"من خلال هاتف محمول واحد ومن داخل خيمتنا، حصلت وشقيقيّ التوأم على ثلاث شهادات تعليم أساسي"، يقول مهدي الأحمد (18 عاماً) لـ "العربي الجديد". ويشرح: "توقفنا عن الدراسة منذ عام 2019 بسبب نزوحنا من جبل الزاوية إلى مخيم الجزيرة في بلدة أطمة السورية. إلا أن النزوح وبُعد المدارس عن المخيم لم يثنيانا عن متابعة التعليم، إذ وجدنا في مبادرة مسارات ضالتنا، وذلك على الرغم من كل الصعوبات التي واجهناها، بدءاً من ضعف الإنترنت وانقطاعها بشكل متكرر، وعدم قدرتنا على شحن الأجهزة بسبب أزمة الكهرباء، ووجود هاتف واحد". يضيف: "كان شقيقاي صبحي وسيار يحضران الدروس معاً على المنصة التعليمية. وبعد انتهائهما، أتابع دروسي عبر يوتيوب. تقدمنا للامتحان في أحد المراكز التي حددتها مديرية التربية، والذي يبعد عن المخيم مسافة 5 كيلومترات، ونجحنا بتقدير جيد".
بدورها، تتحدث فايزة الشيخ (30 عاماً) وهي من ريف إدلب الجنوبي الذي استولى عليه النظام منذ ثلاثة أعوام، وتقيم حالياً في بلدة كللي شمال إدلب، لـ "العربي الجديد"، عن تجربتها مع مبادرة مسارات. وتقول: "حصلت العام الماضي على الشهادة الثانوية ـ الفرع الأدبي. واليوم أدرس في كلية الآداب قسم الجغرافيا في السنة الثانية بعد انقطاعي عن التعليم لمدة 13 عاماً". تضيف: "تابعت معهم الدروس أونلاين، متجاوزة الصعوبات. فأنا مسؤولة عن بيت وخمسة أطفال، عدا عن انقطاع الكهرباء والإنترنت. إلا أن استعانة البرنامج بأساتذة ذوي مستوى عالٍ سهّلت الأمر عليّ".
تتابع الشيخ: "البرنامج كان منظماً ومواعيده متقطّعة تتناسب مع ظروف ربة المنزل والعاملة. وكنت أشاهد الدرس الذي لا أستطيع حضوره على يوتيوب". وتوضح أن الدراسة "أثرت إيجاباً على نفسيتي وغيّرت مسار حياتي وأعادت إليّ الأمل من جديد".
أما سهام محمد الحسن (39 عاماً)، وتتحدر من قرية معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي وتسكن في مخيم الأنوار في كللي منذ أربع سنوات، فكانت قد انقطعت عن الدراسة منذ نحو عشرين عاماً. ومن خلال مسارات حصلت على شهادة الثانوية العامة ـ الفرع الأدبي هذا العام. وتقول لـ "العربي الجديد": "على الرغم من مسؤولياتي الكثيرة تجاه عائلتي ومنزلي وأطفالي الأربعة وانقطاعي الطويل عن الدراسة وغيرها من الأعباء قررت خوض تجربتي مع مسارات. تابعت الدروس بشكل كامل ولم أنقطع إلا في الحالات الطارئة، ومنها انقطاع الإنترنت. وفي معظم الوقت، كنت أشحن هاتفي على البطارية لأتمكّن من الحضور". وتصف التجربة بـ "الرائعة" قائلة: "كنت أنتظر الدروس بشغف، وقد شعرت بأنني عدت إلى المدرسة".
تضيف: "في البداية كان الأمر صعباً جداً، وشعرت بالملل، لكن رغبتي في الدراسة وحبّي للكتب جعلاني أتابع. والفضل الأكبر لمسارات التي قدمت لي الكتب واختصرت لي كثيراً من الوقت والجهد. حصلت على شهادة الثانوية بمجموع 199 من أصل 220، وسوف أكمل دراستي في فرع الإرشاد النفسي، لألتحق بابنتي التي تدرس في الجامعة وأشجّع ابنتي الثانية التي تتحضر لشهادة الثانوية العامة على الاستمرار".
