مجزرة مدرسة خديجة... نزوح جديد ومستشفى ميداني مدمر

28 يوليو 2024
نصف شهداء مجزرة مدرسة خديجة من الأطفال (محمد الحجار)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مجزرة مدرسة السيدة خديجة**: ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة في مدرسة السيدة خديجة بدير البلح، مما أدى إلى مقتل 36 شخصاً، بينهم 16 طفلاً وتسع سيدات، وإصابة أكثر من 110 آخرين، وتدمير المدرسة بالكامل.

- **الأوضاع الإنسانية والبنية التحتية**: كانت المدرسة تؤوي نحو أربعة آلاف نازح، وتعاني المنطقة من مشكلات في البنية التحتية ونقص المساعدات الغذائية، مما زاد من معاناة النازحين.

- **المستشفى الميداني وتداعيات القصف**: دُمر المستشفى الميداني الذي أنشأته وزارة الصحة داخل المدرسة، مما أدى إلى نزوح العائلات إلى مناطق الخيام وزيادة تعقيد الوضع الإنساني.

عند الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح السبت الماضي، كان أفراد عدد من العائلات المستقرة داخل مدرسة السيدة خديجة الخاصة في مدينة دير البلح يغادرون الفصول إلى الساحة، هرباً من اشتداد الحرارة في ذلك الوقت الذي تجعل الشمس فيه الفصول أقرب إلى الأفران، أملاً في الحصول على بعض الهواء البارد تحت مظلات المدرسة، لكنه كان الخروج الأخير، إذ ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة بحقهم. 
بعد المجزرة، تقرر إخلاء المنطقة بالكامل، فبعد القصف الإسرائيلي الأول أعاد الاحتلال قصف المدرسة مرة أخرى، ودمرها بالكامل، وألحق أضراراً بالمدرسة المجاورة، وهي مدرسة أحمد الكرد الخاصة، التي كانت تؤوي نازحين آخرين، كذلك دمر المستشفى الميداني المقام داخل مدرسة خديجة.  
وحتى مساء السبت الماضي، وصل عدد شهداء المجزرة إلى 36 شهيداً، من بينهم 16 طفلاً وتسع سيدات، فضلاً عن أكثر من 110 جرحى، أكثر من عشرة منهم حالاتهم خطرة، وبعضهم يقبع في العناية المركزة بمستشفى شهداء الأقصى.
وكانت مدرسة السيدة خديجة الخاصة من ضمن المدارس التي تؤوي النازحين بعد امتلاء المدارس التابعة لوكالة أونروا، والمدارس الحكومية، إذ فتح عدد من المدارس الخاصة أبوابه للنازحين بسبب عدم توافر أماكن، وقدّر الدفاع المدني وجود ما يقارب أربعة آلاف نازح داخل المدرسة، وجميعهم من سكان المنطقة الشمالية. 
وتعاني المنطقة التي تقع فيها المدرسة مشكلات في البنية التحتية، إذ أصبحت مياه الصرف الصحي تعيق الحركة، وتحولت الشوارع القريبة إلى مستنقعات نتيجة تدمير شبكات الصرف الصحي، وفي المقابل لا يملك الناس بديلاً.

تكررت في مدرسة خديجة مشاهد مشابهة لما جرى في مجازر سابقة

كان محمد أبو عون في أحد فصول الطابق الثاني، ويستعد للخروج إلى ساحة المدرسة قبل التوجه إلى سوق مخيم دير البلح لشراء الطعام، بعد أن تسلّم الحوالة المالية التي أرسلها شقيقه المهاجر في إحدى الدول الأوروبية، لكنه تعرّض لإصابة متوسطة نتيجة القوة التدميرية للصاروخ الذي تسبب في تطاير الزجاج وتحطيم أبواب الفصول. 
كان أبو عون واحداً من عشرة أفراد من عائلته النازحة إلى المدرسة، وقد استشهد ثلاثة منهم في المجزرة، وهم من بين مئات العائلات التي تكرر نزوحها، وهم أصلاً من مدينة غزة. ويؤكد أن "معظم الموجودين في المدرسة من الأطفال والنساء الذين يشكلون 80% من النازحين، وكانوا في المدرسة بعد أن تقطعت بهم سبل إيجاد خيام أو أماكن نزوح". 

