبال الأشخاص الذين لا مأوى لهم، لأمد طويل".
ولتفادي أن يتسبب انتهاء حالة الطوارئ الخاصة بكورونا في عودة كثير من المشردين إلى الشارع، سيتعين على بروكسل، بالإضافة إلى تعزيز شبكات الأمان التي تهدف إلى منع فقدان المساكن، دعم سياسة الحصول على مسكن بشكل عاجل وقوي. يقول مارون: "هذا ما تم التخطيط له"، مشيراً إلى أنّ الحكومة أعلنت بحلول عام 2024 مضاعفة الموارد المخصصة لسياسة السكن أولاً أربع مرات، ويعلق: "نهدف إلى إعادة توطين 500 شخص وأسرة على أساس مستدام بحلول نهاية هذا العام. كذلك، أطلقنا دعوات لمشاريع عبر وكالات العقارات الاجتماعية، والتي ستسمح لنا بحلول نهاية العام بتوليد 400 وحدة سكنية مخصصة لمشاريع الإسكان".