ليبيا: حكومة الوحدة تفتح ملفات جرائم سابقة

19 ابريل 2021
بحث عن مفقودين في مقابر جماعية (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

 

في ليبيا، كما في البلدان التي تخرج من حروب واقتتالات داخلية، تأتي المصالحة الوطنية ضرورية للمضيّ قدماً. والمصالحة تقتضي إقفال ملفات شائكة من خلال كشفها وليس التستر عليها. فهل بدأت فعلاً مرحلة المصالحة في البلاد؟

بدأت السلطات الأمنية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بمتابعة قضايا جنائية سابقة، تزامناً مع إطلاق مسار المصالحة الوطنية بهدف "طيّ صفحة الماضي". وقد أعلن المجلس الرئاسي الجديد أخيراً عن تأسيس المفوضية الوطنية العليا للمصالحة في ليبيا، وسط ترحيب محلي واسع النطاق. وعلى الرغم من أهمية مسار المصالحة كواحد من أبرز استحقاقات الفترة، فإنّ نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، أكد أنّ المصالحة "لا تعني ترك ملف المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية"، مشدداً على ضرورة إحالة كلّ المتورطين إلى القضاء. وقد سبق ذلك إعلان وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، حليمة عبد الرحمن، عن بدء تشكيل لجنة بمشاركة دولية تهدف إلى "حث الجهات غير الخاضعة للدولة الليبية على الإفراج عن المعتقلين في سجونها"، مطالبة كل الجهات غير المعترف فيها من قبل الدولة بـ"الإفراج السريع وغير المشروط عن المواطنين الليبيين المسجونين بغير وجه حق ومن دون أيّ تهم أو أوامر قبض في حقهم".

منذ ذلك الحين، شهدت البلاد جملة من التغييرات والإجراءات السريعة في الملفات المتعلقة بالجانبَين الجنائي والحقوقي، خصوصاً بعد العثور على 10 جثث ملقاة في الهواري، إحدى ضواحي مدينة بنغازي، شرقي ليبيا، في وقت طالب فيه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة مكتب النائب العام بفتح تحقيق في ذلك، مؤكداً أنّه "لا يمكن لمثل هذه الأحداث أن تتكرر مرة أخرى، والتسامح معها أو التغطية عليها تحت أيّ ذريعة لن يكونا مقبولَين". وفي هذا الإطار يقول الناشط المدني من بنغازي جمال دعيب، لـ"العربي الجديد"، إنّ ذلك "يعكس طريقة تعامل الحكومة الجديدة مع الملفات الجنائية عبر نقلها إلى الجهات العدلية تلافياً لجرّها إلى تعقيدات تلك الملفات من جهة، فيما يعكس من جهة أخرى إصراراً لدى الحكومة على فتح ملفات الانتهاكات". يُذكر أنّ اللافت في الإجراءات الجديدة هو بدء السلطات الأمنية في ملاحقة قضايا جنائية سابقة. فمنذ تولي وزارة الداخلية الجديدة مهامها، في مارس/ آذار الماضي، أعلنت عن اعتقال تسعة متهمين في جرائم جنائية سابقة يعود عدد منها إلى عام 2012.

ويشير دعيب إلى أنّ "عمليات الاعتقال لم تقتصر، في ما يبدو، على العاصمة طرابلس، حيث مقرّ الحكومة، بل توسّعت لتطاول مناطق بعيدة مثل ما حدث في مدينة إجدابيا، شرقي البلاد. فقد أُعلن فيها عن القبض على تشكيل عصابي متورّط في تجارة المخدرات منذ أعوام، وفق منشور لوزارة الداخلية. وفي جنوب البلاد، أعلنت السلطات الأمنية عن تسيير دوريات سيّارة لتأمين الطرقات بين المدن والمناطق، بالإضافة إلى إعادة تنشيط مراكز الشرطة في معظم المناطق، تزامناً مع إعلان لمديرية أمن بنغازي عن تفعيل دوريات أمنية جديدة في داخل أحياء المدينة". يضيف دعيب أنّ "نشاط المجاميع المسلحة تراجع بشكل كبير في عدد من المناطق، وسط مخاوف قادتها من أن تطاولهم حملات فتح الملفات الجنائية، التي أكدت وزارة العدل بدءها التحقيق فيها، خصوصاً ما يتعلق بالإخفاء القسري والسجون السرية".

وفي سياق متصل، أُخذ قرار لافت يؤكد إصرار السلطات الجديدة في ليبيا على فتح الملفات الجنائية. فقد قرر الدبيبة تشكيل لجنة لمعالجة ملفات ومطالب أهالي مدينة ترهونة (جنوب شرق العاصمة طرابلس) المتعلقة بالمقابر الجماعية والمفقودين، بعد زيارة ترهونة. وبحسب القرار الحكومي، فإنّ اللجنة تشكلت برئاسة وزيرَي الداخلية والعدل في الحكومة، ما يعني بحسب دعيب "اهتماماً حكومياً كبيراً بالملف". ويؤكد أنّ "فتح الحكومة ملفات شائكة كملف المقابر الجماعية يعني الانطلاق من أعلى هرم القضايا الجنائية في اتجاه الأسفل". يضيف دعيب أنّ "المقابر الجماعية والسجون السرية التي تتّجه الحكومة إلى فتح ملفاتها هي من أصعب القضايا في البلاد، كونها ترتبط بسنين طويلة من الانتهاكات والفوضى، كذلك ترتبط بشخصيات بارزة في المشهد الحالي".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية الليبية بدرية الحاسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ذهاب السلطات إلى فتح مثل تلك الملفات يحتّم عليها فتح ملفات أخرى شائكة كذلك، من قبيل ملفات المجازر في شارع الزيت في بنغازي، حيث اعتاد الناس العثور على العشرات من القتلى بالجملة، ومجزرة براك الشاطئ التي راح ضحيتها قبل سنوات أكثر من أربعين مدنياً". وترى الحاسي أنّ "الجهود الرسمية غير كافية لبدء مصالحة مجتمعية يمكن أن تجسر الهوة في النسيج الاجتماعي التي خلفتها سنوات من الانفلات الأمني"، وتطالب بـ"تكثيف الجهود الأهلية كذلك من خلال العمل المدني المنظم". وتتابع الحاسي أنّ "السلطات، في ما يبدو، تحظى بضوء أخضر من قبل داعميها الدوليين، لذا فإنّ وزارة العدل أشارت إلى تعاون دولي مع لجنتها"، لافتة إلى أنّ "قرار إنشاء المفوضية الوطنية العليا للمصالحة منقوص، إذ لم يُعلَن حتى الآن من هم أعضاؤها". وتذكر الحاسي أنّ "الجهود السابقة للمنظمات الدولية، ومن بينها محكمة العدل الدولية، لم تتمكن من حلحلة الملفات الجنائية طيلة سنوات". وتكمل الحاسي أنّ القرارات والخطوات المتداولة بشأن نشاط السلطات في هذه الملفات "ما زالت أولية. فثمّة أمور كثيرة تنتظر أيّ سلطة تريد إثبات نفسها، أوّلها تفعيل المؤسسات القضائية للمحاسبة".

المساهمون