أصدرت منظمات حقوقية بياناً سلّطت فيه الضوء على قضايا تعذيب مماثلة، بالتزامن مع اتخاذ الخطوة الأولية لمحاكمة أربعة من كبار مسؤولي جهاز الأمن القومي المصري في روما، لاتهامهم باختطاف وتعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، في القاهرة، في فبراير/ شباط 2016.
وطلب الادعاء الإيطالي من أحد القضاة، الثلاثاء، إحالة أربعة أعضاء كبار بالأجهزة الأمنية المصرية للمحاكمة للاشتباه في دورهم في اختفاء ومقتل ريجيني، والذي تم العثور على جثته بعد أسبوع تقريبا من اختفاءه، وأظهر فحص الطب الشرعي أنه تعرض للتعذيب قبل موته، وتنفي الشرطة والمسؤولون المصريون الضلوع في الأمر بأي شكل.
وعمل ممثلو ادعاء من إيطاليا ومصر معا في التحقيق، لكن الجانبين اختلفا فيما بعد، وتوصل كل منهما إلى نتائج مختلفة تماما عن الآخر. واتهم ممثلو الادعاء في روما، أربعة مسؤولين مصريين باختطاف ريجيني، وإلحاق "أذى جسيم" به، بالإضافة إلى توجيه اتهام إلى أحدهم، وهو الرائد مجدي شريف، من المخابرات العامة، "بالتخطيط لارتكاب قتل عمد".
وكانت مصر قد أغلقت رسمياً تحقيقها في وفاة ريجيني، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، رافضة النتائج التي توصل إليها المدعون الإيطاليون؛ في حين أنّ لائحة الاتهام الصادرة عن المدعي العام في روما في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020 تحدّد أربعة من كبار المسؤولين، ورفضت مصر تسليم المشتبه فيهم الأربعة.
كان ريجيني يجري بحثا عن النقابات العمالية المستقلة في مصر لرسالة الدكتوراه الخاصة به، ويقول مقربون منه، إنه كان مهتما أيضا ببحث هيمنة الدولة والجيش على الاقتصاد المصري. والموضوعان لهما حساسية خاصة في مصر.
“اعتقدنا أنه جاسوس بريطاني“..
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 6, 2019
زلة لسان لرجل أمن مصري قد تكشف تفاصيل جديدة عن جريمة قتل ريجيني@AnaAlarabytv pic.twitter.com/wEkXDiy28K
ويقول الادعاء إن لديه أدلة على أن الضابط مجدي شريف كلف مخبرين بمراقبة ريحينى، وإلقاء القبض عليه في نهاية الأمر، وتقول عريضة الاتهام إن شريف ومسؤولين مصريين آخرين، لم تكشف عنهم، عذبوا الطالب الإيطالي لعدة أيام، ما تسبب له في أذى بدني جسيم.
وقال الادعاء، استنادا إلى تقرير تشريح الجثة، إن أسنان ريجيني كانت مكسورة، وأصيب بعدة كسور في الكتفين،، والمعصم، واليدين، والقدمين. وفي نهاية الأمر لفظ أنفاسه الأخيرة بضربة على عنقه، ويقول ممثلو الادعاء إنهم تواصلوا مع شهود جدد في الأسابيع الأخيرة، وقال اثنان إنهما شاهدا ريجيني أثناء استجوابه، وقال ثالث إن لديه معلومات عن اتصالات بين رئيس نقابة عمالية وقوات الأمن فيما يتعلق بريجيني.
وأصدرت منظمة"كوميتي فور جاستس" (CFJ)، ومقرها جنيف، الثلاثاء، تقريراً بعنوان "كم ريجيني في مصر منذ 2013"، سلّط الضوء على عدد الوفيات التي رصدتها المنظمة الحقوقية داخل مراكز الاحتجاز في مصر من يونيو/ حزيران 2013 إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إذ بلغ العدد الإجمالي 1058 حالة وفاة، مشيرة إلى أنّ عدد الوفيات ارتفع بمقدار 100 حالة في عام 2020، مقارنة بتراجعها النسبي في عام 2019.
وبحسب أحمد مفرح، المدير التنفيذي لمنظمة "كوميتي فورجستس"، فإنّ "ريجيني ليس الأجنبي الوحيد الذي وقع ضحية للسلطات المصرية، فمنذ يناير/كانون الثاني 2016 تعرض المواطن الفرنسي إريك لانغ والأميركي جيمس هنري لون للتعذيب والقتل في الحجز. وكما هو معترف به على نطاق واسع، فإنّ التعذيب تتم ممارسته بشكل منهجي في مصر، وقد تعرض العديد من المصريين لأشكال قاسية من التعذيب وحتى بعض عمليات القتل خارج نطاق القانون على يد جهاز الأمن المصري.
وقالت "كوميتي فور جستس" إنّ القاسم المشترك بين وفاة ريجيني والقضايا الأخرى "هو الافتقار التام للتحقيق الفعال، الأمر الذي أدى إلى استمرار الحلقة المفرغة للإفلات من العقاب التي لا يزال المسؤولون المصريون يتمتعون به"، مشددة على أنّ "هناك حاجة إلى دعوة عاجلة للمساءلة الدولية عن تعذيب وقتل الرعايا الأجانب والمصريين داخل مراكز الاحتجاز التي تديرها الدولة في مصر".
وقال المدير التنفيذي لـ"مؤسسة الكرامة Dignity"، راسموس جرو كريستينسين، تعليقاً على محاكمة ريجيني: "على الرغم من أنها ستعقد غيابياً، نأمل أن ترسل هذه المحاكمة غير المسبوقة رسالة لا لبس فيها إلى الدولة المصرية مفادها بأنّ ارتكابها لجرائم خطيرة بموجب القانون الدولي موثق رسمياً. من المأمول أن يضيف هذا إلى العدد المتزايد من الحالات التي يُحاسب فيها مرتكبو جريمة التعذيب خارج بلادهم".
وفي حين أنّ المدعين الإيطاليين لا يعتمدون على ما يسمى بمبدأ الولاية القضائية العالمية، فإنّ محاكمة ريجيني تسلّط الضوء على أهمية تفعيل آليات المساءلة الدولية عندما لا يمكن تحقيق العدالة محلياً، كما هو الحال بالنسبة لضحايا التعذيب المصريين.
وقالت "كوميتي فور جستس" إنّ هذه المحاكمة "هي علامة فارقة في الكفاح ضد الإفلات من العقاب على خلفية ارتكاب جريمة التعذيب، وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر".
وقال راسموس جرو كريستنسن: "نأمل أن تساعد المحاكمة على استمرار الجهود لضمان العدالة والمساءلة من أجل آلاف المصريين الذين وقعوا ضحايا لانتهاكات جسيمة على يد النظام المصري".