في حديقة وسط مدينة إدلب شمال غرب سورية، نصب الكثير من الأهالي والناجين من الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا يوم الإثنين الماضي، وأثر بشكل كبير على شمال وغرب سورية ومحافظات داخلية أخرى، خياماً مؤقتة ليناموا بداخلها، وسط ظروف مناخية قاسية وبرد شديد، وانعدام الاحتياجات الأساسية، عدا عن هول الصدمة من جراء فقدان الأهل والأقارب والجيران والدمار المهول الذي خلفه الزلزال.
الحال نفسه ينسحب على محافظات حماه واللاذقية وطرطوس الخاضعة لسيطرة النظام السوري التي ضربها الزلزال موقعاً العديد من الضحايا بين قتلى وجرحى، وأدى إلى دمار العديد من المنازل، ما جعل كثيرين هائمين على وجوههم في الشوارع. ومن أسعفه الحظ جعل من سيارته مبيتاً مؤقتاً أو حظي بمكان في مأوى أو ملجأ عام.
وفي ظل الهزات الارتدادية الكثيرة المستمرة، تستمر المخاوف لدى الأهالي في شمال غرب سورية وعموم المناطق التي تأثرت بالزلزال وما زالت، من حدوث هزات ارتدادية عنيفة، لا سيما وأن تلك التي حدثت بعد خمس ساعات على الزلزال الأول كانت قوية.
واقعٌ يستدعي إغاثة آلاف الناس الذي أصبحوا بلا مأوى، أو يخشون العودة إلى منازلهم، لإنقاذ ضحايا الزلزال من مصابين وعالقين تحت الأنقاض، لا سيما وأن المخاوف باتت كبيرة من أن يفتك البرد بالأطفال وكبار السن والمرضى الذين يحتاجون للرعاية بالأحوال العادية. يقول الحاج أحمد المنصور من ريف سراقب، لـ "العربي الجديد"، إن أقاربه في مدينتي حارم وإدلب لا يزالون تحت الأنقاض ومنهم من قتل من جراء الزلزال. وخوفاً من الهزات الارتدادية، قرر التوجه مع أفراد عائلته جميعاً إلى الحديقة العامة في إدلب، التي يتوفر فيها نوع من الأمان النسبي لبعدها عن المباني، موضحاً أن أهم ما يحتاجه حالياً هو سقف خيمة يقيه وعائلته مطر الشتاء وتأمين بعض الدفء لأولاده، سواء بواسطة وقود التدفئة أو بعض البطانيات، علماً أن احتياجات أسرته أكثر من ذلك بكثير، لكن هناك أولويات.
فرّ عبد الرحمن حبلص مع عائلته من مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا، والتي تأثرت بالزلزال، وباتت الحديقة في مدينة إدلب مأواه الجديد. يقول لـ "العربي الجديد" إنه تمكن من جلب بعض الملابس والبطانيات من بيته المدمر، إلا أنه بحاجة إلى المساعدة مع عائلته، التي لن تستطيع الصمود أكثر في العراء من دون مأوى أو غذاء أو دواء.
الحال نفسه ينسحب على علي السيد يوسف، الذي توجه إلى الحديقة لعدم وجود خيار، خوفاً من أن يسقط المنزل فوق رؤوس العائلة في أي لحظة. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنهم فروا للبقاء على قيد الحياة والحصول على طعام ومياه ومأوى وبعض الأدوية، التي تخفف عن أولاده نزلات البرد. وفي ما يتعلق بالنظافة والملابس، يشير إلى أنها غير متوفرة "لكنها احتياجات ثانوية في الظرف الراهن".
الكثير من العائلات باتت ليلتها في الحديقة، ومنها من حصل على خيمة لتقيها الأمطار وبرودة الطقس، ومنها من تنتظر وصول المساعدات لتتوزع على الخيام، من أغطية وغذاء ومياه للشرب. بعض المنظمات حاولت توزيع احتياطاتها من المواد الإغاثية على من يفترشون الطرقات أو لجأوا إلى الحدائق والأماكن المفتوحة، لكن الحاجة لا تزال أكبر بكثير من الموجود في ظل الكارثة المهولة، وتأخر دخول المساعدات إلى شمال غرب سورية.
أولويات
بالإضافة إلى جهود الفرق المعنية بالإنقاذ وإخراج العالقين من تحت الأنقاض ودعم الفرق الطبية في المستشفيات، فإن المنظمات الإغاثية بحاجة لدعم كبير لتحسين ظروف الآلاف من المتضررين. يقول مدير قسم المناصرة في منظمة "عطاء" (إحدى المنظمات الإغاثية التي أخرجت احتياطياتها من المواد الإغاثية للاستجابة للمتضررين) سارية عقاد، إنهم قدموا المساعدات للمتضررين في المناطق التي شهدت دماراً كبيراً، لا سيما في بلدات جنديرس والأتارب بريف حلب، وترمانين وسرمدا بريف إدلب، من خلال فتح مراكز إيواء أو تقديم السلال الإغاثية أو تقديم السلال المتعلقة بالنظافة الشخصية، أو المساعدات الشتوية والمياه.
