مسيحيو فلسطين يحتفلون بـ"سبت النور": صمود رغم تضييق الاحتلال

15 ابريل 2023
شعلات من النور المقدّس في كنيسة القيامة بالقدس المحتلة اليوم (فرانس برس)
+ الخط -

بينما يمضي الاحتلال الإسرائيلي بقمعه وتضييقه على الفلسطينيين في القدس، احتفل مسيحيو فلسطين اليوم بـ"سبت النور" في المدينة المحتلة كما في بقيّة أرجاء الوطن. وبعدما فاض النور المقدّس في كنيسة القيامة بالبلدة القديمة عند الساعة الثانية من بعد الظهر بالتوقيت المحلّي،، أُرسلت شعلات منه إلى مدينة رام الله ومدن وبلدات فلسطينية عديدة وكذلك إلى عدد من الدول العربية المجاورة ودول أخرى أوروبية وغيرها.

للعام الثاني على التوالي، فرضت قوات الاحتلال قيوداً مشدّدة على احتفالات المسيحيين بـ"سبت النور" في كنيسة القيامة، وغلّظت إجراءاتها وإغلاقاتها لمنع وصول المؤمنين إلى كنيسة القيامة الواقعة في البلدة القديمة من القدس، فيما اعتدت بالضرب على شبّان ورجال دين كانوا يتوجّهون إلى الكنيسة.

الصورة
الاحتلال الإسرائيلي يمنع المؤمنين المسيحيين من التوجه إلى كنيسة القيامة بالقدس في سبت النور 2023 (مصطفى الخروف/ الأناضول)
الاحتلال الإسرائيلي يمنع المؤمنين المسيحيين من التوجّه إلى كنيسة القيامة (مصطفى الخروف/ الأناضول)

إصرار على الاحتفال

في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، أصرّ سامي عبد الله على المشاركة باحتفالات "سبت النور" كما في كلّ عام. لكنّ إصراره زاد اليوم، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد"، وذلك في ظلّ ما جرى بمدينة القدس من القمع الذي مارسته قوات الاحتلال الإسرائيلي في حقّ المؤمنين في خلال احتفالاتهم بهذه المناسبة بالقرب من كنيسة القيامة.

ويشدّد عبد الله الذي يعبّر كلامه عن رأي فاسطينيين كثيرين على أنّ "ما جرى في القدس أمر لا يجوز، والاحتلال يحاول تنغيص احتفالات المؤمنين. لكنّه مهما فعل، فإنّنا لن نتخلّى عن القدس وعن كنيسة القيامة، ولن نتخلّى عن الاحتفال بسبت النور". يضيف: "نحن صامدون، ومن غير المقبول المساس بحرية العبادات"، مطالباً بـ"تدخّل عالمي مسيحي لمنع ما يحدث".

الصورة
وصول شعلة النور المقدس إلى رام الله في سبت النور 2023 (العربي الجديد)
وصول شعلة النور المقدّس إلى رام الله بعدما فاض في كنيسة القيامة بالقدس المحتلة (العربي الجديد)

محاولات لفرض أمر واقع

من جهته، يرى الأب إلياس عواد، راعي طائفة الروم الأرثوذوكس في رام الله، أنّ "ما يأتي به الاحتلال من ممارسات قمعية في القدس هو في سياق فرض سلطته وفرض واقع جديد"، مشدّداً على أنّ "هذه المحاولات مرفوضة من قبل الشعب الفلسطيني".

ويقول عواد لـ"العربي الجديد" إنّ "ما جرى في حقّ المحتفلين في القدس وضرب المؤمنين الذين كانوا يستقبلون النور المقدّس من كنيسة القيامة أمر مستنكر. ونحن نناشد العالم بإنصاف الشعب الفلسطيني، وبضمان حرية العبادة في القدس عاصمة دولتنا، خصوصاً في كنيسة القيامة أقدس مقدّساتنا".

ويؤكد عواد: "سوف نتصدّى جميعاً (جميع الفلسطينيين) بصدورنا للاحتلال ونتحدّاه. فنحن مصرّون وملتزمون بممارسة طقوسنا، وبحضورنا في مدينة القدس للدفاع عنها". ويعبّر عن أمله بأن "يعمّ السلام في فلسطين وأن تتحرّر. وكلّ عام وأبناء شعبنا الفلسطيني، مسلمين ومسيحيين، بألف خير بمناسبة عيد القيامة وشهر رمضان المبارك".

