يرى طيف واسع من المحامين التونسيين أن حذف التنصيص على مهنة المحاماة في مسودة الدستور الجديد، الذي فرضه الرئيس التونسي قيس سعيّد وسيُعرض للتصويت يوم الاثنين 25 يوليو/تموز؛ يعكس تهميشاً لدور مؤسسة المحاماة واستهدافاً للمحامين وتراجعاً عن المكاسب الدستورية التي تحققت في دستور 2014.
وحذف سعيّد البند 105 الموجود في دستور 2014 من مشروع الدستور الجديد، الذي ينص على أن "المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات. يتمتع المحامي بالضمانات القانونية التي تكفل حمايته وتمكنه من تأدية مهامه".
المحاماة تلقت ضربة مزدوجة بحذفها من الدستور وهو دليل على عدم الاعتراف بدورها الأساسي
كما ألغى الرئيس أربع هيئات دستورية مستقلة كانت في دستور 2014، وهي: هيئة حقوق الإنسان وهيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة، وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة الاتصال السمعي البصري. وتنص قوانين تلك الهيئات على حضور المحامين واشتراكهم في عضويتها، ما اعتبره المحامون تراجعاً قانونياً ومؤسسياً عن مكاسب المحاماة.
ودان المحامون المعارضون والمقاطعون للدستور الجديد قبول عميدهم إبراهيم بودربالة لعب دور في هذا المسار الانقلابي الذي أهدر، بحسبهم، دسترة دور المحاماة وهمشها، وأقحم العمادة في مشروع سياسي شخصي مرفوض شعبياً واجتماعياً بإعطائه مشروعية قطاع المحاماة من دون تفويض.
واعتبر المحامي عمر السيفاوي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "مهنة المحاماة كانت مدسترة باعتبارها شريكة في إقامة العدالة"، معتبراً ذلك "تراجعاً كبيراً في مكاسب المحاماة".
وبين السيفاوي أن "المحاماة تلقت ضربة مزدوجة بحذفها من الدستور، وهذا دليل على عدم الاعتراف بدورها الأساسي، وبالتالي ضربة موجعة لمهنة المحاماة". وتابع "ثم الضربة الثانية للقضاء بتحويل السلطة القضائية إلى وظيفة، وبالتالي إذا تم تحويل القضاة إلى موظفين حكوميين فلا مجال بحسب فلسفة سعيّد للتنصيص على المحاماة وهي مهنة حرة".
وشدد على أن هذا "يعد تراجعاً صارخاً في ضمانات إقامة العدل والحقوق وللضمانات المخولة للمواطن، عبر ضرب السلطة القضائية وتهميش دور المحاماة"، مضيفا أن "مشاركة العميد بودربالة، ومن ورائه مجموعة من المحامين من التيار القومي، وإصراره على هذا التمشي رغم الانتقادات الكبيرة له، أساءا للمحاماة التونسية ولتاريخها وصورتها النضالية من أجل الحقوق والديمقراطية وهي ضربة في الصميم".
بدورها، قالت المحامية إيناس بن حراث إن "الفصل 105 ألغي ولا أثر له في المشروع الجديد. هذا ليس إشكالا، الإشكال الحقيقي أن الأشهر الماضية التي تلت الانقلاب شهدت عدة محاكمات لمحامين، بعضها محاكمات عسكرية وكلها تتعلق بأفعال قاموا بها بمناسبة أدائهم مهامهم".
وبن حراث عضو في "جمعية محامون لحماية الحقوق والحريات" وعضو هيئة الدفاع عن المحامي مهدي زقروبة والمحامي سيف الدين مخلوف في المحاكمات العسكرية التي انطلقت بعد استفراد سعيّد بالحكم، بعد الإجراءات التي شرع في تمريرها بعد 25 يوليو/تموز 2021.
"تراجع عن مكسب حقوقي هام"
وتابعت المحامية على صفحتها بـ"فيسبوك": "مع ذلك عندنا زملاء محامون يرون إلغاء هذا الفصل أمرا وجيهاً وجيداً ولا غبار عليه، وبعد العبارة الشهيرة (ماذا فعلنا بالثورة) و(ماذا فعلنا بالديمقراطية ومجلس النواب) يشنفون مسامعنا بعبارة (ماذا فعلنا بدسترة المحاماة)".
