مرضى السودان... الموت يطارد مصابي الفشل الكلوي

09 اغسطس 2023
جلسات غسيل الكلى بالحدّ الأدنى في السودان (فرانس برس)
+ الخط -

حصل مرضى الفشل الكلوي على رعاية طبية بشق النفس قبل اندلاع الحرب في السودان منتصف إبريل/ نيسان الماضي. وبعدما توقف القسم الأكبر من مراكز العلاج عن العمل، زادت الوفيات في ظاهرة تشبه "الموت الجماعي".
ويدير المركز القومي لأمراض وجراحة الكلى مراكز الغسيل في السودان، ويتبع لرئاسة الوزراء التي ترصد له ميزانية منفصلة عن وزارة الصحة تحت بند "العلاج المجاني"، لكن مدير المركز الطبيب نزار زلفو يؤكد أن وزارة المال لم تسلم المركز ميزانية العام الحالي. وأخبر زلفو "العربي الجديد"، أن عدد مرضى الكلى في السودان يبلغ 13240، أجرى 4500 منهم عمليات زرع، في حين لا يزال 8740 يخضعون لجلسات غسيل كلوي.
وفي 3 أغسطس/ آب الجاري، أعلن زلفو نفاد أدوية الكلى في كل مراكز غسيل الكلى، وقال إن "الوضع السائد ينذر بخطر كبير، إذ لا توزع إمدادات دواء على مراكز غسيل الكلى، ما حتم توقف الخدمات في عدد منها".
يقول عضو مبادرة متطوعي استقبال مرضى الفشل الكلوي في مراكز الغسيل، سليم محمد عبد الله، لـ"العربي الجديد": "خرج مركز الشهيدة سلمى لغسيل الكلى، الأكثر شهرة في ولاية الخرطوم، ومركز جعفر بن عوف، عن الخدمة منذ اليوم الثاني لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، أي في 16 إبريل الماضي، لأنهما يقعان في منطقة تحوّلت إلى ساحة للعمليات العسكرية وسط الخرطوم".
في نهاية الأسبوع الأول للحرب، بات العشرات من مرضى الفشل الكلوي لا يحصلون على خدمات علاج في ولاية الخرطوم، بعدما تقلّص عدد المراكز العاملة من 38 إلى 3 فقط. ويوضح سليم أن "بين 18 و25 مريضاً يتوفون يومياً على الأقل في ولاية الخرطوم، ويتوفى أكثر من 20 أخرين في باقي الولايات".
وقبل الحرب، كان بعض مرضى الفشل الكلوي يعالجون في مراكز سبق أن أغلقتها الجهات الصحية في ولاية الخرطوم بسبب عدم توفيرها الشروط الصحية المناسبة للعمل، ثم أعادت فتحها تحت ضغط الحاجة. يقول سليم: "لم تطبق خطة عملية واضحة لإدارة المراكز، وكان من المحتم أن تتوقف فور نشوب الحرب".
ومع تواصل موجات الفرار الجماعي من المعارك المحتدمة في الخرطوم، انتقل عدد كبير من مرضى الكلى إلى مُدن لا تضم مستشفيات أو مراكز متخصصة في التعامل مع الظروف الصحية الدقيقة لمرضى الكلى، ما زاد تدهور حالاتهم الصحية.
يقول المصاب بالفشل الكلوي، موسى عبد الله، لـ"العربي الجديد": "انتقلت مع أسرتي من الخرطوم إلى مدينة الضعين في ولاية جنوب كردفان، ثم اضطررت إلى العودة مجدداً لتلقي رعاية طبية في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض".
وتقول مريضة تتلقى العلاج، وتجري منذ 8 سنوات 3 جلسات أسبوعية لغسيل الكلى، لـ"العربي الجديد": "كنت أتعايش بشكل جيد مع المرض، لكن حالتي الصحية انتكست في الأسبوع الثاني للحرب. وفي مطلع مايو/ أيار، أصبحت أتحرك بعجلة، أو بمساعدة مرافق".
ويقول عضو نقابة الأطباء السودانيين، عطية عبد الله، لـ"العربي الجديد": "استمر عدد من مرضى الفشل الكلوي بالاتصال بي خلال الأيام الماضية بحثاً عن مراكز غسيل قيد الخدمة، أو للحصول على جلسات علاج، ولاحقا توفي عدد كبير منهم لأنهم لم يجدوا رعاية طبية في الوقت المناسب".
وفي مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، أدى القتال بين قوات الدعم السريع والجيش، بالتزامن مع بداية الحرب في الخرطوم، إلى انقطاع الكهرباء عن المستشفيات وفقدان المياه، وأحدث ذلك ندرة حادّة في الأدوية الطبية، وتسبب في توقف تقديم الخدمات الطبية لمرضى الكلى. 

