يعيش العُماني جمعة ناصر (46 عام) أكثر فتراته سعادةً، إذ تيقن أن مدينة خليفة الشمالية القطرية ذي الأحياء القديمة والذي يسكن في أحد شققها، شبه خالية من الكلاب الضالة.
أحد مصادر سعادة، مدرب حراس كرة القدم لفئة البراعم مُنذ 13 عاما في نادي الغرافة القطري، هو عودته إلى رياضته المفضلة وهي السير صباحا لمدة ساعة بعد ما انقطع لعدة أسابيع عنها نتيجة تعرضه لهجوم من أحد الكلاب الضالة في مارس/آذار من العام الجاري.
ويعاني العُماني ناصر، حارس المرمى المعتزل من "فوبيا الكلاب"، منذ مرحلة الطفولة، إذ هاجمته عشرات الكلاب المتشردة بأحد أحياء مدينة مسقط العاصمة العُمانية، تسبب ذلك في شبه صدمة نفسية رافقته حتى الكبر وانتقل رهاب الكلاب إلى أطفاله الأربعة، كما يشرح.
يقول مدرب الحراس: "انتقلت عقدة طفولتي، فوبيا الكلاب، إلى ابنائي، نحن عائلة جميعها تخاف من الكلاب السائبة، في المرة الأخيرة التي هاجمتني فيها الكلاب وأنا أمارس رياضتي في شوارع الدوحة شعرت بذات الرعب الذي شعرته عدما تعرض للأمر في طفولتي".
بعد ذلك الهجوم، أرسل الرجل العُماني بلاغا عبر الخط الساخن التابع لمركز الاتصال الموحد بوزارة البلدية والبيئة، بعد "مساعدة أحد الأصدقاء الذي أبلغني أن هناك حملة قائمة منذ أعوام مهمتها الرئيسية هي إيواء الكلاب الضالة، وهذا ما فعلته حقا، أعطيتهم التفاصيل، ولم أدخل الشارع الذي تعرضت له للهجوم إلا بعد ما تأكدت من خلو المنطقة من الكلاب".
حملة "رفق"
وأطلقت وزارة البلدية والبيئة في قطر في فبراير/شباط 2021، حملة "رفق" التي ما تزال مستمرة، وتتلخص فكرتها بإيواء الكلاب الضالة وإعادة تأهيلها.
وبحسب بيانات متتابعة من الوزارة نُشرت عبر موقعها الإلكتروني، تهدف الحملة إلى استقبال جميع البلاغات الخاصة بالكلاب في كافة أنحاء الدولة، والتعامل معها وفق الآلية الموضوعة وحسب اشتراطات "صحة الحيوان"، ومن ثم تتم رعايتها صحياً وإيواؤها في بيت الإيواء الخاص بها، والتأكد من عدم وجود أي أمراض فيها قبل عملية التأهيل.
وتم إنشاء بيت إيواء دائم في روضة الفرس في مدينة الريان. كما تعاقدت الوزارة مع شركة متخصصة في تجميع هذه الحيوانات ونقلها إلى بيت الإيواء.
الشاب المصري معتصم أبو عبدو (35 عاما) مربي كلاب ويعمل ضمن الحملة، يشرح لـ"العربي الجديد" آلية التعامل مع احتواء الكلاب الضالة، يقول: "من خلال رسالة هاتفية يتم تغذيتنا بالمكان وعدد الكلاب، حين نصل إلى المكان نجري عملية بحث سريعة، وحين نجد القطيع أو الكلب، نخذر هذه النوعية من الكلاب للحد من شراستها، ثم نضعها بصندوق لنقلها إلى الملجأ، لتبدأ رحلة الرعاية تجهيزا لتأهيلها".
منذ عشر سنوات، شرعت وزارة البيئة بحملات متفرقة للحدّ من انتشار الكلاب الضالة. ولكن حملة "رفق" جاءت بشكل مدروس ومكثف ضمن منهجية متبعة من الوزارة، بعد ما تلقت مئات البلاغات حول الكلاب الضالة، ومن ضمنها شكوى حول مهاجمة قطيع من الكلاب حظيرة غزلان لأحد السكان القطريين، وقتل عشرة غزلان، فيما أحدثت مجموعة أخرى من الكلاب خرابا بالغا في مركبات.
فوبيا الكلاب لا تمنع الرفق بالحيوان
بالعودة الرجل العماني، فإنه على الرغم من "فوبيا الكلاب" التي تحاصره، لكنه كغيره من آلاف المقيمين في الدوحة يقدم الرعاية للقطط التي تتجول في أحياء المدن القطرية، إذ يضع أمام بوابة منزله وعاء من الطعام المخصص للقطط بجانبه وعاء من الماء. وهذه تقريبا ثقافة يمارسها أغلب سكان الأحياء في قطر.
وبجانب الرعاية الفردية للقطط، يضع السكان على حواف الشُرف ونوافذ الشقق أطباق يوضع فيها طعام للطيور وتحديدا الحمام واليمام.
يكمل العُماني: "وضع طعام إلى القطط والطيور كل صباح ومساء، أصبح ضمن الطقوس اليومية لي، وهذا حال مئات السكان في قطر، لا يعني سعادتي بعدم وجود كلاب متشردة أنني لست رفيقا بالحيوان؛ على العكس. فإنني أبلغ مدى السعادة حين أراقب الطيور والقطط وهي تتناول الطعام الذي أقدمه. هذا يشعرني بسلام داخلي، لكن الكلاب المتشردة هي مسألة ثانية بالنسبة لي".
لا نباح في الليل
أما الشاب الهندي محمد محسن (27 عاما) والذي وصل إلى الدوحة قبل ستة أشهر، فيستغرب فكرة أنه لأول مرة في حياته لا يسمع نباح كلاب في الليل.
يقول محس الذي أنهى دراسة هندسة البترول في الجامعة المركزية في مدينة كيرلا الهندية الساحلية: "عشت تقريبا 10 آلاف ليلة في الهند وهي حاصل ضرب مجموع عمري بعدد أيام السنة، فكرة نباح الكلاب في الليل هي فقرة رئيسية في حياتي، لا يمكن أن يأتي الليل دون نباح، لكن منذ قدومي للدوحة لم أسمع نباحا مرة واحدة في الليل طوال وجودي، أنه شيء مثير للغرابة والإعجاب حقا".
غرابة هذا الأمر بالنسبة للشاب محسن دفعه بصحبة صديق له يدعى أنصاري وهو مصور هاوٍ لإقامة جولة تفقدية بحثا عن الكلاب في الأحياء القطرية، وتحديدا في الأحياء القديمة، استمرت الجولة أربعة أيام على الدراجة النارية، كان يقضي الصديقان مدة 10 ساعات يوميا بشكل متقطع لرصد الكلاب الضالة في الأحياء.
يقول: "طوال الجولة، عثرنا على ستة كلاب ضالة فقط، تأكدنا تماما أن الدوحة شبه خالية من الكلاب الضالة وأن هناك إجراءات حقيقية للحدّ من انتشارها، كانت تجربة جميلة والأجمل من ذلك أننا نعيش في مدينة خالية من نباح الليل".
في مايو/أيار عام 2022، فتحت وزارة البيئة القطرية عبر الموقع الإلكتروني، المجال للراغبين في تبنّي الكلاب، التي خضعت لإعادة تأهيل، من خلال تعبئة طلب عبر الموقع، ولم تفصح الوزارة عن أعداد الطلبات التي قدّمت للتبني. وإلى جانب آلية التبني، أوضحت الوزارة أن هناك تسهيلات لتصدير تلك الكلاب للخارج.