محاصرون في شمال غزة: من لم يمت قصفاً يقتله الجوع والعطش

04 ديسمبر 2024
حزن وألم ونزوح في بيت لاهيا، في 29 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعيش بلدة "بيت لاهيا" تحت حصار إسرائيلي وقصف مستمر، حيث ترفض عائلة البيك الإخلاء رغم نقص الماء والغذاء والدواء، مما يخلق أجواء من الخوف والرعب.
- استشهد وفُقد أكثر من 3700 فلسطيني وأصيب حوالي 10 آلاف آخرين، مع تدمير البنية التحتية، مما فاقم الأزمة الإنسانية.
- العملية العسكرية الإسرائيلية أدت إلى نزوح العائلات وتفاقم الوضع المأساوي، حيث تسعى إسرائيل لتحويل شمال القطاع إلى منطقة عازلة بدعم أمريكي.

"خوف وعطش وجوع".. بهذه الكلمات وصف الفلسطيني أنس البيك الأوضاع في بلدة "بيت لاهيا" التي تعيش مع غيرها من بلدات وأحياء محافظة شمال غزة حصارا إسرائيليا خانقا وقصفا لم يتوقف منذ نحو شهرين. رفضت عائلة البيك الاستجابة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية في بداية العملية العسكرية في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقررت الصمود في البلدة التي تسكنها منذ نحو 40 عاماً.

لم يكن ذلك القرار هيّناً، فقد كلّف العائلة الكثير من المعاناة وعاش على أثره أفرادها المانية أجواء رعب وخوف طوال الـ60 يوما، وعانوا من نقص الماء والغذاء والدواء وكل مستلزمات الحياة الإنسانية البسيطة.

وخلال 60 يوما من ممارسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، استشهد وفُقد أكثر من 3700 فلسطيني، فضلا عن إصابة حوالي 10 آلاف آخرين واعتقال 1750، بحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي الحكومي الاثنين. وقال المكتب الحكومي في بيانه: "على مدار 60 يوماً يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانا بريا وجويا وبحريا وبشكل مُركَّب ومكثف على محافظة شمال قطاع غزة". وأضاف أن "الاحتلال منع عمل طواقم الدفاع المدني في المحافظة، إضافة إلى تدميره للقطاعات الحيوية وعلى رأسها القطاع الصحي والمستشفيات، وتدمير شبكات المياه والصرف الصحي والبنية التحتية وشبكات الطرق والشوارع، ما فاقم من الأزمة الإنسانية بالمحافظة".

حياة بلا مقومات في شمال غزة

يقول البيك للأناضول: "قرار الصمود كان بمثابة التحدي للاحتلال ومخططاته، لذا قرر معاقبتنا على ذلك مكثفا القصف وعمليات التوغل البري، كما استخدم ضدنا كل أنواع الأسلحة الفتاكة". ويضيف: "60 يوماً يمكن أن نقول إنها لم تمر فيها ليلة هادئة ولا نهار آمن، ولا نستطيع التحرك خارج أسوار المنزل إلا للنزوح من منزل إلى آخر كلما اقتربت الآليات الإسرائيلية نحونا".

بحسب الشاب البيك، فإن "هناك آلاف الصامدين داخل بلدات وأحياء شمال غزة لا يمتلكون أدنى مقومات الحياة ويفقدون أرواحهم في سبيل توفير الماء والطعام، لكنهم يصرون على البقاء حتى آخر نفس". ويشير إلى أن "الاحتلال نفسه لم يكن يتوقع صمودنا 60 يوماً داخل منازلنا، لكن الفلسطيني بطبعه عنيد ويمكن أن يضحى لأجل أرضه بكل ما يملك حتى بنفسه". واستنكر البيك "الصمت الدولي والعربي تجاه الإبادة التي تجري بمحافظة الشمال دون أن يحركوا ساكنا حتى اليوم".

نزوح داخلي

التجربة ذاتها تعيشها عائلة الفلسطيني فتحي النشار، التي لا تزال صامدة في مخيم جباليا بمحافظة شمال قطاع غزة. نزحت العائلة خلال العملية الحالية أكثر من 15 مرة داخل منازل ومراكز إيواء في أحياء المحافظة، هربا من الآليات الإسرائيلية، وفقاً لما قاله النشار للأناضول.

ويضيف: "أهون علينا النزوح 100 مرة في المنطقة التي ولدنا وعشنا فيها، على أن نغادر ونعيش الحسرة في أماكن أخرى حتى لو كانت داخل قطاع غزة". وفي وصفه للأوضاع في المحافظة، قال النشار: "الحالة في الشمال صعبة للغاية ويمكن أن يموت الشخص برصاص المسيرات الإسرائيلية وقنابلها إذا فكر بالتحرك لتوفير الماء والطعام". ويشير إلى أنه "نجا وعائلته المكونة من 12 فرداً من الموت عدة مرات بعد قصف الجيش الإسرائيلي منازل بقربهم أكثر من مرة، ورغم ذلك لم يقرروا النزوح إلى الآن". ويوضح المعاناة التي تعيشها العائلات هناك، قائلا: "إضافة إلى نقص الطعام والماء نعاني من نقص الخدمة الطبية، وإذا مرض شخص يموت على فراشه دون وجود أي علاج ينقذ روحه".

تفريق العائلات

فرّقت العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة بين عائلات شمال غزة إذ اضطر عدد كبير منها إلى النزوح لمدينة غزة، فيما بقي آخرون عالقون في الحصار. يقول الشاب محمد الكحلوت المتواجد في الشمال، للأناضول: "ذلك الأمر يزيد القلب لوعة ويعمق المأساة، فلم أكن أتخيل قط في حياتي أن أعيش بعيداً عن زوجتي وابني ووالدي ووالدتي شهرين متواصلين".

ويصف وضعهم في شمال غزة بالقول: "نعيش متنقلين من مكان لآخر، وفي الليل لا ننام خوفاً من التقدم المفاجئ للآليات الإسرائيلية صوبنا". ويلفت إلى أن "العائلات هناك تعاني من نقص كل شيء ومن لم يمت قصفا يموت عطشا وجوعا ما لم يتم فك الحصار وإدخال المساعدات للناس". وأشار إلى تفرق "آلاف العائلات عن أبنائها بسبب العملية العسكرية، ما يجعلهم يعيشون في حالة قلق على مصير بعضهم، خاصة مع انعدام طرق الاتصال ووسائله التي دمرها الاحتلال في بداية العملية".

وفي الخامس أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اجتاح الجيش الإسرائيلي مجددا شمال قطاع غزة، بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة". بينما ترغب إسرائيل في احتلال شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجير السكان، تحت وطأة قصف دموي متواصل وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.

وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت نحو 150 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

(الأناضول)

المساهمون