مجمع ناصر الطبي في خانيونس.. اقتحام وحصار وتجويع وإعدامات وإذلال

15 فبراير 2024
مجمع ناصر الطبي خلال استقباله جرحى نتيجة القصف في 22 يناير (بلال خالد/ الأناضول)
+ الخط -

اقتحم الاحتلال مجمع ناصر الطبي في خانيونس صباح الخميس

جرّف الاحتلال ساحات المجمع وارتكب انتهاكات شملت الإعدام الميداني

الاحتلال اعتقل عدداً من المدنيين والأطباء خلال خروجهم من المجمع

الساعات الأخيرة التي عاشها المحاصرون في مجمع ناصر الطبي تتجاوز في صعوبتها المأساة. هؤلاء عاشوا حصاراً وتجويعاً ورعباً، عدا عن الإعدامات بحق العزّل. 

اقتحم الاحتلال الإسرائيلي مجمع ناصر الطبي في خانيونس جنوبي قطاع غزة، صباح اليوم الخميس، بعدما وضعه ضمن دائرة الاستهدافات المباشرة في يناير/ كانون الثاني الماضي، وبعث إلى إدارته تهديدات مباشرة بالإخلاء في إطار عمله على تدمير القطاع الصحي في المدينة، حيث ارتكب العديد من المجازر بحق الطواقم الطبية والنازحين. وخلال الاقتحام، عمد إلى جرف ساحات المجمع وارتكاب انتهاكات كبيرة بحق المتواجدين فيه، عدا عن الاعتقالات والإعدامات

فجر الخميس، نزح عدد من الغزيين من مجمع ناصر الطبي إلى مدينة رفح بعد حصار خانق استمر قرابة أسبوعين. إلا أن الاحتلال اعتقل عدداً من الشبان والأطباء خلال خروجهم من المجمع. واقتحمت جرافات عسكرية الساحة الجنوبية وقامت بأعمال تجريف، كما أطلقت الكلاب البوليسية داخل المجمع. تزامن ذلك مع آخر اتصال أجرته الطواقم الطبية مع الناطق باسم الوزارة أشرف القدرة.

واعتقل الاحتلال الإسرائيلي عدداً من الأطباء، من بينهم مدير عام المجمع عاطف الحوت والمدير الإداري للمستشفى الطبيب ناهض أبو طعيمة. وكان الاحتلال يعتقل البعض ويحقق مع آخرين داخل المجمع، في وقت وصل عدد من النازحين إلى المستشفى الميداني الأردني في مدينة رفح ومستشفى أبو يوسف النجار.

انقطع الاتصال بالنازحين والطواقم الطبية على مدار 24 ساعة خلال حصار المجمع، ولم تصل أية مساعدات أو إمدادات طبية منذ أيام، ليعيش النازحون والطواقم الطبية ظروفاً مأساوية وسط انقطاع المياه، في الوقت الذي غمرت فيه مياه الصرف الصحي والنفايات المكان. كما نفذ الاحتلال الإسرائيلي إعدامات بحق الذين حاولوا الفرار من المجمع، وأصاب آخرين، بحسب ما يروي أحمد النجار (40 عاماً) في شهادته لـ"العربي الجديد".

وخصّص الاحتلال الإسرائيلي ممراً ادعى أنه آمن لخروج المتواجدين في المجمع الطبي، من خلال نداءات عبر مكبرات الصوت، وأخبرهم أن المهلة الأخيرة أمامهم هي الساعة السابعة صباح الخميس. لكنّ أثناء خروجهم، صدموا بالاعتقالات والتدقيق الأمني. وحتّى ساعات الظهيرة، كان من تبقّوا من النازحين وعائلات الطواقم الطبية يجبرون على النزوح القسري.