ويقول مصدر طبي في المدينة، لـ"العربي الجديد"، إن "58 من مرضى الكلى في الولاية توفوا في الفترة بين 26 مارس/ آذار الماضي 24 يونيو/ حزيران الماضي، بسبب وقف عمليات الغسيل في المركز الوحيد بالمدينة. يتوقف عمل المركز بالكامل طوال أيام، وأنشطته متدنية حالياً، إذ أصبح المرضى يحصلون على عملية غسيل واحدة بدلاً من اثنين أو ثلاث أسبوعياً، وهو أقل بكثير من العدد المقرر".
وقال مريض من مدينة الأبيض لـ"العربي الجديد": "كنت أحصل على جلستي غسيل أسبوعياً، أما حالياً فأكتفي بجلسة واحدة، وتراجعت حالتي الصحية بشكل مريع، وبت لا أستطيع أن أتحرك بمفردي".
ومن أجل تقديم خدمات طبية إلى أكبر عدد من المرضى، أصبح مركز غسيل الكلى في مدينة الأبيض يعمل ضمن ثلاث ورديات يومياً بدلاً من وردية واحدة بحسب البرنامج الذي كان يطبق في السابق. لكن الممرضين الذين يعملون في المركز يوضحون أن المركز يتوقف عن العمل كلياً مرتين في الأسبوع على الأقل بسبب ندرة الوقود الذي يستخدم لتشغيل موّلد الكهرباء.

بنى تحتية مهترئة للخدمات الصحية (فرانس برس)
بنى تحتية مهترئة للخدمات الصحية (فرانس برس)

واستقال عدد من الأطباء، بينهم مدير مركز غسيل الكلى بمدينة الأبيض، احتجاجاً على تردي الخدمات الطبية المقدمة للمرضى، وانعدام الأدوية، وعجز الإدارة عن توفير وقود "الغازولين" كخيار بديل لتشغيل الموّلدات في ظل انقطاع شبه مستمر للكهرباء.
في نهاية الأسبوع الماضي، توقف جميع العاملين في القطاع الطبي بولاية شمال كردفان عن العمل، ودخلوا في إضراب مفتوح، بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية منذ أربعة أشهر، ما أوقف كل المرافق الصحية بالولاية عن العمل. 
وتقول الطبيبة نظيفة عوض الله، التي تعمل في المستشفى العام بمدينة الأبيض، لـ"العربي الجديد"، إن "الأطباء يستعينون في كثير من الأحيان بإضاءة الهواتف الخلوية من أجل معاينة المرضى بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء".
وفي مركز لغسيل الكلى بولاية كسلا، يقول الطبيب علي سليمان بيتاي، لـ"العربي الجديد"، إن "مرضى الولاية بحاجة ماسة إلى أدوية ضرورية لمواصلة جلسات غسيل الكلى، وبينها عقار هيبرين الذي يستخدم لمنع تجلط الدم أثناء جلسة الغسيل، 
وأدوية لعلاج الأنيميا التي لا تتوفر حالياً، في حين أن مرضى الكلى لا يستطيعون أن يستغنوا عنها، كما يوجد نقص حاد في حقن الإرثروبويتين، ما زاد حالات فقر الدم بين المرضى".

مرضى الكلى في حال يأس (فرانس برس)
مرضى الكلى في حالة يأس (فرانس برس)

ويعمل مركز غسيل الكلى في كسلا بعشرة أجهزة فقط لخدمة 200 مريض قدم بعضهم من الخرطوم، ويقول بيتاي: "خفضنا عدد جلسات الغسيل المخصصة للمرضى من ثلاثة إلى جلسة واحدة أسبوعياً كي نستطيع تقديم الخدمة في حدها الأدنى إلى أكبر عدد من المرضى".
ويؤكد مصدر طبي لـ"العربي الجديد" أن "عدد الأطفال المصابين بفشل كلوي يتراوح بين 300 و400 في ولاية الخرطوم وحدها، ملاحظاً عدم وجود أدوية خاصة بالأطفال في غالبية المراكز القليلة التي تعمل داخل ولاية الخرطوم.

وتذكر والدة أحد الأطفال المرضى لـ"العربي الجديد" أن "طفلها أصبح لا يستطيع الحركة، ويتبول بصعوبة بالغة، ونحن نواجه صعوبات كبيرة في إيجاد العلاج اللازم له". 
ويقول مريض يدعى حمد يوسف لـ"العربي الجديد": "أجريت ثلاث جلسات لغسيل الكلى في مركز بمدينة ود مدني في ولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم، ثم اندلعت الحرب في 15 إبريل/ نيسان الماضي، ونصحني الطبيب الذي يتابع حالتي بالبحث عن مركز علاج خارج ولاية الجزيرة لمتابعة الجلسات، فسافرت إلى مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان".
يضيف: "امتلأ المركز الذي بدأت فيه جلسات الغسيل الكلوي بمرضى قدموا من الخرطوم، وقررت إدارة المركز تقديم الخدمات الطبية للمرضى الذين تدهورت حالتهم فقط، إما الذين لا يزالون يستطيعون البحث في أماكن أخرى فخيّرتهم بين الانتظار أو البحث عن بدائل، وقررت السفر إلى أم روابة التي تبعد مسافة 387 كيلومتراً عن مدني".

المساهمون