صلاة الجنازة على شهداء مجزرة مدرسة خديجة (محمد الحجار)
صلاة الجنازة على شهداء مجزرة مدرسة خديجة (محمد الحجار)

يقول أبو عون لـ"العربي الجديد": "المنطقة شبه مدمرة، وكانت تضم عدداً كبيراً من النازحين، فالمساحات المتوافرة التي يمكن للنازحين البقاء فيها محدودة، وفي قلب المدرسة أقيم مستشفى ميداني من أجل خدمة النازحين، وأعداد كبيرة منهم قرروا البقاء في المدرسة كي يكونوا قريبين من مركز لتلقي العلاج، ومن بينهم عائلتي التي فضلت البقاء بسبب حاجة والدتي المسنة للرعاية الطبية". 
يضيف: "خلفت المجزرة الكثير من الجثامين المقطعة، وتطايرت أشلاء الشهداء، وشاهدت بعضها عندما سقطت بعد الإصابة. القوة التفجيرية لم يسبق لي مشاهدتها في حياتي، وكل من كان يطل على ساحة المدرسة إما شهيد أو مصاب، وتوقيت القصف هو وقت خروج غالبية النازحين من الفصول للحصول على بعض الهواء، أو الذهاب إلى الأسواق لتأمين الطعام". 
كانت المدرسة تعاني قلة وصول المساعدات الغذائية، وتتلقى بعض المساعدات عبر برنامج الأغذية العالمي ووكالة أونروا، لكونها تقع في المنطقة الشمالية الغربية من مدينة غزة، وكانت المجزرة مفاجئة للنازحين. واعتبر المكتب الإعلامي الحكومي أن الأسلحة المستخدمة في المجزرة من بين الأصناف المحرمة دولياً، واستدلت على ذلك بالقوة التفجيرية الكبيرة، والتي وثقتها عدسات الكاميرات.

صدمت المجزرة العائلات النازحة إلى المدرسة (محمد الحجار)
صدمت المجزرة العائلات النازحة إلى المدرسة (محمد الحجار)

وتكررت في مجزرة مدرسة خديجة مشاهد مأساوية مشابهة لما جرى في مجازر سابقة حصلت في مدارس الإيواء، وكان من بين المشاهد المأساوية رجل يتجول باحثاً عن رأس نجله الصغير، وأم تبحث عن باقي أعضاء ابنها المراهق الشهيد وهي في حال من الصدمة، ولا تريد الرد عندما يسألونها عما تبحث، ولا تترك الشبان يبحثون معها. 
لم يعثر محمد أبو شمالة (40 سنة) على بعض أعضاء شقيقه الشهيد حسام أبو شمالة، وكانت تسيطر عليه الصدمة ضمن كثيرين فقدوا أفراداً من عائلاتهم، وهو الذي فقد عدداً من أبناء عمومته في مجزرة مخيم النصيرات التي وقعت الشهر الماضي، وأفراداً من عائلته في مجزرة أخرى في مدينة رفح، ونحو 20 فرداً من العائلة خلال العملية العسكرية على مدينة خانيونس في مارس/ آذار الماضي.
يقول أبو شمالة لـ"العربي الجديد": "خسرت كل شيء تقريباً، شقيقي، وثلاثة من أعمامي، وجدي، وعدداً من أبناء عمي، وكثيراً من أصدقائي، ومنزلي قبل كل ذلك. كنت أريد جمع أطراف جسد شقيقي الشهيد حتى أدفنه في مقبرة، أو حتى في الشارع، فقد كان يساعد كثيرين، وأنقذ الكثير من الأرواح في مرات القصف الإسرائيلي السابقة". 

