كلما أشارت عقارب الساعة إلى اقتراب تنفيذ الإجراءات الأولى للانتخابات الرئاسية في مصر، يراود أهالي الإسكندرية (شمال) حلم السماح بالبناء مجدداً، بعد سنوات من وقف إصدار التراخيص في انتظار إصدار قانون موّحد للبناء وفرض قيود مشددة وصارمة على إصدار التراخيص، ما أوقف عملياً مشاريع البناء في المدينة، وزعزع ركيزة أساسية في عجلة دوران الاقتصاد بالإسكندرية، وعطّل بالتالي مجموعة من الفوائد على صعيد جذب قوى عاملة كبيرة، والسماح باستثمار جزء كبير من أموال ومدخرات المواطنين، ومعالجة أزمات الاكتظاظ السكاني، والنقص في الوحدات السكنية مقارنة بأعداد الراغبين في السكن.
يقول حامد الزيني، وهو مطور عقاري في الإسكندرية، لـ"العربي الجديد": "يواجه السكان والمقاولون معاناة كبيرة في استخراج تراخيص بناء، ويأملون أن يتغير الوضع مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، التي يعتبرونها فرصة لإحداث تحوّل حقيقي في السياسات الحكومية والقوانين المتعلقة بالتطوير العمراني والبناء من خلال وضع استراتيجيات جديدة أكثر مرونة وتسامحاً".
يضيف: "سيُساهم السماح بالبناء مجدداً وتطوير المشاريع العقارية في تحفيز النمو الاقتصادي، ويوفر فرص عمل، ويحسّن الجودة المعيشية للمواطنين، خاصة أن الإسكندرية تعتبر بين أكثر المدن المصرية التي تعاني من نقص في الوحدات السكنية، ويعيش ملايين فيها على مساحة ضيقة".
ويقول الحاج عادل عابدين، وهو صاحب شركة مقاولات وسط الإسكندرية، لـ"العربي الجديد"، إن "فرض قيود صارمة على البناء وعدم توفر فرص ملائمة لتطوير مناطق جديدة رفعا نسب البطالة وأسعار الوحدات السكنية. من هنا، يُنظر إلى الانتخابات الرئاسية باعتبارها فرصة لاحتمال تساهل الحكومة وتراجعها عن شروط بناء تعتبر مجحفة، تمهيداً لإطلاق حركة بناء كثيفة ومفيدة للجميع في الفترة المقبلة".
يضيف: "كان وقف منح تراخيص بناء ضرورياً لفترة بسبب البنية التحتية الهشة في الإسكندرية، التي كانت تُشكل تحدياً كبيراً أمام تنفيذ أي مشروع للتطوير العمراني، ومنها الطرق القديمة ونقص الخدمات الأساسية، مثل المياه والصرف الصحي وغيرها".
ويؤكد أن "استمرار وقف إصدار التراخيص أو تأخيرها يزيد معاناة المواطنين، ويؤثر سلباً في عدد كبير من العاملين بقطاع المقاولات، ويتسبب في ارتفاع نسبة البطالة خاصة لدى أصحاب المهن الحرفية اليومية، أو غير المنتظمة التي تعتمد مباشرة على قطاع التشييد والبناء، ما يزيد حجم معاناة آلاف الأسر. وبعد سنوات طويلة من تحديث البنى التحتية بمشاريع ضخمة، حان وقت إعادة السماح بالبناء، وهو ما أتوقع أن يكون مفاجأة الدولة للمواطنين بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية".
ويرى حسن خير الله، رئيس لجنة المصالحة الخاصة بملف مخالفات البناء في حي غرب الإسكندرية، الرئيس السابق للجنة الإسكان بالمجلس المحلي في المدينة، في حديثه لـ"العربي الجديد": "سيزيد تأخير إصدار تعديلات قانون البناء الموحد، والاكتفاء بتعديل بعض ضوابط وشروط التخطيط والبناء، معاناة المواطنين، ويفاقم مخالفات البناء العشوائي والتشوّه العمراني في أنحاء مصر. وقد تراجع عدد التراخيص الممنوحة للمواطنين على مستوى الجمهورية رغم استيفاء المستندات المطلوبة لإصدار التراخيص، وذلك بسبب صعوبة تطبيق الشروط على أرض الواقع، واستحداث إجراءات جديدة مجحفة، مثل الحصول على موافقة جهات متخصصة بإصدار تراخيص، وتأخير إصدار بيانات لصلاحية المواقع".
ويطالب حسن بإيجاد حلول وإجراءات تضبط منظومة البناء، وإجراء حوار لتعزيز المشاركة المجتمعية في التنسيق بين الجهات والوزارات المختصة لمناقشة منظومة التراخيص وشروط البناء والتعديلات المطلوبة، ما يشكل مجموعة إجراءات مناسبة للحفاظ على حق الدولة والمواطنين معاً.
على صعيد آخر، يقول النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي: "التوقعات بفتح تراخيص بناء خاطئة تماماً، علماً أن منح تراخيص البناء لم يتوقف أساساً في جميع المحافظات، بل شكلت الشروط وسيلة تنفيذ وقف فعلي بسبب صعوبة تطبيقها، لكن ذلك لم يمنع إصدار 1267 ترخيصاً بالبناء خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بحسب ما أظهرت بيانات الوزارات المعنية".
يضيف: "السماح ببناء مشاريع جديدة يجب أن يحصل بحسب معايير بيئية صارمة، مع الاهتمام بالحفاظ على البيئة الطبيعية والأماكن التاريخية في المدينة، وعدم التضحية بها من أجل التطوير العمراني، ووضع خطط مستدامة للتنمية العمرانية تحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية للمدينة".
ويؤكد المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أن الفترة الماضية شهدت جدالاً كبيراً في شأن تراخيص البناء، علماً أنها ليست متوقفة كما أشيع، بل أصبحت تقدم شروطاً جديدة للحد من ارتفاعات المباني، وإحداث تغيير في الحيّز العمراني".
وأضاف: "التطوير العمراني الجديد يجب أن يستشرف المستقبل، ويتضمن خططاً لإنشاء مرافق عامة، مثل مدارس ومستشفيات ومتنزهات ومساحات خضراء، ويوفر بنية تحتية تلبي احتياجات السكان الحالية والمستقبلية، وتساهم في تحسين جودة حياتهم ورفاهيتهم".
وكان المركز الإعلامي لمجلس الوزراء كشف، في بيان نشره على موقع "فيسبوك" مطلع العام الحالي، أن "ما تردد من أنباء عن صدور قرار بتمديد وقف تراخيص البناء للوحدات السكنية بالمحافظات لمدة 6 أشهر جديدة غير صحيح"، علماً أن وزارة التنمية نفت بدورها هذه الأنباء.
وذكرت وزارة التربية والتعليم أنه: "وفقاً لكتابها الدوري رقم 63 الذي أصدرته عام 2021، تستمر المحافظات في السماح بالبناء في القرى وتوابعها، باستثناء المباني الخاصة في المدن الرئيسية وعواصم المحافظات، على أن تستمر أعمال البناء حتى الانتهاء من وضع الشروط الجديدة".