غادرت زينب الخرطوم هرباً من المعارك، لكن حياتها انقلبت رأساً على عقب قبل بلوغ برّ الأمان: عند نقطة تفتيش، أوقف مسلحون الحافلة التي تقلّها، أنزلوها مع ثلاث نساء أخريات، واغتصبوهنّ تحت تهديد السلاح.
في منتصف مايو/ أيار، كانت زينب برفقة شقيقتها الصغرى وسيدتين تحمل إحداهما طفلة في حافلة صغيرة تقلّ ركاباً هاربين من المعارك التي اندلعت قبل ذلك بشهر بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
عند حاجز لقوات الدعم، فصل العناصر النساء عن الرجال على متن الحافلة، ونقلت الإناث إلى مخزن مجاور، وفق زينب، التي طلبت استخدام اسم مستعار في حديثها إلى وكالة "فرانس برس" في بلد آخر لجأت إليه.
وطلب شخص ترجّح زينب أنه "قائد" نقطة التفتيش منها التمدّد أرضاً، لكنها مانعت وصرخت وبصقت في وجهه، لتتلقّى ضربة ببندقية طرحتها أرضاً.
وتضيف الشابة العشرينية بتأثر بالغ: "أحاط بي اثنان. أحدهما أمسكني، والثاني اغتصبني". بعدها، تبادلا الأدوار، وتكرّر الفِعل.
بعد التوسّل، سمح المسلحون للنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب كلهن بالعودة إلى الحافلة والمغادرة مع الركاب الآخرين.
منذ بدء النزاع الذي أودى بزهاء 1800 شخص، وتسبّب بنزوح أكثر من مليون ونصف مليون آخرين، وردت تقارير عدة عن اعتداءات جنسية، لا سيما في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب)، المنطقتين اللتين تشهدان أعنف المعارك.
وتؤكد ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في السودان أدجاراتو ندياي أن المنظمة الدولية تلقّت تقارير عن عمليات "اغتصاب جماعي" في دارفور.
"رأس جبل الجليد"
وفي حين يؤكد ناشطون أن حالات عنف جنسي كثيرة تحصل دون الإبلاغ عنها، قالت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل الحكومية إنها وثّقت 49 حالة خلال أول أسبوعين من القتال، 24 منها في الخرطوم، و25 في دارفور. وكان الجناة في 43 منها يرتدون "زي قوات الدعم"، وفق الهيئة.
وتؤكد مديرة الهيئة سليمى إسحق الخليفة تلقّي تقارير جديدة عن حالات اغتصاب "صباحاً ومساء".
ويسعى ناشطون للمساعدة قدر الإمكان في توثيق حالات العنف الجنسي، رغم صعوبة الوضع.
وتقول باحثة في "مجموعة السودانيات لحقوق المرأة" (SUWRA) الساعية إلى تمكين السودانيات إن الأرقام الموثقة للاعتداءات الجنسية "ينطبق عليها ما يحصل بالنسبة للقتلى وللجرحى، أي أنها رأس جبل الجليد فقط".
وتوضح الباحثة، التي تحدثت لـ"فرانس برس" من خارج السودان، أن الاعتداءات التي تبلغ مرحلة التوثيق تكاد لا "تتجاوز اثنين أو ثلاثة بالمائة" من إجمالي العدد الحقيقي.
طريق... فندق... شارع
وتكثر الشهادات عن الخطر الذي بات يحدق بالنساء في السودان، وليس بسبب المعارك وأعمال النهب والسرقة فقط.
في أواخر إبريل/ نيسان، أوقف مسلّحون 12 امرأة في إقليم دارفور، وأمروهنّ بمساعدتهم في نهب مخزن. في داخل المخزن، أوصِدت الأبواب خلفهنّ، وتعرّضن للاغتصاب.
وتقول آمنة الناشطة في دارفور: "تمّ اغتصابهن كلهن معاً في الوقت نفسه".
ووثّقت آمنة (اسم مستعار) وزملاؤها حالات أصغرها لفتاة في الرابعة عشرة، وتشير إلى نقل نساء إلى فندق تسيطر عليه "قوات الدعم السريع" أمضين فيه يومين أو ثلاثة "وتمّ اغتصابهنّ هناك".
وأعدّت "لجان المقاومة"، وهي مجموعات شعبية كانت تنظّم الاحتجاجات للمطالبة بحكم مدني بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح نظام عمر البشير عام 2019، تقارير عن العنف الجنسي.
وأفادت لجان ضاحية بحري شمال الخرطوم، منتصف مايو/ أيار، عن تعرّض فتاة في الخامسة عشرة للاغتصاب في "الشارع العام" من عناصر في قوات الدعم. كذلك أفادت ناجيات وشهود عن عمليات اغتصاب داخل منازل ومبانٍ سكنية.