خلفت المجزرة عشرات الجرحى (محمد الحجار)
خلفت المجزرة عشرات الجرحى (محمد الحجار)

وأنشأت وزارة الصحة في قطاع غزة المستشفى الميداني الصغير في المدرسة لتغطية حاجة النازحين في المنطقة إلى العلاج، وكان يركز على علاج الأمراض الموسمية وحالات العدوى، ويتولى مهمات غيار ضمادات جروح المصابين، وعلاج الأمراض الجلدية، ومتابعة الحمل، إذ كان يضم عيادة لأمراض النساء وأخرى للأطفال، وكان يشهد توافد كثير من الجرحى والمرضى للحصول على العلاج، خصوصاً من بين المقيمين في المنطقة التي تضم عدداً من مدارس الإيواء. 
يقول الممرض محمد الديراوي إن ثلاثة من المرضى الذين كان يعالجهم في المستشفى الميداني راحوا شهداء في المجزرة، وإنه شاهد اثنين من الجرحى الذين عالجهم سابقاً بين الشهداء أيضاً، وجميعهم كانوا يتخذون مع عائلاتهم المدرسة مأوى لهم، وكان منهم مصابون بحروق ظهرت عليهم أعراض الالتهابات الشديدة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وقلة الحصول على الأدوية أو المضادات الحيوية والمراهم.
يضيف الديراوي لـ"العربي الجديد": "أنشأت وزارة الصحة المستشفى الميداني في المدرسة بسبب ضيق المساحات المتوافرة، وقبلها كان سكان المنطقة يضطرون إلى قطع مسافات بعيدة في ظل غياب المواصلات وحتى العربات التي تجرها الحيوانات في كثير من الأحيان، للوصول إلى مستشفى شهداء الأقصى القريب من شارع صلاح الدين الشرقي، كذلك فإن المنطقة بعيدة عن العيادات الصحية، وقد فتحت أبوابها للعمل رغم عدم توافر الكثير من المستلزمات الضرورية، وكان المستشفى الميداني يجري العمليات الجراحية الصغيرة والمتوسطة، ويتولى شؤون الرعاية الأولية، والكشف الطبي والغيارات والفحوص العامة". 
يتابع: "كثير من الناس قرروا البقاء في المدرسة لوجود المستشفى، والعديد من المسنين والمصابين انتقلوا إلى خيام قريبة منها حتى يتمكنوا من متابعة العلاج، وتلقي خدمات الطوارئ، خصوصاً جرحى العدوان، لكن جيش الاحتلال دمر المستشفى بما فيه من معدات طبية وأسرّة وأدوية، ودمر المنطقة ليجبر الناس على مغادرتها". 

نزحت العائلات من مدرسة خديجة ومدرسة أحمد الكرد نحو مناطق الخيام في وسط غرب مدينة دير البلح، وعدد منهم توجه إلى إحدى رياض الأطفال في وسط مدينة دير البلح، وقضى المئات منهم ليلته الأولى في العراء، في ظل عدم وجود أماكن إيواء، وافترشت أعداد منهم شاطئ البحر للمبيت فوق فُرُش مهترئة أخرجوها من تحت ركام القصف. 
قضى صقر الحسنات (35 سنة) الليل مع 40 فرداً داخل بسطات سوق الخضار في مخيم دير البلح، بعد أن نزحوا من شارع البحر. وفي الصباح التالي، انتقلوا للبقاء بالقرب من بوابات إحدى مدارس "أونروا" في قلب المخيم.
يقول الحسنات لـ"العربي الجديد": "لا يوجد مكان يمكن أن نذهب إليه، وجميع أراضي مدينة دير البلح وشوارعها ممتلئة، ولا نملك خياماً، والفُرُش التي كنا محظوظين بكونها معنا مهترئة، ونتوقع أن نبيت أياماً في العراء، ونشعر أننا نتعرض لأكبر سلسلة خذلان في التاريخ، فلا أحد يدعمنا".

المساهمون