مؤسسات النظام في السويداء بلا موظفين... هجرة واستقالات

30 نوفمبر 2022
غالبية الكوادر الوظيفية السورية من النساء (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

أكد عدد من العاملين بالدوائر الحكومية التابعة للنظام السوري في محافظة السويداء أن عدداً كبيراً من الموظفين أصحاب الخبرات تقدموا باستقالاتهم، وباتت بعض القطاعات عاجزة عن إنجاز أعمالها.

تحاول مديرية تربية السويداء ترميم كادرها الوظيفي بالمعينين الجدد وفق المسابقة الأخيرة، والتي نجح فيها نحو 1000 متسابق، وتم تعيين الجزء الأكبر منهم، لكن هذا الرقم لا يعوض الخسارة في الاختصاصات المهمة، بالإضافة إلى افتقار المدارس إلى المدرسين الذكور.
وأكد مصدر في مديرية التربية في السويداء لـ"العربي الجديد"، أن أكثر القطاعات تأثراً بنقصان الموظفين هي مديريات التربية والصحة والهاتف ومديرية الخدمات العامة، مضيفاً أن "إحصائيات مديرية التربية تشير إلى أن نصف عدد موظفيها البالغ نحو 10 آلاف، أصبحوا في عداد المستقيلين أو المقالين لأسباب أهمها الهجرة، والاستدعاء للخدمة العسكرية، وأسباب أخرى سياسية، وغالبيتهم من المدرسين، في حين ينتظر أكثر من 300 موظف الموافقات الأمنية على استقالاتهم".
ويقول المدرس زياد ع. لـ"العربي الجديد"، إنه قدم طلب استقالة في شهر مايو/ أيار الماضي، ووصله رفض بعد استدعائه إلى أحد الفروع الأمنية والتحقيق معه بطريقة مُهينة حول أسباب طلب الاستقالة، وأسباب التخلي عن خدمة الوطن، في إشارة إلى أن الاستقالة تعادل الخيانة.
وقالت المدرسة سعاد ص. إنها حصلت على إجازة صحية استطاعت خلالها مغادرة البلاد، ووكلت أحد أقاربها بمتابعة إجراءات الاستقالة، والتي لم تحصل عليها إلا بعد دفع رشوة لأحد العاملين في الجهات الأمنية، وأضافت متحدثة لـ"العربي الجديد"، أن "ثلاثة فروع أمنية اتصلوا بوالدي، وسألوه عن أسباب استقالتي، وجمعوا معلومات دقيقة عن مكان وجودي الحالي، وعن أقاربي، ونشاطي، وانتمائي السياسي".
ويؤكد مسؤول في مديرية التربية أن "نسبة المدرّسات تزيد عن 80 في المائة، ومعظم المدارس يديرها كادر نسائي، في حين تخلو العديد من المدارس الابتدائية من أي مدرس، أو موظف". وقبل نحو ست سنوات، فصلت مديرية تربية السويداء 85 مدرساً اختصاصياً بسبب مواقفهم السياسية، وأتبعتهم بعدد من حالات الفصل الفردية للأسباب نفسها، وبقرارات وزارية، ما دفع الكثير من كوادرها إلى طلب الاستقالة، أو الهجرة، أو التحول إلى العمل بالمدارس الخاصة والأعمال الحرة.

وتظهر مشكلة الفراغ الوظيفي أكثر وضوحاً في القطاع الصحي،  فعلى الرغم من العدد الكبير من خريجي كليات الطب ومعاهد التمريض سنوياً في المحافظة التي يهتم سكانها بالتعليم، إلا أن غالبيتهم يرفضون التعاقد مع مؤسسات الدولة، لتعاني المشافي والمراكز الطبية من نقص حاد نتيجة الهجرة وتفضيل العمل في المشافي والعيادات الخاصة، ووصلت نسبة العجز إلى نحو 70 في المائة في مديرية صحة السويداء.