واستنكرت مجموعة من العمداء السابقين للمحامين حذف الفصل 105 المتعلق بدسترة المحاماة كشريك في إقامة العدل، وأكدوا في بيان مشترك نُشر أخيرا أن "ذلك تراجع عن مكسب حقوقي هام، مستنكرين موقف هياكل المحاماة الصامت''، وفق البيان.
كما دعا كل من العمداء؛ البشير الصيد ومحمد فاضل محفوظ وعبد الستار بن موسى وشوقي الطبيب وعامر المحرزي وعبد الرزاق كيلاني، المحامين، إلى "رص الصفوف والحذر من خطورة التفريط في هذا المكسب الدستوري والتجند للذود عنه بكل الطرق القانونية".
"سلطة الدولة"
وفي المقابل، اعتبر المحامي لدى التعقيب وأستاذ القانون رابح الخرايفي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنه "لا وجود لضرر لمهنة المحاماة بحذف دسترة الفصل 105، حيث يضمن الدستور الجديد مبدأ حضور المحامي في الدستور الجديد منذ باحث (محقق) البداية حتى آخر التقاضي"، مشدداً على أنه "من باب التزيد السياسي الحديث عن تراجع مكاسب المحاماة، وفي ذلك مزايدة على عميد المحامين".
وأضاف: "كنت من بين أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وأذكر ظروف تمرير هذا الفصل بطريقة ارتجالية عند الساعة التاسعة ليلا في بهو المجلس التأسيسي، وكان في سياق صراع (قطاعي) بين المحامين البرلمانيين والقضاة، وأساسا دفع المحامون، وعددهم 31 محاميا وكانوا بمثابة اللوبي الضاغط، وفرضوا عديد المسائل، بينما القضاة كانوا ضد حضور المحامين في المجلس الأعلى للقضاء".
وزعم الخرايفي أن "قيمة المحاماة وقدرة المحاماة واستقلاليتها ورفعتها لا تتأتى من النص الدستوري بل من قوة وكفاءة المحامي وأخلاقه ومهنيته"، مضيفا: "كان القضاء سلطة وكانت له قيمة دستورية في دستور 2014، ولكن من حيث الممارسة وضعه سيئ، وما أدى إلى وضع القضاء الكارثي هو سوء ممارسة القضاة وضعف تكوينهم، وبالتالي النص الدستوري لم يمنع مشاكل القضاء".
وشدد على أن 'المحاماة قوية بطبيعتها ومن مركز المحامي ودوره وليس في دسترة مهنة المحاماة".
وختم بالقول: "بالنسبة لتحويل القضاء إلى وظيفة بدل سلطة، أنا من أنصار سعيّد في ذلك، بل أذهب أبعد منه حيث أعتبر القضاء مرفقا عاما وليس سلطة، وهو خدمة تقدمها للمواطن، والسلطة هي سلطة الدولة".
"ضرب مهنة المحاماة"
واعتبر العميد السابق الكيلاني أن "إلغاء الفصل 105 من مشروع دستور الانقلاب هو ضرب للمحاماة كمهنة حرة ومستقلة تدافع عن الحقوق والحريات وتشارك في إقامة العدل".
وأضاف في تصريح له: ''التنصيصات في مرسوم المحاماة وفي دستور 2014 بالفصل عدد 105 تضمن للمتقاضي، عندما يتعرض لمظلمة من أهل الجاه أو السلطة، وجود محام له لا يخشى شيئا ويدافع عن منوبه (موكله)، وعدم توفر هذه الضمانات يمس حق المواطن في التمتع بمحاكمة عادلة".
وتابع: ''أستغرب من صمت هياكل المهنة إزاء غياب الضمانات اللازمة لقيام المحامي بدوره.. المحاماة أصبحت يُخشى عليها وأصبحت في مواجهة خطر حقيقي، وكذلك الشأن بالنسبة لقطاع القضاء الذي يتعرض لمظلمة لم تحدث في أي بلد.. ولا يوجد أي قطاع بمعزل عن هذا التيار".