لبنان: منع مسيرة للحريات واعتداءات بذريعة تشجيعها المثلية الجنسية

01 أكتوبر 2023
محاولات أمنية لمنع الهجوم على مشاركين في "مسيرة الحريات" ببيروت (فرانس برس)
+ الخط -

تحوّلت "مسيرة الحريات" التي دعت إليها نحو 18 جمعية حقوقية ونسوية وتنظيمات سياسية في لبنان، أمس السبت، إلى مواجهات واعتداءات وتهديدات علنية بحقّ متظاهرين وصحافيين، وقد تدخّلت قوى الأمن لإخراج المتظاهرين من إحدى الساحات في آليّتَين عسكريتَين، بعدما حاصرتهم مجموعات مناهضة لتحرّكهم.

وكان من المفترض أن تنطلق المسيرة من ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، في اتجاه وزارة الداخلية والبلديات الواقعة ضمن العاصمة اللبنانية، تحت شعار مواجهة محاولات الترهيب وسياسة كمّ الأفواه، غير أنّها مُنعت من التقدّم، بعد أن اقتحمتها مجموعة من الشبّان بدراجاتهم النارية. وأعاد هؤلاء الشبّان السبب إلى أنّها "مسيرة انحرافات"، وأنّها "تدعم المثلية الجنسية، وتهدّد الدين والمجتمع والثقافة" التي يرفضونها.

وقد وثّقت تسجيلات فيديو وصور متداولة الاعتداءات التي تعرّض لها المتظاهرون، وما تبعها من ملاحقات وضرب وركل ورشق بالحجارة وإطلاق شتائم وإهانات، بالإضافة إلى حصارهم، وكذلك عملية إخراجهم في آليّتَين لقوى الأمن.

الصورة
آليات لقوى الأمن اللبناني تنقل متظاهرين محاصرين في بيروت (حسن عمّار/ أسوشييتد برس)
في هاتَين الآليّتَين العسكريتَين نُقل المتظاهرون في بيروت بعدما حاصرتهم مجموعات من الشبّان (حسن عمّار/ أسوشييتد برس)

وعبّر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن سخطهم إزاء تقاعس اللبنانيين عن النزول إلى الشارع للمطالبة بإنقاذ البلاد من "أسوأ أزمة معيشية" منذ عام 2019، وتقاعسهم عن المطالبة بـ"إلغاء الطائفية السياسية ومحاربة الفساد وإحقاق العدالة في جريمة العصر"، أي انفجار الرابع من أغسطس/ آب 2020. واستنكر هؤلاء عدم توافق الطوائف في لبنان إلا على "محاربة الحريات ونشر خطاب الكراهية".

في مقابل هؤلاء، راح ناشطون آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي يوجّهون اتّهامات إلى منظّمي "مسيرة الحريات" والمشاركين فيها وحرّضوا ضدّهم، وأطلقوا كذلك الشتائم في حقّهم.

في سياق متصل، أسفت الأستاذة الجامعية والناشطة النسوية ريتا الشمالي لما "تعرّض له عدد من المتظاهرين/ات العزّل من اعتداءات وهجوم، ومن عصبية شديدة في حقّهم، علماً أنّهم كانوا لا عنفيين، في حين أنّ المعتدين رشقوهم بالحجارة ولاحقوهم وحاصروهم في بعض شوارع بيروت وأحيائها".

وأضافت الشمالي لـ"العربي الجديد" أنّه "نتيجة للتهديدات، لم نكمل المسيرة واكتفينا بتحويلها إلى وقفة مطلبية" في الإطار نفسه. وأوضحت الشمالي أنّ "المسيرة كانت تطالب بالحريات الشخصية والعامة التي يحميها الدستور اللبناني. كذلك فإنّ نص الدعوة استند إلى حقوق الإنسان، والحفاظ على لبنان بلد الانفتاح والحريات، بحسب ما نصّ الدستور اللبناني، ولم ترد فيه حتى كلمة مثلية".

وتساءلت الشمالي: "هل أخبر الطلاب اليوم بأنّنا تحوّلنا إلى بلد قمعي يُضرَب فيه المواطنون/ات العزّل، خلال وقفة سلمية تطالب بالحريات؟"، مشدّدة على أنّ الأمر "كارثة فعلاً".

