مدن المغرب تختنق بالتلوث

15 سبتمبر 2022
مصانع ملوثة للبيئة في المغرب (فاضل سنة/ فرانس برس)
+ الخط -

"إننا نختنق ونموت ببطء من جراء الغبار الأسود، ولا أحد يهتم بما نقاسيه". هكذا يكشف الأربعيني المغربي محمد حيلان عن معاناة متواصلة منذ سنوات يعيشها أهالي مدينة القنيطرة، غرب العاصمة الرباط، في انتظار أن تثمر ضغوط تمارسها جمعيات المجتمع المدني، على وزارة البيئة، وعلى رئيس البلدية، في الحد من خطر انتشار الغبار الأسود بالمدينة.
يقول حيلان لـ"العربي الجديد ": "سكان القنيطرة مهددون بأمراض الجهاز التنفسي والسرطان، وغيرها من الأمراض الناتجة من تأثير الغبار الأسود السام الذي يخنق الأنفاس مع روائح احتراق المطاط والنفايات، وعدم تدخل السلطات يؤثر على الوضع الصحي والبيئي بالمدينة".
ودفعت انبعاثات الغبار الأسود في سماء القنيطرة، نشطاء البيئة والمجتمع المدني، فضلاً عن فعاليات سياسية وصحية، إلى المطالبة بوضع حد للتلوث الناجم عن عدم التزام المصانع بالمعايير البيئية.
وكان لافتاً إطلاق رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسم #القنيطرة_تختنق، خلال الأشهر الماضية، كنوع من الاحتجاج على تلوث الهواء، ومحاولة لفت انتباه المسؤولين إلى "جريمة في حق البيئة"، مطالبين بإيجاد حل جذري وعاجل لانبعاثات المصانع في المدينة التي أصبحت وجهة مفضلة لأصحاب رؤوس الأموال.
تقول عضو مجلس البلدية عن تحالف "فيدرالية اليسار" المعارض بالقنيطرة، زينب الشراط، لـ"العربي الجديد"، إن "صحة السكان في خطر يستلزم إيجاد حل حاسم، والتزامات المغرب الدولية، والتشريعات والتوجهات الوطنية لا تسمح بالضرر الذي يلحق بقاطني المدينة، وقد وجه حزبنا في نهاية العام الماضي، رسائل إلى وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، بشأن الانتشار الواسع للغبار الأسود، لكن لم تتجاوب الجهات الرسمية، وكذا بلدية المدينة، رغم الشكاوى".
وتوضح الشراط، أن "سكان المدينة يحاصرهم التلوث، وانبعاث الروائح الكريهة، وتناثر الغبار الناتج من محطة لإنتاج الكهرباء لا يتم استبدال أدوات الترشيح والتصفية فيها، ويتزايد السخط والاستياء بين السكان المتضررين من تلك الأوضاع البيئية".

وأعلنت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في بيان سابق، أن نتائج تقييم جودة الهواء لسنة 2021 في مدينة القنيطرة تشير إلى تصنيف مؤشر الجودة بـ"جيد، وجيد جدا، مع تسجيل بعض التجاوزات بالنسبة للجزيئات العالقة وثاني أكسيد الكبريت، لكن من دون أن تصل إلى درجة الخطورة، في حين أن نسبة تركيز غازات ثاني أكسيد الآزوت والأوزون وأكسيد الكربون، تبقى أقل من الحدود القصوى المعتمدة". وفي ما يتعلق بالمحطة الحرارية بالقنيطرة، قالت الوزارة إن "تشغيلها يتم استثنائياً لفترة زمنية محددة بقرار من المكتب الوطني للكهرباء والماء، لتثبيت الشبكة الكهربائية في حالة الطوارئ".

استخدام الفحم الحجري يفاقم التلوث المناخي في المغرب (فاضل سنة/ فرانس برس)
استخدام الفحم الحجري يفاقم التلوث في المغرب (فاضل سنة/ فرانس برس)

وحسب رئيس جمعية "أكسجين للبيئة والصحة"، أيوب كرير، فإن "الدراسات بينت أن نسبة كبيرة من سكان المنطقة المتضررة من الغبار الأسود في القنيطرة يعانون من أمراض الجهاز التنفسي، إضافة إلى ارتفاع نسبة الاكتئاب في صفوفهم نتيجة تلوث الهواء".
وأوضح كرير، لـ"العربي الجديد"، أن "حل الإشكال البيئي لا يتطلب سوى أن تتعامل السلطات مع الوحدات الصناعية الملوثة للبيئة بحزم، وإجبارها على استخدام الأنظمة التقنية التي تحد من الانبعاثات السامة عبر تصفية ما تلفظه من عوادم.
الوحدات الصناعية لا تستعين بآليات الوقاية من تلوث الهواء لأنها تبحث دائما عن خفض تكلفة الإنتاج، وبالتالي المزيد من الأرباح، ولكن إذا تم التعامل معهم بصرامة، فإنهم سيلتزمون باحترام البيئة، وبالتالي حماية صحة المواطنين".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ونبهت "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة"، في تقرير لها، في أبريل/ نيسان الماضي، إلى أن "حجم تفشي الأمراض المزمنة والأوبئة الفتاكة الناتجة من تلوث البيئة وتلوث الهواء والمياه والنظام الغذائي بات مقلقاً للغاية"، ونقلت عن تقرير لمنظمة السلام الأخضر (غرينبيس)، تأكيدها أن "تلوث الهواء يسبب أكثر من 5000 حالة وفاة في المغرب سنوياً، بمعدل 15 وفاة في اليوم، ما يكبد الدولة خسائر بشرية فادحة، فضلاً عن العبء الكبير الذي يتحمله القطاع الصحي لعلاج المتضررين".
ويرجع التقرير سبب ارتفاع أعداد الوفيات إلى استمرار اعتماد المغرب على الفحم الحجري في إنتاج الكهرباء، مما يضع صحة المواطنين في خطر كونه أحد أكثر مصادر الطاقة الأحفورية تلويثاً للبيئة، ومن بين أكثر أسباب الإصابة بالأمراض المزمنة، مشيراً إلى أن سكان جهة الدار البيضاء سطات، والتي تمثل نحو 50 في المائة من النشاط الصناعي في المغرب، معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بالأمراض التنفسية نتيجة تلوث الهواء، إذ تضم هذه المدينة نحو20 في المائة من المصابين بأمراض الجهاز التنفسي.

المساهمون