يعاني الأطفال في السودان، أكثر من غيرهم، من الاشتباكات المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وانضم عدد منهم إلى مئات الضحايا، وبينهم مشردون في شوارع العاصمة الخرطوم الذين تشير تقارير إلى أنهم تعرضوا للمأساة الكبرى، في وقت لم يهتم أحد بهم وبمصيرهم تحت نيران المدافع وقصف الطائرات الحربية، ولم تستطع المنظمات المحلية والدولية الوصول إليهم لإنقاذهم، وتجنب إعلاميون التواصل معهم لرصد أحوالهم، علماً أنهم كانوا لا يملكون في الأصل سوى بقايا أقمشة وملابس تغطي أجسادهم العارية.
في منطقة الديوم الشرقية وسط الخرطوم استهدفت قذائف أطلقها أطراف القتال في حربهم العبثية منزلاً يستقبل فتيات بلا سند، وأصابت واحدة منهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما استدعى نقلها إلى مستشفى "بيست كير" قبل أن تفارق الحياة. كما سقطت قذائف قرب دار رعاية الطفل اليتيم المعروفة بـ "دار المايقوما"، ما حتم نقل مجموعة من 35 طفلاً إلى منطقة أكثر أماناً، وهو ما شمل عشرات آخرين من مقر رعاية آخر قرب المدينة الرياضية، وذلك في اليوم الأول لاندلاع المواجهات.
وواجهت "دار المايقوما" تحديداً أصعب الظروف في الأيام الأولى من المعارك، حين لم تستطع كوادرها الطبية التي تقدم الرعاية للأطفال داخل الدار الوصول إلى المقر، ولم تتوفر مؤن غذائية، ما أدى إلى وفاة 10 أطفال بعضهم من حديثي الولادة كانوا وضعوا في حضانات طبية.
تقول زينب أبو جودا، مديرة دار المايقوما"، لـ"العربي الجديد": "استقر الوضع نسبياً، وانخفض عدد الوفيات بشكل كبير بفضل جهود الإدارة ووزارة التنمية الاجتماعية ومنظمات طوعية قدمت مساعدات سريعة للدار، كما ساهم متطوعون من نساء وشبان في تخفيف وطأة الأوضاع، وجهّزت عائلات تسكن في منازل قريبة وجبات وجلبت بعض الحليب والحفاضات. وحالياً زاد عدد النساء اللواتي ينفذن مهمات لرعاية الأطفال. ويتواجد في الدار طبيب أخصائي ونائب أخصائي".
وأملت أبو جودا زيادة عدد الكوادر الطبية وكميات الأغذية والأدوية لدى الدار، تحسباً لحالات الطوارئ أو تدهور الأوضاع الأمنية مع استمرار المعارك.
إلى ذلك، توفي أطفال في مناطق أخرى، بينهم 3 كانوا يلهون في شارع بمنطقة شرق النيل، وفتاة من الجالية الإثيوبية في حي امتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم الذي قُصف مرات. كما أصيب في الحي ذاته طفل بشظية استقرت في ظهره، ولم تستطع أي مستشفى تنفيذ العملية الجراحية لاستخراج الشظية فنُقل الطفل إلى مدينة ود مدني وسط الخرطوم، وذلك باستخدام وسيلة نقل خاصة تبرّع شخص بأجرتها في ظل عدم امتلاك عائلة الطفل المبلغ المطلوب.
ويروي محي الدين جبريل الذي يسكن في حي امتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم لـ"العربي الجديد" أن "أية عربة لتوزيع الحليب الطبيعي لم تصل إلى الحي طوال 10 أيام، ما أثرّ على صحة الأطفال، وبينهم رضيعة عمرها 3 أشهر أعطتها عائلتها لبناً مصنّعاً فأصيبت بإسهال لم يتوقف، ثم نُقلت إلى مصر". ويشير أيضاً إلى أن حالة الأطفال سيئة بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وهم يشعرون برعب كبير لدى سماعهم دوي المدافع.
وفي مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور (غرب)، قتل 13 طفلاً وجرح 39 آخرون على الأقل خلال المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأفادت وزارة الصحة في الولاية بأن غالبية الضحايا الأطفال سقطوا بإطلاق نار عشوائي وإطلاق قذائف على المدنيين. وناشدت المجتمع ومنظماته التطوعية مساعدة الأطفال المشردين في المناطق العامة.
ويخبر عماد بدوي، مدير عام وزارة الصحة بالولاية، "العربي الجديد" أن "المستشفى الوحيد المتخصص في علاج الأطفال تعرض للنهب، قبل أن تسترد بعض أجهزته لاحقاً، لكنه ما زال مغلقاً، في حين توزع أطباؤه على المستشفيات العامة، علماً أن كل مستشفيات مدينة الفاشر تتعرض لضغوط شديدة لمساعدة الجرحى، وتبذل كل ما في وسعها لتوفير الأدوية رغم الظروف الصعبة الحالية".
وحث بدوي كل الأسر على مراعاة الأوضاع الدقيقة للأطفال، وتجنيبهم تناول أغذية ملوّثة لتفادي الإسهال الذي سيتسبب انتشاره حالياً بنتائج وخيمة.
من جهتها، تقول مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل الحكومية، سليمي اسحق، لـ"العربي الجديد": "من الضروري وقف الحرب نهائياً من أجل خدمة مصلحة الجميع بينهم الأطفال، والمنتصر الحقيقي في الحرب هو من يوقفها". وتؤكد أن الوحدة الحكومية عاجزة تماماً عن فعل أي شيء لحماية الأطفال، لأن مكاتبها معلقة، ولا يستطيع موظفوها الوصول إلى مقر عملهم، كما أن الاتصالات الهاتفية سيئة غالباً، و"أنا لم أستطع إلا نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لشرح الطرق المثالية لرعاية الأطفال أثناء الحرب، والمخاطر التي قد تصيبهم".