من جهته، استنكر النائب التغييري عن بيروت إبراهيم منيمنة "مظاهر التحريض على العنف وخطاب الكراهية، بغضّ النظر عن أيّ تظاهرة نتحدّث". وشدّد على أنّه "ليس مقبولاً أن يستخدم البعض العنف ضدّ أشخاص سلميين".

أمّا الناشطة السياسية ناهدة خليل فأفادت "العربي الجديد" بأنّهم ظلّوا "محاصرين لوقت طويل في ساحة رياض الصلح، وبعدها نحو ساعة في آليّتَين عسكريّتَين استُخدمتا لنقلنا بعد نداءات استغاثة"، لافتة إلى أنّ "المعتدين لحقوا بالآليّتَين وحاولوا الاعتداء عليهما".

وأوضحت خليل أنّ "مسيرتنا اقتُحمت من قبل أشخاص من طوائف مختلفة في وجه المطالبين بحرية الرأي والتعبير". وشدّدت على أنّ "مسيرتنا لم تكن متعلّقة بالشذوذ، علماً أنّنا لا نعترف بهذا المصطلح"، لافتة إلى أنّ "المعتدين استخدموا مصطلحات تشوّه مفهوم الحريات".

وأضافت خليل أنّ "المعتدين رشقونا بالحجارة والعبوات الزجاجية، وانهالوا علينا بالضرب، حتى بالعصي. وقد علمنا بخمس إصابات في ساحة الشهداء وحدها، نُقل ثلاثة من أصحابها إلى المستشفيات، إلى جانب إصابات لم نحصها بعد في ساحة رياض الصلح، وعند المفارق المؤدية إلى الساحتَين". وتابعت أنّ "ناشطتَين تعرّضتا للضرب أثناء مغادرتهما، وفقدت أخرى وعيها  خلال فترة انتظارنا في واحدة من الآليتَين العسكريتَين".

وأشارت خليل إلى أنّ تخوّف الأشخاص الذين أُصيبوا في "مسيرة الحريات" من التصريح إعلامياً، إذ إنّهم "يخشون من التعرّض لهم، فهم تلقّوا تهديدات علنية".

في الإطار نفسه، وصف رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر ما حصل بأنّه "خطر جداً، والأخطر منه صمت الكثيرين إزاء معركة لا تعنيهم، علماً أنّ أيّ معركة للحريات تعني الجميع". وأضاف الأسمر لـ"العربي الجديد" أنّ "اليوم يبدأون بقمع تظاهرة للحريات بحجّة أنّها قد تروّج للمثلية الجنسية، وغداً ينتقلون لأيّ تظاهرة أخرى، ثمّ نصل إلى القمع وفرض نمط معيّن على الجميع".

وقال الأسمر: "لقد شهدت ساحات بيروت أمس تجمّعاً للأصوليات من كلّ الطوائف"، مشدّداً على أنّ "هذا خطر كون نهاية الأصوليات تكون بالدم والدمار". وتابع: "كان الأجدى بهم أن ينظّموا تظاهرة أخرى مناهضة للتعبير عن رأيهم، غير أنّهم تعمّدوا النزول ومنع المسيرة بالعنف. وللأسف لم تقم القوى الأمنية بحماية المتظاهرين جدياً، بل سمحت للمعتدين بالدخول، وثمّة تسجيلات فيديو تؤكد الأمر".

وأسف الأسمر لأنّ "مدّعي عام التمييز، حتى هذه اللحظة، لم يدّعي على المعتدين أو يدعو إلى تحقيق علني، كوننا شهدنا محاولات قتل وتشكيل عصبة أشرار واعتداءات بالضرب". ورأى أنّه "من المهم أن ننبّه، كمنظمات حقوقية، إلى أنّ ما يحصل يُعَدّ مؤشّراً سيّئاً جدّاً للحريات في لبنان"، متسائلاً "هل تريد الطبقة الحاكمة تحويل لبنان إلى بلد للقمع وكمّ الأفواه، خالياً من الحريات؟". وأكمل: "لا أعلم كيف يريدون تشجيع السياحة وكيف يلاحقون كلّ من يريد التعبير عن رأيه، إمّا قضائياً وإمّا عن طريق إرسال الزعران والبلطجية".

المساهمون