التصدّي للاحتلال واجب

في الإطار نفسه، تشبّه ليلى زايد من رام الله "اعتداء الاحتلال على حرمة المسجد الأقصى بما حدث اليوم؛ الاعتداء على كنيسة القيامة"، مشدّدة لـ"العربي الجديد" على "وجوب أن يتصدّى الجميع لما يقوم به الاحتلال، فحرية العبادة أمر مهمّ لا بدّ من الدفاع عنه".

أمّا فجر غسان فيذهب في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أبعد من ذلك، قائلاً إنّه "كان يتوجّب على المقاومة الفلسطينية أن تطلق الصواريخ للردّ على انتهاكات الاحتلال في حقّ المسيحيين وكنيسة القيامة". ويشرح غسان أنّ "ردّ المقاومة بإطلاق الصواريخ كردّ على انتهاك حرمة كنيسة القيامة مثلما حدث حينما انتُهكت حرمة المسجد الأقصى أمر مهمّ، حتى يدرك الاحتلال الذي يمارس الاضطهاد الديني أنّ حرية العبادة والمساس بالأديان خطّ أحمر، بالإضافة إلى إفشال مخططاته بفرض السيطرة على المواقع الدينية سواء المسيحية منها أو الإسلامية". ويشدّد على أنّه "في حال لم يُلجَم الاحتلال فإنّه سوف يتمادى أكثر".

الصورة
احتفالات سبت النور 2023 في إحدى كنائس رام الله (العربي الجديد)
فلسطينيون يضيئون شموعهم من شعلة النور المقدّس في إحدى كنائس رام الله (العربي الجديد)

بهجة وتشديد على حرية العبادات

ووسط رام الله، راحت فرق الكشافة تجوب شوارع المدينة وتعزف الموسيقى لاستقبال النور المقدّس، فيما تجمّع الفلسطينيون المسيحيون كما المسلمون على جانبَي الطرقات احتفالاً بهذه المناسبة. وقد نثر بعض المحتفلين الأرزّ والسكاكر تعبيراً عن الفرحة، فيما علت الهتافات الوطنية التي تؤكّد وحدة المسلمين والمسيحيين في وجه ممارسات الاحتلال.

وقد استقبل المحتشدون النور المقدّس الآتي من القدس، بمشاركة رجال دين مسيحيين ومسلمين وشخصيات وطنية، ورافقوه وصولاً إلى كنيسة الروم الأرثوذكس في رام الله. وقد أقيمت صلوات وأُلقيت كلمات عدّة بالمناسبة، قبل أن تُنقَل شعلات منه إلى محافظات الضفة الغربية وإلى دول عربية مجاورة.

الصورة
احتفالات سبت النور 2023 في رام الله (العربي الجديد)
من احتفالات سبت النور في رام الله اليوم (العربي الجديد)

ويقول قائد مجموعة كشافة النادي الأرثوذكسي في رام الله سيمون دحدح لـ"العربي الجديد" إنّ "سبعة فرق كشفية تضمّ نحو ألف كشفي وكشفية شاركوا في احتفالات سبت النور اليوم، بمدينة رام الله، من ضمن تقاليد متعارف عليها منذ عام 1927 وحتى يومنا هذا". من جهة أخرى يشدّد دحدح على أنّه "لا يمكن القبول بقمع المؤمنين في القدس. فالحريات الدينية مطلوبة، وهذا بلدنا ووطننا، ونأمل أن يحلّ العام المقبل ونحن أحرار بعباداتنا وأعيادنا".

في سياق متصل، يقول الأب عيسى أبو سعدة كاهن رعية كنيسة سيدة البشارة للروم الملكيين الكاثوليك في رام الله لـ"العربي الجديد" إنّ "سبت النور هو عيد مسيحي وطني، ونحن نحتفل به منذ مئات السنين. وما جرى اليوم هو اضطهاد للمسيحيين إذ مُنعوا من ممارسة أحد أهمّ الطقوس الدينية".