قرار الإقفال العام لمواجهة كورونا، فاقم الأزمة المعيشية القائمة أساساً في لبنان. نموذج من صيدا الجنوبية
بينما تحتج مدينة طرابلس في شمال لبنان على الأوضاع المعيشية القاسية، فإنّ قرار تمديد الإقفال العام حتى الثامن من فبراير/ شباط المقبل، يؤثر في معظم المدن، ومن بينها صيدا، بوابة الجنوب اللبناني. هذا الإقفال دفع عدداً من الشباب في صيدا إلى رفع الصوت عالياً، بعدما ضاقت بهم وبأهاليهم الحال، في ظلّ الأزمة المعيشية المستمرة منذ صيف 2019.
يقول النجار الشاب محمود الحتحوت لـ"العربي الجديد": "الإقفال أضرّ بمدينة صيدا وسكانها بشكل كبير، وأنا منهم، إذ أعمل باليومية، ولا دخل لي غير عملي. وبينما يستمر الإقفال لم تقدم الحكومة لي أيّ مساعدة. هذا الإقفال حرم كثيرين من المال المخصص لشراء الطعام حتى، وهكذا يتحدى كثيرون القرار ويذهبون إلى العمل، مع ما في هذا من مخاطرة بتلقي مخالفة باهظة، لتأمين شراء حاجياتهم اليومية من غذاء ومستلزمات لأطفالهم". يتمنى الحتحوت من الحكومة السماح لأصحاب المحال بالعمل ضمن ساعات محددة، كما يطلب من مالكي البيوت والمحال عدم مطالبة المستأجرين بالإيجارات المترتبة عليهم، بسبب هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الجميع. يلفت الحتحوت إلى مسألة أخطر: "بسبب تمديد الحجر، ازداد عدد السرقات، فالناس لم يعد لديهم ما يكفيهم من المال، والدولة هي المسؤولة عن هذا الوضع، لأنّها لا تقدم أيّ مساعدة لشعبها، كما أنّ الشعب اللبناني لم يعد قادراً على تحمل هذا الوضع المعيشي السيئ، وهو ما سيؤدي للنزول إلى الشارع للاحتجاج، كما يحصل في طرابلس، مع ما يعنيه هذا من زيادة عدوى كورونا".
أما الشابة دانا عفارة، العاملة في مجال الطباعة، فتقول لـ"العربي الجديد": "في ظل هذه الظروف الصعبة، وانتشار الوباء العالمي، قررت الحكومة إقفال البلاد، فاضطر صاحب المطبعة لإغلاقها. هكذا، توقفت عن العمل، علماً أنّي وشقيقتي التي توقفت بدورها عن العمل، ننفق على بيت أهلنا. بسبب الإقفال لم يعد هناك مدخول لعائلتنا، كما لم تقدم الحكومة لنا أيّ مساعدات، من مال أو مواد غذائية". تتابع: "هناك العديد من الأشخاص الذين لم يعد لديهم المال لشراء طعام لعائلاتهم، لأنّ مدخولهم يومي. وكلّ هذا قبل الحديث عن فواتير الكهرباء والمياه التي تراكمت. بات كثيرون من اللبنانيين يعيشون دون الحدّ الأدنى للأجور". هذا الحدّ الذي تتحدث عنه لا يعادل أكثر من 75 دولاراً أميركياً في الشهر، بحسب سعر الصرف الفعلي.
من جهته، يعمل الشاب علي حمد، سائق سيارة أجرة باليومية، وبعد إغلاق البلاد سلّم السيارة لصاحبها، إذ لم يعد قادراً على دفع إيجارها، فبات عاطلاً عن العمل الآن، ولا مدخرات لديه لشراء حاجياته اليومية. يعلق: "الحكومة عاجزة عن تقديم المساعدات لشعبها، ولا تلعب دورها مثل بقية الحكومات".
ريتا الزكمون، وهي طالبة صحافة، تعلّق على الأوضاع العامة بالقول لـ"العربي الجديد": "بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، ازداد سعر المواد الغذائية والبنزين، وهناك نقص في بعض الأدوية. الوضع في لبنان من سيئ إلى أسوأ، وفي ظلّ هذا الإغلاق، لم تقدم الدولة أيّ مساعدات لشعبها من مال أو مواد غذائية أو طبابة أو كهرباء، كما أنّ المستشفيات تغلق أبوابها في وجه المرضى، والناس يموتون أمام أبواب المستشفيات، وحتى السرقات تزداد يوماً بعد يوم". تضيف: "يبيع الناس أغراض منازلهم وملابسهم لتأمين لقمة عيشهم، كما يسعى كثيرون للهجرة".
أما ديب الملاح، وهو طالب جامعي يعمل في مطعم للوجبات السريعة، فيقول: "الظروف التي نعيشها تفوق قدرة الشعب. نسبة الفقر في لبنان تزداد يوماً بعد يوم، وفي ظل جائحة كورونا جرى إقفال البلاد، فيما الدولة لم تقدم لشعبها أدوات الصمود". يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ "العديد من الدول تخطت أزمات الجائحة، لأنّها تملك خطة، وهذا ما لا يملكه لبنان، وأكثر من تأذى من هذا الإقفال الطبقة الفقيرة". ويختم: "الدولة فاشلة وفاسدة بل هي دولة السرقات. عندما ينزل الفقراء إلى الشارع للمطالبة بأدنى الحقوق يتعرضون للضرب والعنف من جانب أجهزة الدولة. مع ذلك، فإنّنا كشعب سنستغل كلّ فرصة للنزول إلى الشارع لإسقاط الدولة الفاسدة التي تنشر الطائفية والسرقات والقمع والفساد".
يشار إلى أنّ الحكومة اللبنانية، عبر الجيش اللبناني، توزع مساعدات مالية لقائمة "الأكثر فقراً" لكن عدا عن كون هذه المساعدات ضئيلة، إذ تعادل 400 ألف ليرة (نحو 45 دولاراً بسعر الصرف الفعلي) وتباعد الأشهر بين كلّ دفعة وأخرى، فإنّ فقراء كثيرين ليسوا على تلك القائمة، لا سيما من انقطعت مداخيلهم بسبب الأزمات الأخيرة، بل هم أكثر بكثير من أولئك الذين على القائمة تلك.