تصنف ليبيا في خانة الدول غير المستقرة أمنياً منذ عام 2011، لكن يبدو جلياً تحسن الأوضاع الأمنية في مدنها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وكانت العاصمة طرابلس التي تضم مليوني شخص قد عانت طوال سنوات من فتك عصابات نفذت عمليات خطف وابتزاز وسرقات، ما دفع الناس إلى التزام منازلهم ليلاً، أما اليوم فلا تخلو الشوارع والطرقات من الناس والسيارات في أي وقت.
ويعزو الناشط الحقوقي أحمد الناجح تحسن الأوضاع الأمنية إلى "فعّالية تدابير التحقيقات الجنائية وإجراءات الاعتقال التي تنفذها الأجهزة الأمنية، والتي تكثفت وتوسّعت إلى الجرائم القديمة المسجلة ضد مجهولين في أرجاء البلاد، أكانت تخضع لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية أو الحكومة المؤقتة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي". ويرى الناجح أن "استخدام السلطات القوة الأمنية والقضائية يساعد في فرض هيبة الدولة".
وأخيراً، أعلنت مديرية أمن مدينة بنغازي تفكيك عصابة خطرة متمرسة في ارتكاب جرائم متنوعة. وأوضح رئيس قسم البحث الجنائي في المديرية، خالد الرابحي، على صفحة المديرية بـ"فيسبوك"، أن "كل أفراد العصابة أودعوا السجن، وأن التحقيقات كشفت ارتكاب أفرادها جرائم عدة منذ عام 2019 بينها قتل سودانيين اثنين وباكستاني، وعمليات خطف وسطو مسلح".
وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت مديرية بنغازي أيضاً اعتقال أفراد في عصابة تضم 3 أشخاص نفذت أكثر من 30 عملية سرقة.
وأوضح رئيس وحدة التحقيق في قسم التحريات بمديرية أمن بنغازي، عبد السلام نبوس، أن "العصابة استهلت نشاطها قبل 6 سنوات، واعترف أفرادها الثلاثة بسرقة أغنام وورش بالمنطقة الصناعية وأسلاك نحاسية وبطاريات شاحنات كبيرة، وأيضاً بسلب عمال وافدين أحدهم سوداني بعدما أطلقوا النار عليه وأصابوه في رجله".
وفي طرابلس، تحركت وزارتا الداخلية والدفاع ضد تشكيلات عدة غير قانونية، وشهدت العمليات الأمنية استخدام مسيّرات لقصف أوكار عصابات متخصصة في تهريب مهاجرين ووقود مدعوم في مدن الزاوية وصرمان وصبراتة والعجيلات وزوارة غربي طرابلس، في إطار عمليات لاقت تأييداً شعبياً. وأسفر ذلك عن اعتقال عشرات المطلوبين في قضايا قتل وخطف وسواها.
كذلك اعتقل قسم البحث الجنائي ومراكز الشرطة ووحدة المهمات الخاصة في مديرية أمن الجفارة جنوب غربي طرابلس 31 مطلوباً بقضايا مختلفة تشمل الخطف والسرقة. وجاء ذلك بعد اعتقال 36 مطلوباً آخرين في قضايا جنائية.
وأغلق مكتب البحث الجنائي بطرابلس قضية قتل أجنبي كانت مسجلة ضد مجهول منذ عام 2014 بعدما اعتقلت منفذ الجريمة وأحالته إلى النيابة العامة، كما أوقف شخص قتل والدته في طرابلس بعدما زعم أنها سقطت قبل أن تثبت الشرطة أنه قتلها عمداً.
وفي منطقة سوق الجمعة بطرابلس، اعتُقل مطلوب في جريمة قتل حصلت قبل 7 سنوات، ومتهم آخر بجريمة قتل ارتكبت قبل 4 سنوات.
وإلى القتل والخطف والسطو، تشكل تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية تحدياً كبيراً لأجهزة الأمن، لذا كثّف جهاز مكافحة المخدرات نشاطه للقبض على تجار ومروجين محليين وأجانب، كما تستهدف عمليات أخرى مهربي الآثار ومتورطين بأنشطة تعدين عملات رقمية، وجرائم ابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي تشمل خصوصاً الفتيات بعد الحصول على صور فاضحة لهن. وقبض أخيراً على شخص اعترف بارتكاب أكثر من 40 عملية ابتزاز، بحسب ما أفادت مديرية أمن طرابلس.
ويُشيد الناجح بعمليات القبض والسجن وإجراءات التحقيق والمحاكمات، لكنه يحث الحكومة والجهات المعنية على "ضرورة استكمال الدائرة العدلية عبر الشروع في تنفيذ الأحكام الصادرة حتى التي تشمل الإعدام". ويؤكد أن "استكمال الإجراءات سيكفل تعزيز مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويخلق الرادع الحقيقي، وصولاً إلى الدفع باتجاه سياسة جبر الضرر الضرورية لتحقيق مصالحة وطنية شاملة في ليبيا".
ويستغرب الناجح عدم تنفيذ الأحكام الصادرة في حق منتسبين إلى تنظيم "داعش" ومتورطين بعمليات إرهابية أودت بحياة آمنين.
من جهتها، ترى الخبيرة القانونية نبيلة شكر ضرورة توفير بيئة تساعد في التصدي للجرائم ذات الدوافع السياسية التي تعتبرها أكثر خطراً وأكثر قدرة على الإفلات بسبب الدعم الذي يلقاه منفذوها من السياسيين الذين يدعمونهم.
وتورد شكر، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أمثلة عدة لارتكاب جرائم سياسية شملت قتل وتعذيب مؤيدين لنظام العقيد الراحل معمر القذافي إثر القضاء على نظامه السياسي، وتنفيذ تصفيات سياسية في بنغازي آخرها لمجموعة من أهالي وزير الدفاع السابق في حكومة الوحدة الوطنية، المهدي البرغثي، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كما تتحدث عن إخفاء شخصيات سياسية مثل النائبة سهام سرقيوة قبل أعوام، وإلقاء جثث في شارع الزيت ببنغازي، واكتشاف المقابر الجماعية في ترهونة، وسجون سرية تديرها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر أو مليشيات وكتائب مسلحة غربي البلاد.