ويشدّد النجار في شهادته على أنه والكثير من النازحين كانوا قد خرجوا أثناء الهجوم العسكري على المجمع قبل يومين. لكن لم يكن في البداية هناك ما يدلّ على خروج آمن بالنسبة إليهم، فاضطروا إلى العودة للمجمع للاحتماء فيه. وعلى الرغم من تواصل العديد منهم مع الصليب الأحمر من أجل ضمان سلامتهم، لم تكن هناك أية استجابة. 

ويوضح النجار أن الاحتلال الإسرائيلي دقّق في ملامحه عندما خرج وسأله عن اسمه، ثم دلق المياه التي حملها عدد من النازحين أثناء خروجهم على الأرض. وكان الاحتلال يقول للجميع: "فلتجلب لكم حماس المياه والطعام وتنفعكم". وبعدما اضطروا إلى المشي عبر الممر اعتقل جنود الاحتلال عدداً من الشبان والعاملين من الطواقم الطبية، من بينهم أحد الممرضين الذي كانوا قد شاهدوه في مقابلة تلفزيونية. 

النجار هو من سكان مدينة خانيونس، المنطقة الشرقية، وقد كان برفقة الكثير من سكان الشرقية في مجمع ناصر الطبي. ولم يكن هؤلاء قادرين على المغادرة نظراً لوجود أقاربهم وذويهم من المصابين. يقول لـ "العربي الجديد": "عشنا حصاراً وجوعاً كبيراً. عندما خرجنا كنا خائفين حقاً. لا نريد الموت ومعنا أطفال ونساء. وكانوا يدققون بماذا نحمل وحتى بالأطفال. لم يرحموا أحداً. كان هناك الكثير من المصابين جراء القنص عدا عن الإعدامات".  

إعدامات عبر القناص والمسيرات

وصل إلى مجمع ناصر الطبي حوالي 30 ألف نازح في نهاية دسيمبر/ كانون الأول الماضي، وبدأت الأعداد تتقلّص مع بدء القصف والتهديدات الإسرائيلية في بداية يناير/ كانون الثاني الماضي. كما عمد الاحتلال إلى حصار المجمع وسط قصف مستمر للأقسام ومحيطه وحتى الساحة الداخلية، ما اضطر الناس للإقامة بين الأقسام وغرف المرضى.
على مدار يومين، حاول عدد من سكان غزة النزوح، لكن أصيب بعضهم فيما أُعدِم آخرون، كما تؤكد فاطمة أبو سعدة (54 عاماً) في شهادتها لـ"العربي الجديد"، وهي من الذين وصلوا بصعوبة إلى مستشفى أبو يوسف النجار صباح الخميس. تضيف أن الاحتلال كان يطلق النار على أي جسم يمر عبر الباب الأمامي أو الباب الخلفي للمجمع، رغم أنه قصفه مرات عدة بهدف شل الحركة فيه وإثارة الرعب لدى الموجودين في المجمع.
وأكدت شهادات النازحين تنفيذ الاحتلال إعدامات في الشوارع المطلة من الناحية الشمالية والجنوبية والبوابة الغربية للمجمع، بعدما حاصره من كل الجهات. وتشير أبو سعدة إلى أنهم رأوا إعدامات من خلال قناصين ومسيرات من نوع "كاودكابتر" كانت تقترب منهم إلى مسافة أمتار قليلة فوق الرأس، مشيرة إلى أن الاحتلال أعدم فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً تدعى رؤى قديح، وكانت قد خرجت لمسافة قريبة أمام المستشفى من أجل الحصول على مياه بسبب انقطاعها قبل أسبوع. وفي الوقت نفسه، خرج شابان لمحاولة سحبها، فأصيب شاب من عائلتها يدعى محمد أبو سعدة (24 عاماً)، وفتاة من الموجودين بطلقات نارية من طائرة استطلاع. 
استقبل مجمع ناصر الطبي أعداداً كبيرة من الجرحى (بلال خالد/ الأناضول)
استقبل مجمع ناصر الطبي أعداداً كبيرة من الجرحى (بلال خالد/ الأناضول)

