يشكو العديد من الليبيّين مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على عائلاتهم، إذ باتت تخلق تباعداً بين أفراد الأسرة الواحدة. ويقول المختار شوماك، وهو مواطن من طرابلس، إنّ إجراءات حظر التجول التي فرضتها جائحة كورونا في البلاد كانت فرصة له لقضاء وقت أطول مع أسرته. في الوقت نفسه، يقول إنه وأفراد أسرته أصبحوا يقضون ساعات طويلة للتحدّث مع أصدقائهم ومطالعة الأخبار والمشاركة في الألعاب الإلكترونية أكثر من قبل.
ورغم بقائهم أمام الشاشات ساعات طويلة، إلا أن تواصلهم قلّ بشكل كبير، بحسب شوماك. يضيف: "ننعم ببعض الوقت في حال انقطعت الكهرباء وضعفت شبكة الإنترنت، قائلاً لـ "العربي الجديد" إن "تأثير الأجهزة الإلكترونية كبير على أسرتي. أحدهم يقضي ساعات طويلة ويتحدث إلى صديقه بعدما كانا يلتقيان وجهاً لوجه".
من جهته، يُثني مخروم الزروق، وهو أستاذ علم اجتماع السكان، على دور شبكات التواصل الاجتماعي في تقريب المسافات وخلق صداقات جديدة وفتح آفاق للمعرفة. لكنه في الوقت نفسه، يخشى على أولاده بسبب جنوحهم للانعزال؛ فالمبالغة في استخدامها جعل العلاقات الاجتماعية أقل تماسكاً".
ويوضح الزروق، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أنّ "الليبي في ظروف الحرب والتهجير ومخاوف الإصابة من كورونا بات يفضل التعزية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى مشاركة الناس أفراحها". ويشير إلى رصد شكاوى أولياء الأمور من انعدام التواصل مع محيطهم العائلي.
الزروق الذي شارك في إعداد دراسة حول تأثير شبكات الإنترنت على العلاقات الأسرية، يؤكّد أن البلاد خالية من أي جهة رسمية يمكنها متابعة القضية ودراستها لوضع حلول لها، مشيراً إلى أنها أزمة عالمية لا تخص بلاده فقط. في الوقت نفسه، يرى أن النزوح والحرب دفعا الكثير من الفئات إلى قضاء ساعات طويلة على شبكات التواصل الاجتماعي لمتابعة الأخبار والمستجدات في البلاد. وفي ظل هذه الظروف، بات ملجأ الكثير من الناشطين الحقوقيين هو وسائل التواصل الاجتماعي.
الإنترنت وشبكات التواصل أحدثتا تغيراً كبيراً في منظومة القيم الاجتماعية
وتعترف جميلة لطفي، وهي طالبة جامعيّة من مدينة الزاوية، بأنّها مدمنة على الإنترنت، حتى أنها ابتعدت عن أمها وأشقائها. في الوقت نفسه، تقول إنّ تخصصها الجامعي يفرض عليها متابعة المقررات عبر الإنترنت، لافتة إلى أنها تجد كتباً رخيصة وأحياناً مجانية، عدا عن اضطرارها إلى التواصل مع زميلاتها في الدراسة.
لكنها مع الوقت، وجدت نفسها صديقة لمواقع التواصل الاجتماعي، وباتت تقضي ساعات طويلة في اكتشافها. تدرس جميلة علم النفس الاجتماعي في الجامعة، وتقول إن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تحديداً أحدثتا تغيراً كبيراً في منظومة القيم الاجتماعية.
ويعلّق الزروق قائلاً: "الانفراد في غرفة ساعات طويلة، والاندماج في عالم افتراضي مع الوقت، سيخلق ميلاً إلى الوحدة والانعزال، ما يعدّ من المخاطر الكبيرة التي تواجه الشباب في سن المراهقة، خصوصاً وأنهم الشريحة الأكثر استخداماً للإنترنت".
أمّا أم سمية، التي تعيش في طرابلس، فتشكو تأثير الألعاب الإلكترونية على طفليها، وسيم (10 سنوات) وسمية (12 عاماً). وتُلاحظ أن تصرّفاتهما باتت غريبة على الألعاب الإلكترونية على الإنترنت. في أحيان كثيرة، كانت تقصد مدرستهما للسؤال عن أدائهما وسلوكهما. تقول: "العالم الخيالي الذي يعيشه الطفلان لساعات طويلة أثر على سلوكهما. ورغم محاولاتي تقليل ساعات لعبهم ومحاولة إدماجهم في أجواء الأسرة، لم أنجح".
وفي عطلة الصيف، تضطرّ أم سمية إلى وضع طفليها لدى منزل جدتهما، ما يزيد من عملها ويسمح لهما باستخدام الألعاب الإلكترونية لساعات طويلة، وهي من أعراض أمراض العالم الافتراضي، كما يصفها الزروق، ويشدد على ضرورة أن تلتفت السلطات إلى أهمية القضية بإنشاء مؤسسات قادرة ومدعومة لترشيد استخدام الإنترنت وتنفيذ حملات توعية.
ولا توجد في ليبيا إحصائيات رسمية لنسب مستخدمي الإنترنت. إلا أن دراسة كشفت عنها شبكة "بارومتر" العربي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينت أن ليبيا تتصدر قائمة مستخدمي الإنترنت في بلدان المغرب العربي، موضحة أن 74 في المائة من الليبيين يستخدمونه، هم 76 في المائة من الإناث و71 في المائة من الذكور، 88 في المائة من مستخدميه من شريحة الشباب ما بين 18 إلى 29 عاماً.
والنسبة مرتفعة جداً في ظل عدم الترشيد في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بصفة عامة، بحسب الزروق، لافتاً إلى أن الدراسة لم تبين حجم الساعات التي يقضيها الليبي لتصفح المواقع الإلكترونية والصفحات، مؤكداً أن دراساته تشير إلى أنها لا تقل عن سبع ساعات يومياً في المتوسط.