ليبيون يواجهون خطر المدافئ

16 ديسمبر 2020
انتشرت المولدات الكهربائية الصغيرة (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

انقطاع الكهرباء في ليبيا لا يحرم المواطنين فقط من الإضاءة بل من شحن وتشغيل الأجهزة المختلفة، وأبرزها المدافئ الكهربائية، ما يجبرهم على استخدام مدافئ وقود خطرة لم يعتادوا عليها

تستمر مضاعفات الحرب في تهديد حياة الليبيين بالرغم من مرور خمسة أشهر على توقف القتال، ومن بينها اضطرار أغلب الأسر للجوء إلى وسائل التدفئة التقليدية بسبب استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي طوال ساعات يومياً. ومع دخول الأسابيع الأولى للشتاء، يلجأ أغلب الليبيين إلى تدفئة منازلهم بإشعال الفحم أو استخدام المدافئ المشغلة بالوقود، وفي ظل الوفيات التي تسجل سنوياً بسبب حالات الاختناق، حذرت هيئة السلامة الوطنية من الكوارث التي يمكن أن تحدث نتيجة "استخدام وسائل وأجهزة التدفئة خلال فصل الشتاء" وشددت على ضرورة تنبه الأسر لتحذيراتها. 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ودعت الهيئة، في منشور وزعته على وسائل الإعلام بشكل واسع الأسبوع الماضي، الأسر إلى ضرورة ترك مجالات للتهوية لمنع حالات الاختناق، بالإضافة لضرورة وضع المواقد بعيداً عن الأثاث لتلافي حدوث حرائق قد تحاصر أفراد الأسرة داخل المنزل. وجاء التحذير بعد وفاة أسرة بريون المكونة من تسعة أفراد، في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في طرابلس، بسبب الاختناق لاستنشاقهم غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من المولد الكهربائي الموجود بالمنزل، بحسب تقرير الطبيب الشرعي الذي أعلنت عنه مديرية أمن طرابلس. وبحسب مواطنين تابعوا الحادث المروع، على منصات التواصل الاجتماعي، فإنّ الأسرة فضلت الرجوع لمنزلها، في حي عين زارة، جنوبي طرابلس، المتضرر بسبب قذائف الحرب التي شهدتها العاصمة طوال أكثر من عام، بعدما نزحت منه. وبسبب عدم انتهاء شركة الكهرباء من صيانة خطوط توصيل التيار الكهربائي للحيّ المتضرر من الحرب، اضطرت الأسرة لإنارة منزلها بواسطة مولد كهربائي حاصرت أدخنته كامل أفراد الأسرة أثناء نومهم ما أدى إلى وفاتهم.
وبالرغم من الحادث الذي شغل وسائل الإعلام الليبية لعدة أيام، ووظفته أطراف الصراع لتبادل الاتهامات بالتقصير في تقديم الخدمة للمواطن وأخرى بتدمير البنى التحتية، إلا أنّ صلاح الرحال، وهو من سكان طرابلس، يؤكد أنّه لم يعد يثق في وعود السلطات بشأن استعدادها لتوفير الكهرباء لهذا العام. ولذلك، استعد الرحال بكمية وفيرة من الوقود مخافة أن تشهد محطات الوقود أزمات وتواجه أسرته برد الشتاء. يقول: "مدفأة الكيروسين هي أشهر المدافئ التي تستخدمها الأسر الليبية في المدن، فالفحم والحطب غير متوفرين عادة". يؤكد الرحال، في حديثه إلى "العربي الجديد" على تحوّطه الكامل إلى جانب ترك مجال للتهوية أثناء استخدام مدفأته، معبراً عن تخوفه من مخاطرها.
وليست حادثة أسرة بريون هي الأولى في ليبيا، ففي يوليو/ تموز 2018، توفيت أسرة بيّوض المكونة من خمسة أفراد بكاملها بسبب غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من مولد كهربائي بمنزل الأسرة. وفي شتاء 2016 لقيت أسرة المواطن سمير ساسي، بمدينة درنة شرقي البلاد، حتفها للسبب نفسه. كذلك، قتلت أسرة مكونة من سبعة أفراد في مدينة البيضاء، شرقي البلاد، في يناير/ كانون الثاني 2015، قبل أن يعلن مستشفى المدينة عن وفاة طفلين آخرين من أسرتين مختلفتين بالمدينة في التوقيت نفسه وبالسبب نفسه.
ويلفت الرحال إلى أنّ بعض الأسر تلجأ إلى مدافئ أكثر أماناً كالمدافئ المشتغلة بالزيت أو الغاز. لكنّ عبد الرؤوف الخيتوني، المسؤول بهيئة السلامة الوطنية، مع موافقته على أنّ المدافئ المشتغلة بالزيت هي الأكثر أماناً، لكنّه يشير إلى اضطرار الأسر إلى استخدامها في تسخين الأطعمة بسبب غياب الكهرباء أو غاز الطهي عن المنزل وعادة ما تحدث حريقاً مفاجئاً. والأخطر، بحسب ما يقول الخيتوني لـ"العربي الجديد" أنّ مدافئ الغاز تسمح بتسرب الغاز تدريجياً ما يتسبب في الوفاة بسبب الاختناق، لافتاً إلى أنّ الأرقام المتداولة بشأن ضحايا المدافئ يعتمَد فيها على ما تغطيه وسائل الإعلام، فيما العدد أكثر من المعلن.
ومن المفارقات التي يرويها الدكتور الفيتوري برشان، الطبيب بمستشفى غريان العام، أنّ رب أسرة حالفه الحظ بالنجاة وكامل أفراد أسرته من الموت بالصدفة، بسبب استخدامه مدفأة الغاز، بعدما تمكن من نقلهم إلى الطوارئ حيث تلقوا رعاية طبية في ظلّ تعرض المدينة لحصار مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهي تحاول استعادة سيطرتها على المدينة، الشتاء الماضي. ينقل برشان عن المواطن قوله إنّ صوت قذيفة مرتفعاً جداً أيقظه من النوم، فلاحظ أنّه يعاني من صعوبة في التنفس، فسارع إلى فتح نوافذ وباب بيته والاستعانة بالجيران لإخراج أسرته وإسعافها. يضيف الطبيب متحدثاً إلى "العربي الجديد" أنّ "ربّ الأسرة كان لتوه قد اشترى تلك المدفأة وبعدما أمضى وأسرته السهرة من دون ملاحظة تسرب الغاز، نامت الأسرة لكنّ حظه العجيب أن يكون سبب نجاته من الموت اختناقاً، صوت قذيفة سقطت هي الأخرى قرب بيته".

قضايا وناس
التحديثات الحية

بالعودة إلى الرحال، فإنّه يطالب بضرورة محاسبة المقصرين من المسؤولين في شركة الكهرباء بدلاً من نشر التحذيرات من استخدام المدافئ. ويؤكد الرحال أنّ توفر الكهرباء وعودتها إلى طبيعتها سيجنبه استخدام مدفأة الكيروسين، مشيراً إلى أنّ تفضيله هذا النوع من المدافئ يوفر له خدمات أخرى يغيّبها انقطاع الكهرباء، كاستخدامها في تسخين المياه للاستخدام المنزلي اليومي.

المساهمون