ويسأل خلال حديثه لـ "العربي الجديد": "هل نستطيع بالإمكانيات الحالية تقديم المساعدة للجميع؟ الجواب بالتأكيد لا. هناك أولويات، والأولوية بالنسبة لنا كمنظمة هم المتضررون الذين دمرت منازلهم بالكامل، ثم أولئك الذين تعرضت منازلهم لضرر جزئي، أي الأشخاص والعائلات الذين لم يعد بإمكانهم العودة إلى منازلهم. هؤلاء أولوية بالنسبة لنا. فتأمين المأوى البديل هو الحاجة الأكثر إلحاحاً، وقد عمدنا لإنشاء خيام لإيواء الناس على أمل نقلهم إلى مراكز إيواء جيدة".
يتابع: "الأولوية أيضاً هي تقديم العون لعمال الإنقاذ والمتطوعين في رفع الأنقاض"، لافتاً إلى أنهم يحتاجون إلى الطعام والمشروبات الساخنة في ظل البرد، ليتمكنوا من الصمود ومواصلة العمل، بالإضافة لتقديم الوقود لبعض الآليات المشاركة في عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض. وفي ما يتعلق بالاحتياجات الضرورية، يقول عقاد: "حتى وإن امتلكت المنظمات والهيئات المال، فليس هناك مواد في السوق ويجب توفيرها. وفي ظل البرد القارس، يجب تأمين التدفئة والطعام والشراب للمتضررين. وننتظر وصول المساعدات لتلبية احتياجات الجميع مع المنظمات الأخرى".
ويشير عقاد إلى أن جميع المنظمات تعتمد في مشترياتها للمواد على التحويلات من مكاتبها الرئيسية في تركيا عبر البريد التركي الرسمي إلى الداخل السوري، لكن ذلك البريد أغلق في المناطق الجنوبية الآن بسبب كارثة الزلزال هناك، وهذه مشكلة حقيقية يجب حلها، في ظل منع تسليم الأموال باليد من قبل المانحين، ما يشكل مشكلة قانونية بالنسبة للمنظمات.
وفي مدينة بنش، لجأت أسر إلى بيوت بعض العائلات التي لم تتضرر منازلها. إلا أن أكثر الأسر التي استقبلتهم لا تملك إمكانيات لتأمين الفرش والأغطية. خليل عبدو هو أحد هؤلاء الذي ترك وأسرته مدينة سرمدا متوجهاً إلى بنش حيث استقبلته إحدى العائلات. يقول لـ "العربي الجديد": "غادرنا بملابسنا. أشعر بالخجل من العائلة التي استقبلتنا، وخصوصاً أن إمكانياتها قليلة، إلا أنها أمنت لنا بطانيات ووسائد بالإضافة إلى الطعام".
وبعد حدوث الزلزال، أصدرت "وحدة تنسيق الدعم" (ACU)، وهي هيئة مختصة بتوزيع الدعم على الجهات الإغاثية والطبية في مناطق المعارضة السورية، تقريرين عن أبرز الاحتياجات اللازمة لإغاثة المتضررين. وأشارت إلى أنها تعمل من خلال الباحثين المیدانیين في شبكة الإنذار المبكر وتوجيه التحذيرات والاستجابة EWARN، وبرنامج المياه والصرف الصحي والنظافة العامة، وغير ذلك، بالإضافة إلى البرامج التنمویة وأقسام المراقبة والتقییم لإحصاء الخسائر التي خلفها الزلزال المدمر. وتشير إلى أن انقطاع الكهرباء أدى إلی استنزاف الوقود ﻓﻲ المستشفيات التي توجه مناشدات إلی شرکات الكهرباء لتشغیل التیار الكهربائي بشكل دائم، كما تؤوي کافة المدارس نازحین فروا من الزلازل لأن بیوتهم تصدعت، علماً أن الاستجابة لاحتیاجات هؤلاء النازحین ضعیفة واقتصرت ﻋﻠﯽ توزیع عبوات میاه صغیرة، وتفاحة لكل شخص أو بعض الخبز، فیما وزعت بعض المنظمات بطانیات لكنها غیر کافیة.
