مخبأ ستالين... ملجأ القيادة السوفييتية في الحرب الباردة

06 فبراير 2021
لم يُكتب لستالين أن يجلس على مكتبه في المخبأ (العربي الجديد)
+ الخط -

على بعد مئات الأمتار من محطة مترو "تاغانسكايا"، وسط العاصمة الروسية موسكو، ثمة بناية محصنة يطلق عليها اسم "المخبأ - 42" أو "متحف الحرب الباردة" وشهرتها "مخبأ ستالين"، صممت كمقرّ للقيادة العسكرية والسياسية في عهد الزعيم السوفييتي الراحل جوزيف ستالين (1878 - 1953)، على عمق 65 متراً تحت سطح الأرض تحسباً لخطر الهجوم النووي. وتشمل الجولة بالمخبأ التي تنظم للزائرين الروس والأجانب، والتي اختبرها مراسل "العربي الجديد"، تفقد نقطة التفتيش للدخول، والقاعة المصممة كمكتب لستالين. ومن اللافت أنّ الزعيم السوفييتي لم يكتب له القدر أن يدخل مكتبه، إذ إنّ المخبأ لم يتم تشغيله إلّا في عام 1954، أي بعد وفاته بعام.
وفي عامي 1955 و1956، جرت في المخبأ عملية نشر المعدات وإقامة الاتصالات مع أفواج الطيران الاستراتيجي في جميع أنحاء البلاد، بينما تولت وزارة الاتصالات السوفييتية عملية نقل البيانات الحكومية والعسكرية المشفرة داخل الاتحاد السوفييتي وبلدان حلف وارسو المعادي لحلف الناتو. واستخدمت إحدى قاعات المخبأ كمقر لقيادة الطيران الاستراتيجي لثلاثة عقود، بما في ذلك أثناء أزمة الكاريبي في عام 1962، حين كان العالم على حافة حرب عالمية ثالثة باستخدام السلاح النووي.

مخبأ ستالين

رفع السرية
ونشبت أزمة كوبا بعد شروع موسكو بإرسال صواريخ بالستية إلى الجزيرة الكاريبية القريبة من الولايات المتحدة في خريف 1962، رداً على نشر حلف الناتو صواريخ أميركية في تركيا، ولم يجرِ احتواؤها إلّا بعد موافقة الزعيم السوفييتي آنذاك، نيكيتا خروتشوف، على سحب الصواريخ من "جزيرة الحرية" مقابل سحب الصواريخ الأميركية من تركيا. وكان المخبأ يتسع لـ600 شخص كانوا في حالة التأهب لشنّ ضربة نووية في حال أمرت القيادة السوفييتية بذلك. واستمرت قيادة القاذفات الاستراتيجية الحاملة للأسلحة النووية من "المخبأ - 42" حتى عام 1986، حين أدركت القيادة السوفييتية أنّ المخبأ الذي أنشئ في الخمسينيات لم يعد قادراً على التصدي للأسلحة الحديثة.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وبعد رفع السرية عن المخبأ، تم تحويله إلى "متحف الحرب الباردة"، الذي يمكن لزائريه أن يعيشوا أجواء تلك الفترة البعيدة، حين كانت أكبر قوتين نوويتين، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، على وشك الصدام النووي. ولزيادة واقعية التجربة، يمكن لزائري المخبأ الجلوس في مقعد المتحكم في عمليات إطلاق الصواريخ النووية، لكن مع الحظر التام على التقاط صور أثناء ذلك، كما يسمعون دويّ صفارات الإنذار والضربات الصاروخية. ويمكن لزائري المخبأ أيضاً الاطلاع على نموذج لأول قنبلة نووية سوفييتية ووسائل نقل القنابل النووية، وغرفة استراحة الضباط، وحتى تناول وجبة الغداء بالمطعم الكائن على هذا العمق.

مخبأ ستالين

وحتى لا يفقد زائرو المكان البوصلة بين دهاليزه، يرافق مرشد سياحي تابع للمتحف المجموعات ويشرح لأفرادها تاريخ أبرز المعالم، ملتزماً بكمامة طبية لمنع انتقال العدوى بفيروس كورونا الجديد في الظروف الراهنة. وفي غياب مصعد مخصص للزائرين، تصبح الجولة في "مخبأ ستالين" بالطابق الـ18 تحت الأرض تمريناً رياضياً مفيداً، أو اختباراً قد يراه البعض صعبا لهبوط السلالم وتسلقها على القدمين.

بناء المخبأ
بدأ تصميم بناية "مخبأ ستالين" بعد تطوير الولايات المتحدة قنبلة نووية، وانطلقت أعمال بناء المخبأ في عام 1950. ولم يتم تحديد العمق بـ65 متراً صدفة، بل بناء على الاختبارات النووية التي أجريت في الاتحاد السوفييتي في عام 1949. وعند اختيار موقع المخبأ تمت مراعاة العوامل، مثل القرب من الكرملين حتى يتمكن ستالين وحكومته من الوصول إليه على وجه السرعة لتولي قيادة الدولة والجيش في ظروف الحرب النووية. ولم تكن عملية إنشاء المخبأ سهلة، إذ وقعت على عاتق البناة مهمة صعبة لتشييد بناية ضخمة وسط موسكو من دون إلحاق ضرر بالمرافق، مع الحفاظ على سرية الأعمال بعيداً عن أيّ عيون محتملة للاستخبارات الأجنبية.

مخبأ ستالين

ومن الطريف أنّ معهد "مترو برويكت" المتخصص في تصميم مترو موسكو، هو الذي أعد مشروع المخبأ نظراً لخبرته في إجراء التصاميم للمنشآت على أعماق كبيرة. وأثناء التجول بدهاليز المخبأ، يمكن سماع أصوات قطارات مترو أنفاق العاصمة الروسية النابضة بالحياة، إذ تقع المنشأة بالقرب من خطوطه.

مخبأ ستالين
المساهمون