تقول أبو سعدة لـ "العربي الجديد" إنها كانت من الذين خرجوا في ساعات الصباح، موضحة أن الاحتلال كان يطلب منهم المغادرة في الوقت الذي أعدم عدداً من المدنيين أمامهم، وبالتالي لم تكن هناك أي ضمانة أو حماية دولية لهم للمغادرة، الأمر الذي أبقاهم حتى النفس الأخير. تضيف أن الاحتلال أعدم كل فرص النجاة أمام الناس "وقد عشنا ذلاً وحصاراً كبيراً. كنا ننتظر أن يأتي أحد لنقلنا بأمان. لم يكن هناك ما يشير إلى وجود أي عمل عسكري أو خطر. كلنا ضعفاء ومنهارين. شعرنا بالجوع والعطش وفي النهاية أخضعنا الاحتلال لحصار شديد حتى بتنا لا نستطيع المشي جراء الجوع والعطش. عندما وصلت، أغمي عليّ من شدة الجوع والعطش".

من جهته، يقول المسن ضرغام بخيت (60 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، وهو أحد النازحين الذين خرجوا في الساعات الأخيرة: "لقد أعدموا أعداداً ممن حاولوا الخروج في محيط المسستشفى وأصابوا العشرات، ومن بين هؤلاء من وصل زحفاً إلى بوابة المستشفى لأنهم حاولوا الخروج للنجاة أو إحضار مياه أو طعام من أي مكان، منهم ابني أحمد (33 عاماً)، الذي بقي في المجمع لأنه مصاب بطلق ناري في ساقه اليمنى".

رفض الاحتلال التنسيق 

يقول المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة لـ"العربي الجديد" إن الوضع كان كارثياً ليلة أول من أمس الأربعاء، وكان هناك حالة من الذعر بين المتواجدين فيه وسط اتصالات مكثفة من أجل حماية النازحين والمصابين والحالات الحرجة وتوفير الطعام وحليب الأطفال والدواء والوقود. إذ إن مطالبة الاحتلال إدارة مجمع ناصر الطبي بالإخلاء تعني حصول وفيات بين الجرحى والمصابين.

وبحسب آخر الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة، كان هناك أكثر من 1500 نازح داخل مجمع ناصر الطبي، و190 من الكوادر الطبية، و299 من أفراد عائلاتهم، قبل ليلة من اقتحام المجمع الطبي، ومع تأكيد خروج عدد من النازحين في ساعات الصباح فقد التواصل معهم في ظل الاعتداءات عليهم والاعتقالات التي نفذها الاحتلال بحقهم.  

كذلك، تواجد في المجمع 273 مريضاً لا يستطيعون الحركة و327 مرافقاً لهم، من بينهم 18 مريضاً في العناية المركزة و3 أطفال في الحضانة و35 مريض غسيل كلى. ويشير القدرة إلى أن الاحتلال رفض كل أوجه التنسيق الإنساني لنقل الجرحى من مجمع ناصر الطبي. 

ويضيف لـ "العربي الجديد": "تم إجراء عدد من العمليات في المجمع الطبي من دون أدنى مقومات ونقص حاد في المعدات الطبية والمعقمات وحتى المياه لغسل الدماء واليدين. على مدار الأيام الأخيرة، كانت مياه الصرف الصحي تغمر قسم الطوارئ مع تكدس النفايات على مدار أسبوعين كاملين ونفاد طعام الطواقم الطبية والمرضى والنازحين". 

ويشرح القدرة أن الاحتلال استهدف بشكل مباشر مقر الإسعاف وخيام النازحين وجرف المقابر الجماعية داخل مجمع ناصر الطبي، بهدف محو كل دليل على التدمير والإدانة. كما كان قد قصف مصادر المياه والخزانات وألواح الطاقة الشمسية بشدة قبل أيام لينفذ مخططه في قتل المدنيين وفرض الخناق على الطواقم الطبية التي أصرت على البقاء ومحاولة إنقاذ أرواح المصابين.

المساهمون