إلى ذلك، يؤكد مدير فريق العلاقات الإعلامية والتسويق في مبادرة مسارات عبد الرزاق ماضي، لـ "العربي الجديد"، أن "مسارات مبادرة تعليمية تهدف إلى نشر المعرفة بين السوريين، وهي نتاج عمل أكثر من 150 متطوعاً منتشرين حول العالم، غالبيتهم سوريون، بالإضافة إلى آخرين من جنسيات عربية مختلفة. ومن بينهم مبرمجون وكتاب محتوى وتربويون، ويؤمنون أن التعليم حقّ للجميع. نسعى للوصول إلى كل بيت أو خيمة عبر التعليم عن بُعد".
يتابع أن "الفئات العمرية المستهدفة هي طلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي. ولمسارات مركز رئيسي في محافظة إدلب، وتخدم مناطق شمال غربي سورية بشكل كامل". ويوضح أن "مسارات ساعدت أكثر من 9000 طالب من الفئة الأكثر تضرراً في المجتمع والمنقطعين عن التعليم".
وفي ما يتعلق بالصعوبات، يقول ماضي إن أبرزها كان "عدم توفر أجهزة ذكية لدى الطلاب. ويمكن أن يعمل ثلاثة طلاب في عائلة واحدة على جهاز واحد، بالإضافة إلى انقطاع الإنترنت". يضيف أن "فريق التعليم المدرسي والأنشطة الطلابية متخصص في التعامل مع مختلف الفئات العمرية، إذ إن لكل فئة طريقة معينة بإعطاء الدروس وتوقيت إعطائها والتحضير وغير ذلك. على سبيل المثال، بالنسبة للمنقطعين عن التعليم لفترات طويلة، فإن غالبيتهم قد انخرطوا في سوق العمل. لذلك، تم تحديد وقت دوامهم بعد الظهر ما بين الساعة الثانية وحتى الثامنة مساءً. اخترنا هذا التوقيت حتى يكون الرجل الذي يعمل قد أنهى عمله، والمرأة التي لديها أطفال والتزامات في البيت قد أنهتها للتفرغ للتعليم".
وعن نجاح التجربة من عدمه، يقول ماضي إنه يمكن تقييمها من خلال عدد الطلاب المستفيدين. العام الماضي، كان لدينا 2300 طالب في مقابل 800 في العام الذي سبقه. أما هذا العام، فقد وصل عدد المتقدمين إلى 9000، وهو ما يعادل عدد الطلاب خلال السنوات الثلاث الماضية. كما أن نسبة النجاح بين الطلاب وصلت إلى 90 في المائة، وحقق بعض هؤلاء مجموعاً مرتفعاً. العام الماضي، حصل 7 طلاب على مجموع ما بين 235 و240 في الفرع العلمي، يعني أنه يمكنهم دراسة الطب".
ويشرح ماضي: "خطتنا الدراسية عبارة عن ثلاثة مسارات؛ المسار الأول هو التعليم المدرسي ويُعطي المنهاج من قبل معلمين أكاديميين تربويين لطلاب الشهادتين. أما الفعاليات الترفيهية (المسار الثاني) فيقدمها مسار الأنشطة الطلابية. الهدف الأكبر من هذا المسار هو تقوية وتعزيز مهارات الطلاب. والمسار الثالث هو الإرشاد الأكاديمي، وهو مخصص لطلاب الثالث الثانوي". يضيف أن "المسار عبارة عن طريق يساعد الطالب على اختيار التخصص العلمي الذي سوف يدخله بعد إنهاء الثانوية العامة، بمساعدة مستشارين موجودين خارج سورية يعملون عن بُعد في جامعات حديثة".
يضيف أن "المنهاج المقدّم في مسارات هو نفس المنهاج المعتمد من قبل الحكومة السورية المؤقتة. لدينا فريق مختصّ يحوّل هذا المنهاج إلى ملفات إلكترونية باستخدام أفضل تقنيات التعليم عن بُعد". ويشير إلى أن "الامتحانات تقدّم عن طريق دوائر الامتحانات التابعة لمديرية التربية. نحن نقدّم المعرفة المجانية للجميع".