ماذا عن الأمراض والأعراض النفسية؟

20 ديسمبر 2023
تعرض أطفال غزة لمأساة غير مسبوقة (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -

بلغ عدد تلاميذ مدارس وكالة "أونروا" في العام 2023– 2024 في كل من قطاع غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية نحو 1.3 مليون تلميذ، بحسب ما ذكرت منسقة الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، لين هاستينغز، والتي قالت إن "المدارس يجب أن تكون ملاذاً آمناً يؤمّن للأطفال".
لكن ما عاناه تلاميذ قطاع غزة عانى شبيهه من هم في مدارس باقي المناطق الفلسطينية المحتلة، فما أن فتحت المدارس أبوابها حتى كانت الشكاوى تتمحور حول خسارة أسابيع من العام الدراسي نتيجة الإضرابات التي خاضها المعلمون، ليس في مدارس أونروا فقط، بل في المدارس الحكومية أيضاً. وفيما كانت الإدارات المدرسية تبحث في تكثيف الدروس لتعويض الفاقد التعليمي، إذا بالوقائع تعطل المدارس كلياً، وتجعل الفاقد كاملاً.
لو فرضنا أن العام الدراسي قد عاود الانتظام، فإن عودة التلاميذ الفلسطينيين الصغار إلى صفوفهم ستبدو مسكونة بالآلام والأعطاب النفسية التي يحملونها من بيئاتهم المنتهكة والمستباحة، وبالطبع تلاميذ مدارس غزة أكثر معاناة من سواهم بالنظر إلى كثافة التدمير الذي تعرضت له المدن والبلدات والمخيمات، وفداحة الخسائر البشرية التي أصابت ذويهم وأقاربهم. لكن ما يجب أن نتنبه له أن هؤلاء بالأصل كانوا يعانون من العدوانية الإسرائيلية التي تستهدف مجتمعاتهم في السنوات السابقة كفعل احتلالي متواصل. 
منذ مطلع العام الحالي حتى عملية طوفان الأقصى، فقد 42 طفلاً فلسطينياً حياتهم، من بينهم 35 في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وسبعة في قطاع غزة. الآن ومع استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية فقد بلغ عدد الضحايا الآلاف من الأطفال. ثم إن الضحايا من الكبار والنساء هم أمهات وآباء وإخوة وأخوات لهؤلاء التلامذة. 
ولا شك أن هؤلاء الأطفال بحاجة ماسة إلى متابعة علاجية وسلوكية لمساعدتهم على مواجهة الآثار النفسية التي يعانونها، والتي في حال عدم التعامل معها بدراية، يمكن أن تؤدي إلى مشكلات تستمر معهم طوال حياتهم، وتقذف بهم إلى انحرافات كبرى تنعكس على المجتمعات التي يعيشون فيها. 

موقف
التحديثات الحية

إذن يمكن القول إن الفاقد التعليمي لا يمكن أن يقاس بأيام وأسابيع التعطيل خلال الحرب، بل بالمستوى العالي من الكراهية، ورفض قبول الآخر الذي تبثه المكينة الأيديولوجية الصهيونية الفاشية خلال الأسابيع الماضية، والتي من شأنها أن تخدش ما تحمله طفولة هؤلاء التلاميذ من براءة، ما يجعل حياتهم المقبلة مجرد صراع من الأحقاد التي لا تنتهي إلا بقاتل أو مقتول، ولعل تشريع حمل وتوزيع السلاح على المستوطنين هو طريق الانفجار المقبل.
كانت مدارس أونروا قد شرعت خلال الأعوام القليلة الماضية بعد تخلص العالم من وباء كورونا في تدريس التلاميذ في مدارسها مواد من إعدادها تتعلق بحقوق الإنسان والمواثيق الدولية والأممية، فإذا بالوقائع تطيح بمثل هذه المحاولة قبل أن تؤتي ثمارها، إذ يفقد الطفل الفلسطيني حياته على حاجز لزعم جندي إسرائيلي أنه كان ينوي قتله، وهذا المستوى من العنف، سيدفع بزملائه إلى الإيمان بأن لا سبيل أمامهم سوى الخوض في هذا العنف والصراع المفتوح.  

(باحث وأكاديمي)

المساهمون