نقص حاد في أعداد المدرسين المتخصصين (عامر المحباني/فرانس برس)
نقص حاد في عدد المدرسين المتخصصين (عامر المحباني/فرانس برس)

يقول الطبيب حسن ع. لـ"العربي الجديد"، إن "أكثر من 20 قسما في المشفى العام بمدينة السويداء تعمل بربع الكادر الطبي، وبتجهيزات وخدمات دون المستوى المقبول، بما فيها الأشعة بأنواعها، والتنظير، والجراحة، وتراجع عدد الموظفين خلال السنوات الأخيرة إلى أقل من 250 بعد أن كان العدد يزيد عن 900 موظف، ومعظمهم يسعى إلى عيش كريم عبر الهجرة".
وتعاني المشافي الرئيسية الثلاثة التابعة لمديرية صحة السويداء، وهي صلخد، وسالي، وشهبا، مما يشبه الشلل، فمشفى صلخد توقفت معظم أقسامه عن العمل، ولم تتبق إلا أقسام الإسعاف والعمليات والعظام والتوليد، أما مشفيا سالي وشهبا فلا تعمل بهما إلا أقسام الإسعاف.
ويقول موظف إداري في مديرية الصحة إن "القطاع الصحي العام يلفظ أنفاسه الأخيرة، فلدينا أكثر من 2000 طبيب ونحو 700 ممرض بين مستقيلين ومستنكفين عن العمل، وأكثر من 500 طلب استقالة، بالاضافة إلى طلبات الاستيداع، أو الإجازة من دون راتب".
في المقابل، لا يظهر الأثر السلبي لنقص عدد الموظفين في مؤسسات عامة مثل النقل، والمياه، والكهرباء، والمحروقات، والمصالح العقارية، والتي سلكت بعض إداراتها طريق التغاضي عن فساد الموظفين لتشجيعهم على عدم الاستقالة.
ولجأت دوائر أُخرى إلى تقسيم أيام الدوام بين الموظفين بشكل غير رسمي، ومنها البنوك، ومديريات الخدمات، والزراعة، والتجارة، والصناعة، ورغم هذا، يُلاحظ في جميع الدوائر غلبة العنصر النسائي، ما يؤكد ضخامة عدد الموظفين الذكور المستقيلين.

يقول موظف في مؤسسة المياه: "معظم موظفي المؤسسة لا يعتمدون على الراتب الشهري، وبعضهم يستفيد مادياً من بيع المياه، أو مازوت الآبار، أو خطوط المياه وغيرها". الأمر نفسه يتكرر في مؤسسة الهاتف، إذ يلجأ الموظفون لتركيب وإصلاح الخطوط وشبكات الإنترنت للاستفادة المادية، إذ تعاني المؤسسة من نقص في الكوادر يتجاوز الـ50 في المائة، ما يجعلها عاجزة عن تلبية الكثير من طلبات المواطنين، فالسويداء تضم 36 مقسما آليا تتبع لخمسة مراكز رئيسية، وغالبيتها تعاني من نقص حاد في الفنيين، والعديد منهم ينتظر الموافقة الأمنية للاستقالة".
وتعتبر وسائل إعلام محلية مقربة من النظام أن "إفراغ المؤسسات والدوائر الحكومية في السويداء من موظفيها أصحاب الخبرات بات واقعاً ملموساً، وحقيقة لا يمكن إنكارها"، وتنقل عن عدد من رؤساء الدوائر ومديري المؤسسات تأكيدهم وجود نقص في الكادر الوظيفي والإداري، وتؤكد أن الأسباب تعود بالدرجة الأولى إلى هجرة الخريجين الجدد، وإحجام الكثير منهم عن التقدم إلى الوظائف الحكومية بسبب الأجور المتدنية التي لا تتناسب مع الغلاء المعيشي، والذي يؤدي بدوره إلى الاستقالات الكبيرة في جميع المؤسسات والدوائر الخدمية، في حين يطالب رؤساء الدوائر بضرورة رفع سن التقاعد، وخاصة للعاملين بالوظائف الإدارية من أصحاب الخبرة.

المساهمون