جسر جوي
وفي ما يتعلّق بالاحتیاجات الطارئة، تشير "وحدة تنسيق الدعم" إلى أنه نظراً لانعدام الإمكانيات وعدم توفر مراکز إیواء ونقاط تجمع آمنة وظروف الطقس القاسیة من درجات حرارة منخفضة وعواصف مطریة وثلجیة، يجب فتح جسر جوي بین جنوب ترکیا وشمال غرب سوریة لنقل الإصابات الحرجة إلی ترکیا، وإیصال المساعدات الطبیة بشكل عاجل إلى شمال غرب سوریة، وتقديم 9548 خیمة لإیواء العائلات التي فقدت المأوى، بالإضافة إلى 47.740 فرشة وبطانیة، وملابس شتوية ﻋﻠﯽ اعتبار أن العائلات ترکت المأوى من دون أن تتمكن من التزود بالملابس. يضاف إلى ما سبق تخصيص 38.192 وجبة غذائیة یومياً من خلال مطابخ متنقلة، وتأمين 2,864,400 لیتر من وقود التدفئة (تكفي العائلات المتضررة شهراً واحداً)، وتأمین مراکز إیواء مجهزة بالتدفئة وغير ذلك، وفتح المدارس والمعاهد، وتجهیزها لإیواء المتضررین مؤقتاً بالتنسیق مع القائمین ﻋﻠﯽ العملیة التعلیمیة، ودعم المستشفيات ومراکز التبرع بالدم لإسعاف الجرحی وإنقاذ الأرواح، وتأمین متطلبات الدفاع المدني من آلیات ثقیلة ومعدات لإخراج العالقین من تحت الأنقاض بأسرع وقت، وتأمین المحروقات لهذه الآلیات، والعمل على تأمین عیادات متنقلة في ظل اكتظاظ المرضى في معظم المستشفيات، وتأمین الخبز يومياً، بالإضافة إلى تأمین الدعم النفسي للعائلات المتضررة والأطفال والنساء الذین فقدوا أقرباءهم خلال الكارثة.
لا أكفان للموتى
ونظم عدد من الناشطين والأهالي وقفة احتجاجية عند معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، في وقت سابق، للمطالبة بإدخال المساعدات إلى الشمال السوري. وقال الناشط عبيدة دندوش إن مناطق شمال وغرب سورية منكوبة أساساً بسبب الحرب، وزاد الزلزال من نكبتها، مشيراً إلى عدم وصول مساعدات.
من جهته، أكد مدير العلاقات العامة بمعبر باب الهوى الحدودي مازن علوش، أنه لم يدخل الآن أي نوع من المساعدات، لا دولية ولا شعبية، حتى أكفان للموتى لم تدخل بحسبه، رغم أن الحاجة لدخول المساعدات للشمال السوري ملحة نظراً للظروف التي يعرفها العالم بأسره.
فوضى
عادت "أ .ش." القاطنة في حي الميدان بمدينة حلب إلى منزلها بعد يومين من المكوث في قبو مع أكثر من 300 ناج من الزلزال المدمر. تقول لـ "العربي الجديد" إن الخوف والبرد والعطش عوامل تؤدي إلى كوارث إضافية، مشيرة إلى أن قرار عودتها إلى المنزل جاء بناء على رغبتها رغم معارضة زوجها وأقاربها. وتشير إلى أن "الحي لم يتعرض للدمار، وفيه وجدت الدفء والراحة، ولن أخرج منه إلا في حال تجدد الهزات الأرضية".
وتؤكد أن الفوضى كبيرة في مختلف النواحي، إذ لم يشعر سكان حلب بسرعة استجابة السلطات المحلية لوقع الكارثة، بل كان هناك بطء في تأمين مستلزمات الإغاثة والإنقاذ، مشيرة إلى النقص الحاد في الأغطية والثياب والطعام والأدوية للعائلات التي لجأت إلى الكنائس والجوامع والمدارس الآمنة. ويعتمد هؤلاء على الفرق المتطوعة والجمعيات الخيرية والأفراد، لافتة إلى أن ابنها المتطوع في أحد الفرق أخبرها عن حجم المآسي التي يصادفها، وخصوصاً بالنسبة للمرضى والأطفال. وتفيد بأن المساعدات الإغاثية لم تصلهم بعد، على الرغم من الإعلان عنها في كل وسائل الإعلام.
تضيف أنه "في كل كنيسة وجامع هناك ما لا يقل عن 500 مواطن، بعضهم يحصل على احتياجاته، والآخرون ينتظرون.
ويمكن أن ينسحب هذا الحال على آلية الاستجابة في اللاذقية وحماه وبشكل أقل طرطوس، فلا آلية واضحة للاستجابة للناس والمحتاجين، رغم وصول المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام من دول مختلفة، في مقدمتها الجزائر ومصر وبعض الدول الأخرى".
وقدرت الكثير من المنظمات أن عدد الذين باتوا بلا مأوى هو حوالي 11 ألف شخص في شمال غرب سورية، أي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في كل من حلب وإدلب. إلا أن الناشطين يقولون إن العدد الحقيقي يمكن أن يفوق بضعفين العدد المقدر.