في شرق العاصمة، نقلت "مجموعة السودانيات لحقوق المرأة" عن ناجية قولها إن عناصر من "قوات الدعم" اغتصبوها وثلاث نساء أخريات من جاراتها في المبنى.
وتضيف الشابة الثلاثينية أنها تعرضت "لاغتصاب بشكل عنيف" بينما كانت بمفردها مع أطفالها الثلاثة.
ولا تقتصر الاتهامات على "قوات الدعم"، بل تطاول أفراداً في الجيش أيضاً.
في أواخر مايو/ أيار، اقتحم ثلاثة جنود منزلاً في شمال الخرطوم لأسرة تتألف من أم وابنتها وابنها، وفق عضو في "لجان المقاومة" حقّق في الحادثة. ويقول الناشط: "تمّ اغتصاب الأم والبنت، وتعرّض الابن للضرب"، متابعاً أن الجيران سمعوا "الصراخ (...) لساعات".
وتؤكد الخليفة تلقي الوحدة التي تديرها تقارير عن عنف جنسي ارتكبه "أشخاص يرتدون زيّ القوات المسلحة"، من دون أن يتمّ توثيقها "حتى الآن".
لا أمان "حتى في بيتها"
وتقرّ المسؤولة السودانية بأنه "لا توجد امرأة في الخرطوم الآن آمنة على نفسها، حتى لو في بيتها".
وطاولت الاعتداءات الأخيرة "كل الفئات من الشعب السوداني"، وفق محامية منضوية ضمن مجموعة تعمل منذ أعوام على توثيق العنف الجنسي. "هناك اغتصابات لأسر في منازلها، واغتصابات لبنات في الشارع..." من أعمار مختلفة.
وبحسب الناشطين، فالناجيات اللواتي يكشفن تعرّضهن للاعتداء هنّ إجمالاً من عانَين قدراً من العنف لم يترك لهنّ خياراً سوى طلب العناية الطبية.
وباتت ثلاثة أرباع المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات خارج الخدمة، وفق لجنة الأطباء التي نشرت لائحة بالمنشآت التي توفر العلاج الوقائي بعد التعرّض لاحتمال التقاط فيروس الإيدز.
لكن هذا العلاج، حاله كحال حبوب منع الحمل الطارئة، متوافر بكميات قليلة.
وبحسب عضو في لجنة الصيادلة، أُعطيت النساء اللواتي تعرّضن للاغتصاب جرعات مكثّفة من حبوب منع الحمل التقليدية لتعويض نقص تلك الطارئة. لكن مخزون الحبوب التقليدية يشارف أيضاً على النفاد، ما يجعل الوضع "كارثياً"، وفق أحد الصيادلة.
"لا شيء سيعود"
وللسودان تجربة مريرة مع العنف الجنسي خلال الحرب. فأثناء النزاع في دارفور اعتباراً من عام 2003 استعان الرئيس السابق البشير لمساندة قواته بمليشيات "الجنجويد" التي عرف عنها "ارتكابها أعمال العنف الجنسي"، وفق المحامية جيهان هنري المعنية بقضايا حقوقية.
وشكّلت هذه المليشيات نواة "قوات الدعم السريع" التي أنشئت رسمياً في 2013.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق البشير لاتهامه بارتكاب إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتؤكد هنري أن الجيش وقوات الدعم "ارتكبوا أعمال عنف جنسي" سابقاً.
ويتبادل الطرفان منذ بدء النزاع الحالي الاتهام بارتكاب انتهاكات جنسية. وعلى الرغم من تعهدهما بحماية المدنيين، تبقى هذه الوعود حبراً على ورق.
وتحذّر آمنة من أن الناشطين الذين يعملون على توثيق الاعتداءات الجنسية باتوا يتعرّضون لضغوط من المسلّحين، وتشير إلى توقيف ناشطين واستجوابهم بشأن ما يقومون به، محذّرة من "خطر على المدافعين عن حقوق الإنسان".
بالنسبة للناشطين والحقوقيين كل تفصيل يتمّ توثيقه الآن سيساهم في محاسبة الضالعين في الانتهاكات متى وضعت الحرب أوزارها.
وفي حين تؤكد المحامية جيهان هنري أهمية "عدم الإفلات من العقاب"، ترى زينب الأمور من منظار مختلف.
وتقول لـ"فرانس برس" إنها اختارت أن تروي قصتها "لأحاول أن أحمي آخرين". وتضيف أنها حين اشتكت للشرطة بعيد وصولها الى مدينة مدني (200 كلم جنوب الخرطوم) "كنت أعرف أن شيئاً لن يحصل، ولا شيء سيرجع كما كان".
(فرانس برس)