تعمل منجية إبيضي (33 عاماً) وهي أم لأربعة أطفال وتعيش في منطقة غار دماء في محافظة جندوبة شمال تونس، في تقطير زيوت النباتات الغابية على غرار إكليل الجبل والزعتر والقضوم والصنوبر وغيرها. لم تلتحق بمعهد لتتعلم ذلك، إذ إن غالبية فتيات تلك المنطقة يتوارثن هذه الحرفة عن الأمهات والجدات. كانت تحتاج إلى بعض الإمكانيات لإنشاء مشروع صغير، وترويج منتجاتها في المعارض الوطنية. لكن قبل ستة أشهر، بدأت مشروعاً ضمن برنامج تمكين المرأة الريفية الذي أطلقته وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن منذ عام 2018 لتشجيع الفتيات الريفيات. تقول إنّها "تمكنت من خلال التمويل الذي حصلت عليه من اقتناء بعض المعدات كالقطّار، وهو إناء خاص لتقطير الزيت، وبعض القوارير الزجاجية للترويج لمنتجاتها في الأسواق والمعارض. كما تمكنت من الحصول على ترخيص من الإدارة العامة للغابات لجمع بعض النباتات الجبلية في كل موسم بكميات محددة لا تهدد الثروة الغابية.
ويعيش أكثر من مليون و700 ألف امرأة وفتاة في الأرياف، بنسبة 32 في المائة من مجمل النساء في تونس، و50 في المائة من مجمل سكان المناطق الريفية. كما يمثلن 58 في المائة من اليد العاملة في قطاع الزراعة في البلاد. مع ذلك، تعد المرأة الريفية من أكثر الفئات تهميشاً، وتعاني غالبيتهن من البطالة. وكانت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن قد أعلنت عام 2018 عن دعم النساء والفتيات في المناطق الريفية من خلال 3550 قرض بقيمة تتجاوز 8 ملايين دولار، عبر برنامج تمكين المرأة الريفية لحثها على إنشاء مشاريع صغيرة. ويهدف البرنامج إلى تنمية القدرات والمهارات الإنتاجية وإدارتها، ودعم انخراط النساء في الاقتصاد، وضمان ظروف العمل اللائق للمرأة الريفية بما في ذلك حمايتها من الأخطار الممكنة في العمل الزراعي.
وينفذ البرنامج على مراحل سنوياً. ففي كل عام، تُدعم مجموعة من النساء في أحد الأرياف سواء في الشمال أو الجنوب. وخلال الشهر الماضي، أشرفت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن على تسليم مشاريع صغرى لصالح 16 امرأة من أرياف معتمديتي ذهيبة ورمادة في تطاوين في الجنوب التونسي بكلفة تناهز 140 ألف دولار.
كما أعلنت الوزارة عن إطلاق البرنامج الوطني الجديد لريادة الأعمال النسائية والاستثمار المراعي للنوع الاجتماعي "رائدات"، مشيرة إلى أن البرنامج يهدف إلى تيسير وصول النساء إلى وسائل الإنتاج والدفع بمساهمتها في إحداث نقلة نوعيّة في مجال تمويل المشاريع النسائية الصغرى والمتوسطة وذات الطاقة التشغيلية العالية، بهدف الحد من نسبة البطالة بين الفتيات والنساء، سواء من ذوات المستوى العلمي الضعيف والمتوسط أو من حاملات الشهادات.
وبحسب الوزارة، سيعمل البرنامج الوطني الجديد خلال السنوات الخمس المقبلة على خلق أكثر من 6 آلاف مشروع باعتمادات تقدر بـ 16 مليون دولار، وبمعدّل 600 مشروع سنوياً، مع إسناد دفعات جديدة من القروض المتوسطة والكبرى.
وانطلق البرنامج فعلياً عام 2018، وتمكن من إنشاء 4868 مشروعاً نسائياً منها 3932 مشروعاً صغيراً للغاية و531 مشاريع صغرى ومتوسطة باعتمادات تجاوزت 14 مليون دولار. كما ساهم في خلق نحو 6216 فرصة عمل مباشرة.
ويستمر عمل البرنامج حتى عام 2025، ويهدف إلى إنشاء 600 مشروع سنوي، عدا عن تمويل ذاتي من الوزارة لصاحبات الشهادات.
وانطلقت أولى تلك المشاريع هذا العام في محافظة تطاوين في الجنوب التونسي منذ الشهر الماضي. واستفادت مجموعة من النساء من التمويل لخلق مشاريع صغيرة لصالح النساء والفتيات. وتقول هنية الشايب (40 عاماَ) إنّها "لا تملك عملاً ولا شهادة علمية وقد تقدمت بطلب للانتفاع من البرنامج وتمكنت من إطلاق مشروع لتربية المواشي وزراعة بعض الخضار في البيوت المحمية المكيفة في أرض ورثتها عن والدها. كما تقدمت بطلب لحفر بئر، لا سيما أن غالبية مناطق الجنوب تفتقر إلى المياه والآبار والسدود، وتشهد انخفاضاً كبيراً في نسبة التساقطات الموسمية". تضيف أنّها "اختارت أيضاً تشغيل بعض النساء معها في محاولة لمساعدتهن في تأمين عمل، وخصوصاً أن النساء في تلك المنطقة لا يعملن بغالبيتهن سوى في القطاع الزراعي".
من جهتها، تمكنت فوزية (55 عاماً) من الحصول على تمويل بقيمة ألفي دولار لتطوير مشروعها في صناعة الفخار في منطقة سجنان في محافظة بنزرت. وتشير إلى أنّ 90 في المائة من نساء تلك المنطقة يعملن في صناعة فخار سجنان، وحصلن على تمويل من الجمعيات المشجعة للمرأة الريفية، في وقت تمكن عدد منهنّ من الحصول على تمويل من وزارة المرأة لتطوير مشاريعهن البسيطة وتشغيل بعض النساء، خصوصاً في صناعة الفخار في بيوتهنّ وترويج ما ينتجنه في المعارض وحتى في الأسواق العالمية".
وتختلف تلك المشاريع التي تدعمها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بحسب طلب كل امرأة ريفية نظراً إلى قدراتها، على غرار النسيج التقليدي وصناعة الفخار وتربية المواشي والزراعة. ولا يشترط على كلّ من تريد الانتفاع من البرنامج أن تكون من صاحبات الشهادات. ولا تقدّم الوزارة فقط التمويل، بل توفر بعض المعدات التي تحتاجها النساء والتي تختلف بحسب طبيعة المشروع.