التدريب على الحياة، مهنة جديدة ازدهرت خلال السنوات الأخيرة في الصين مع دخول ملايين الخريجين إلى أحد أسواق العمل الأكثر صعوبة وتعقيداً وتنافسية في العالم، علماً أن نحو 11.5 مليون طالب جامعي سيتخرجون في نهاية العام الدراسي الحالي.
وفي ظل البيئة التنافسية الشديدة، يمكن أن يشكل وجود خطة وظيفية واضحة ميزة كبيرة، لكن طلاباً صينيين كثيرين يشكون من الافتقار إلى توجيه مهني، ما يفتح الباب أمام صناعة التدريب على الحياة التي تلاقي رواجاً كبيراً حالياً في وسائل التواصل الاجتماعي.
وتجري جلسات التدريب عبر محادثات فيديو بسعر 500 يوان صيني (70 دولاراً أميركياً) للساعة الواحدة، كما يمكن أن يتردد الشبان على مراكز خاصة للتفاعل مباشرة مع المدربين، وذلك بتكلفة تصل إلى 1000 يوان للحصة الواحدة (140 دولاراً).
تقول آي جينغ، وهي طالبة توشك على التخرج من كلية العلوم في جامعة بكين، لـ "العربي الجديد": من المقرر أن أتخرج في مايو/ أيار المقبل، لكن عندما فكرت في المجال الذي يمكن أن أعمل به شعرت بارتباك شديد بسبب وجود تنافسية عالية في سوق العمل، وحين استشرت أصدقائي نصحني أحدهم بأن أكمل الدراسات العليا لاكتساب ميزات أكبر في التخصص. وكنت عثرت على وظيفة عبر الإنترنت لكنني رأيت أنها لا ترتقي إلى مستوى طموحاتي، ثم شاهدت تطبيقاً إلكترونياً يوفر خدمة الاستشارة والتوجيه المهني من مدربين أكفاء، فاتصلت بأحدهم وخضعت لجلسة أولى امتدت ساعة كاملة فشعرت بشحنة معنوية كبيرة وبدأت الرؤية تتضح أكثر بالنسبة إلى كيفية تحديد خياراتي، وتجاوز حال الخوف من اتخاذ قرارات خاطئة".
تضيف: "قررت ألا أكتفي بجلسة واحدة رغم التكلفة العالية نسبياً. أعتقد أن الجلسات استثمار يسمح بصقل شخصيتي وبناء مستقبلي وتحديد القدرات التي أمتلكها. في بادئ الأمر كنت أبحث عن مجرد نصيحة من شخص يملك خبرة، ثم ناقشت مع المدرب مسائل أعمق تتعلق بكيفية النظر إلى الحياة. بعد ثلاث جلسات قررت أن أوافق على الوظيفة المتاحة باعتبارها خطوة أولى حتى صقل قدراتي لتنفيذ خطوات تالية".
وتفيد تقديرات هيئة العمل الأكاديمي في بكين بأن مهنة مدربي الحياة شهدت ازدهاراً بعد جائحة كورونا، وأن عدد العاملين المعتمدين ارتفع من 1200 مدرب عام 2019 إلى 22 ألفاً في نهاية العام الماضي، وترجح أن يكون العدد أكبر بكثير، خصوصاً أن المهنة غير منظمة، ولا تشترط الحصول على تراخيص من نقابات أو هيئات، إذ يمكن أن ينشئ أي خبير في المجال حساباً إلكترونياً للتواصل مع العملاء.
ويقول لو تشوان، وهو مدرب يعمل لحساب شركة تتخذ من مدينة شينزن مقراً، لـ"العربي الجديد": "يشعر الجيل الحالي من الشباب بضغوط وارتباك أكبر من الأجيال السابقة، لأنهم يتعاملون مع ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة". ويوضح أن معظم عملائه تتراوح أعمارهم بين 22 و28 عاماً، وتنصب اهتماماتهم في البحث عن حلول تتعلق ببيئة العمل المعقدة، في حين يبحث قليلون عن حلول لقضايا ومسائل اجتماعية".
ويلفت إلى أن "القاسم المشترك بين عملائه، وجلّهم من الخريجين الجدد، هو الخوف من اتخاذ القرارات، وشعورهم بأن مسارات حياتهم ستحددها قراراتهم، ما يظهر حال التخبط والتوتر خلال هذه المرحلة الانتقالية. ويضع كثيرون حواجز وهمية أمامهم، ومجموعة كبيرة من الأفكار المهنية التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، كما يواجهون مشاكل تعميم تجارب النجاح والفشل وربطها بظروف وقدرات مختلفة. يريد الجميع الوصول إلى قرارات مثالية، لكن لا أحد يفكر في كيفية تنفيذ خطوات وفق خطة مدروسة، لذا نسعى إلى تقديم مشورة تؤهلهم للدخول إلى سوق العمل".
وتقول شين شين، وهي خرّيجة حديثة تقيم في مدينة فوشان (جنوب)، لـ"العربي الجديد"، إن "مهنة مدربي صناعة الحياة مجرد وسيلة لاستغلال تخبط الشباب من أجل كسب المال. مررت قبل شهرين بتجربة مخيبة مع مدربة لم توفر لي التوجيه العملي، فحين طرحت عليها أسئلة عميقة لاحظت أنها غير متمكنة، وأن إجاباتها متناقضة، وحين واجهتها بحقيقتها بدأت تتلعثم. أعتقد أن كثيرا من مدربي الحياة هم أشخاص فشلوا في إيجاد أنفسهم، فلجأوا إلى هذه الوسيلة السهلة لجني المال".
تتابع: "قررت أن أعتمد على نفسي في حل أي مشكلة، وهذا ما أنصح به جميع من يفكرون في اللجوء إلى مدربي صناعة الحياة. فجميعنا لدينا أقرباء وأصدقاء أكثر خبرة، فلماذا لا نستشيرهم عند الضرورة؟ في جميع الأحوال لن يستغل هؤلاء ظروفنا أو يكذبوا علينا، والأهم أننا لن ندفع لهم مقابل النصائح".