مادة "تاريخ الرومانيين" تقسّم مولدافيا

19 يوليو 2022
مادة "التاريخ الروماني" في رومانيا قد تكون مسيّسة (دانيال ميهايليسكو/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ إعلان استقلالها عن الاتحاد السوفييتي البائد عام 1990، تدرج مولدافيا مادة "تاريخ الرومانيين" في منهجها التعليمي، حتى أنها احتضنت حركة "الجبهة الشعبية" التي ناضلت في سبيل الانضمام إلى رومانيا، ووصل الأمر حدّ تقديم أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال ميرسيا سنيغور هذا الطلب إلى بوخارست، وهو ما رفضه الرئيس الروماني يون إلييسكو حينها.
بعدها، حاول مؤرخو مولدافيا مرات تغيير الوضع، لكن السلطات المتتالية سواء تمثلت بأنصار الاتحاد مع رومانيا أو اليسار أو اليمين أو الديمقراطيين أو الشيوعيين أو الاشتراكيين، أبقت تدريس مادة "تاريخ الرومانيين" في المناهج. ولم يتغير الوضع حتى خلال فترتي حكم الرئيسين المدعومين من روسيا، فيكتور فورونين بين عامي 2001 و2009، وإيغور دودون بين عامي 2016 و2020.

يقول رئيس تحرير موقع "أفا" الإخباري في مولدافيا أندريه أندرييسفكي، لـ"العربي الجديد": "لا تمثل مسألة تسمية مادة التاريخ في المدارس أجندة حقيقية لسكان مولدافيا، بل ورقة اعتاد السياسيون استثمارها لتحقيق مكاسب إضافية". 
يضيف: "يحصل جدل حاد حول المسألة بين السياسيين، وليس بين أبناء المجتمع، كونها تندرج ضمن مجموعة قضايا حول الهوية تتناول الأسئلة التي يطرحها الشعب حول من نحن وما ماضينا وكيف يجب أن يكون مستقبلنا؟ والتي يمكن تلخيصها كلها بسؤال واحد هو: هل نحن مع روسيا أم مع الغرب؟ والجواب يقسّم مجتمعنا مناصفة تقريباً". 
ويلفت أندرييسفكي إلى أن "متاجرة السياسيين بقضية تدريس مادة التاريخ لا تخلو من تلاعب، إذ يزعم كثيرون، استناداً إلى تعداد سكاني غير دقيق أجري عام 2014 من دون أن يعترف الخبراء بجدّية نتائجه، بأن أكثر من 80 في المائة من سكان مولدافيا يعتبرون أنفسهم مولدافيين، ما يفرض تدريس مادة تاريخ مولدافيا. أما الحقيقة السائدة فتتمثل في أن مسألة تدريس التاريخ لا تهم المواطنين العاديين بخلاف السياسيين الذين يستثمرونها كثيراً، لا سيما عشية الانتخابات". 
وحول دوافع طرح السياسيين الموالين لروسيا مسألة تدريس مادة "تاريخ مولدافيا"، يقول أندرييسفكي: "يحب هؤلاء طرح المسألة بأمل أن يساعدهم استحداث تدريس مادة تاريخ مولدافيا في إبعاد الناس عن أوروبا. ويحصل كثيرون منهم على دعم مالي من الكرملين، فيحاولون نيل إعجاب أسيادهم في موسكو. لذا تعتبر المسألة مصطنعة ومسيّسة إلى حدّ كبير".   

ويشير أندرييفسكي إلى أن "مجموعة أسباب تدفع السلطات نفسها إلى العزوف عن دعم تدريس مادة تاريخ مولدافيا، وفي مقدمها رفض المسّ بالاستقرار السائد في المسألة، وقطع الطريق أمام أي احتجاج قد ينظمه السكان الموالون لرومانيا، والثاني عدم الرغبة في منح الأحزاب الموالية لروسيا أوراقاً قوية في الانتخابات. أما السبب الثالث فيرتبط بقناعة القادة الحاليين بأن المولدافيين قسم من العرق الروماني الكبير، خاصة أن الشطر الغربي من رومانيا يحمل اسم مولدافيا أيضاً، ويقطنه أشخاص يتحدثون اللهجة المولدافية للغة الرومانية". 
وكان زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي فيكتور شيلين قد توقع ألا يدعم البرلمان مبادرة تدريس مادة "تاريخ مولدافيا"، واعتبر في حديثه لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية أن "جعل التعليم المولدافي رومانياً يهدف إلى حذف التاريخ المشترك مع روسيا من ذاكرة المولدافيين"، وأضاف: "في السابق، انتخب فلاديمير فورونين رئيساً بأمل أن يستحدث مادة تاريخ مولدافيا في المدارس ويحمي الأقليات الإثنية، في مسألة حظيت بأهمية قصوى بعد النزاع المسلح على نهر دنيستر. لكن فورونين استحدث مادة موازية بعنوان التاريخ العام، مع إبقاء مادة تاريخ الرومانيين التي خاف أن يحذفها. أما الرئيس السابق دودون الذي خسر انتخابات عام 2020 أمام الرئيسة الحالية مايا ساندو عام 2020، فلم يتجرأ على إزالة المكون الروماني من منهج التعليم المولدافي، رغم أن مؤرخين كثيرين أصرّوا على تدريس تاريخ مولدافيا في المدارس الوطنية. وفي كل الأحوال، خالف جميع الرؤساء المولدافيين الدستور الذي ينص على أن المولدافية هي لغة الدولة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وكانت "المبادرة المدنية من أجل تاريخ مولدافيا" قد طالبت وزارة التعليم والثقافة والعلوم في مطلع يوليو/ تموز الجاري، بالاعتراف بحق كل القوميات في المساواة، وإزالة الإشارة إلى عرق محدد في تسمية مادة مدرسية، واحترام هذا الحق. 
ولجأت المجموعة إلى لجنة حقوق الإنسان والعلاقات بين الإثنيات ومجلس منع التمييز وضمان المساواة، ودعت إلى تغيير تسمية المادة من "تاريخ الرومانيين" إلى "تاريخ مولدافيا". 

المساهمون