باتت الزلازل والهزّات الأرضية الشغل الشاغل للبنانيين الذين نسوا للحظات ما يقاسونه من الأزمات الاقتصادية والمآسي المعيشية، ولم يعد بالتالي سعر صرف الدولار الأميركي وسعر المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع الأسعار حديث الساعة بالنسبة إليهم، فالسؤال الوحيد الذي يدور في عقولهم منذ وقوع الزلزال المدمر في تركيا وسورية، يوم الاثنين الماضي، هل نحن مقبلون على كارثة مماثلة؟
تختلف درجات الخوف والقلق بين منطقة وأخرى في لبنان، بحسب موقعها الجغرافي المهدّد بخطر الزلازل من جهة، ومن جهة أخرى بحسب مدى صلابة المباني وقدرتها على المقاومة. وبينما ما زالت توجد عائلات خارج منازلها بعد الهزات الارتدادية التي نتجت عن زلزال تركيا وسورية، ويقضي أفرادها أيامهم ولياليهم في أماكن يعتبرونها أكثر أماناً بالنسبة لهم مثل البيوت في القرى، يلازم آخرون منازلهم بعدما جهزوا حقائبهم لساعة الصفر، أما الباقون فيواصلون حياتهم بشكل اعتيادي انطلاقاً من إيمانهم بأنّه لن يصيبهم إلا ما كُتب لهم.
في طرابلس (شمال)، يروي أسامة حوّا، وهو أب لثلاثة أولاد، لـ"العربي الجديد"، أنّه جمع الأغراض الأساسيّة والأوراق المهمّة من جوازات سفر وبطاقات هوية وحقيبة ملابس للمغادرة بسرعة في حال وقوع هزّة قويّة، لا سيما أنّه يسكن في الطابق الرابع، ويقول: "أسكن مع عائلتي في مبنى شبه جديد بمنطقة القبّة، والذي لم يتصدّع عند وقوع الزلزال الكارثي، بخلاف منازل جيراني التي تضرّرت وتسرّبت المياه إلى داخلها، فغادروها وما زالوا حتى اليوم في سياراتهم، رغم الأمطار والعواصف. وحالياً ينتظر الجميع خبراً يُطمئن القلوب، خصوصاً أنّ عدداً من المباني تصدّعت وتشقّقت".
وفي شارع المطران بالمدينة ذاتها، تقول حنان سباعي لـ"العربي الجديد": "نعيش من قلّة الموت، فنحن أصلاً مهزوزون في هذا البلد الذي نكبر فيه من دون أيّ مستقبل، ونجد أنفسنا دائماً أمام فشل ذريع للدولة".
تضيف حنان، وهي أم لطفل في التاسعة من العمر: "أعيش مع ابني ووالدتي في مبنى قديم مشيّد منذ 90 عاماً، ويعاني في الأصل من تصدّعات وتشقّقات. وقد أبلغنا البلدية سابقاً بأنّ المبنى يحتاج إلى ترميم، لكن لا آذان تسمعنا، ونعيش حالياً في رعب وقلق. وقد سارعت إلى تجهيز حقيبة تحتوي على ملابسنا والمستلزمات الأساسية وجوازات السفر والأوراق الشخصية وصكّ ملكية المنزل وما تبقّى من مال، أما الذهب فبعناه كله منذ بدء الأزمة. وجهّزت أيضاً أدوية ابني وآلة أوكسجين وكمامات كونه مريضاً بالربو، وأيضاً أدوية والدتي التي تعاني من السكري والضغط، وساءت حالتها نتيجة الخوف منذ وقوع الزلزال. كذلك فعل غالبية جيراني وجهزوا حقائبهم".
وتتحدث سباعي عن أنّ "معرض رشيد كرامي الدولي وحديقة الملك فهد في طرابلس اللذين قد يستخدمان لاستضافة منكوبين بزلازل أو هزات غير مجهّزين بخيم أو بطّانيات أو وسائل تدفئة، فهل نبقى في العراء والصقيع مع أطفالنا معرضين للموت من الرعب والبرد؟ لذا نفضّل ملازمة منازلنا المهدّدة بالسقوط، فيما نعيش حالة رعب مضاعفة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في منتصف الليل".
من جهته، يسرد الشاب العشريني خالد لحظات الرعب التي عاشها مع عائلته خلال الهزة الأولى التي ضربت لبنان واستمرت عشرات الثواني، ما دفع عائلات إلى ملازمة الشوارع والسيارات، ويقول لـ"العربي الجديد": "ما زال الخوف يرافقنا، لكننا لم نغادر منزلنا الأرضي في بلدة المرج بالبقاع الغربي، وقررنا أن نتّخذ احتياطات مثل الاكتفاء بإغلاق الباب فقط بعدما كنّا نقفله"، يضيف: "لاحظتُ حالة الذعر والتوتّر لدى أهالي بلدتي الذين يتجمّعون في الشوارع في عزّ البرد، ولا يتوقفون عن ترقب ماذا سيحصل، خصوصاً أولئك الذين يقطنون في مبان من عدة طوابق".
وإذ يتحدّث عن ملازمة البعض منازلهم بسبب وجود أطفال لا يتحمّلون قساوة الثلج، يكشف خالد أنّ "كثيرين جهّزوا حقائب وضعوا فيها الأوراق الشخصيّة والثياب الشتوية وسترات وأحذية، في حين يلازم البعض الآخر الغرفة الأكثر قرباً من باب المدخل للهروب فوراً. ويقصد البعض سوق المرج الشعبي، وهو سوق للخضار والمواشي والملابس للاحتماء داخله".
وفي بلدة عرسال الحدودية مع سورية، تبدي ريما كرنبي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، قلقها من الوضع غير المطمئن، لكنها تعتبر أن مواقع التواصل الاجتماعي والشائعات تلعب دوراً كبيراً في إثارة البلبلة، فالمباني ليست مرتفعة جداً في عرسال، لكن بعض الأشخاص ينامون في غرف محدّدة يعتبرونها أكثر أماناً، كما جهّزوا أغراضهم للخروج فوراً".
وفي بيروت، يقول جان صليبا لـ"العربي الجديد": "قلق الناس، خصوصاً النساء والأطفال، منطقي لأن ذاكرة انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020 ما زالت ماثلة، لكنّنا نحاول النوم بشكل طبيعي".
وفي مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت، يصف أحمد سخنيني حالة الرعب من واقع تشكيل المخيم ساحة تهديد كبيرة لسلامة السكان في حال حصول كوارث، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يضم المخيم ساحات والكثافة السكانية هائلة داخله، إذ يضمّ 40 ألف نسمة ضمن مساحة نصف كيلومتر مربّع، والبنى التحتية للمباني مهترئة، ومئات منها قد تسقط في أي لحظة".
من جهتها، تخبر زهرة عبد العزيز "العربي الجديد"، بأنها مطمئنة من سكنها مع أهلها في الطابق الأول لمبنى في بلدة كترمايا في محافظة جبل لبنان، وتقول: "ترك كثيرون منازلهم خوفاً من هزات أرضية محتملة، لكن وضعنا أفضل بسب وجود حديقة أمام المبنى يمكننا الاحتماء فيها". أما إشراف خالد السيد، من بلدة دلهون بجبل لبنان، فتختصر الخوف بالقول لـ"العربي الجديد": "تفادينا الأسوأ من الهزة الأخيرة. يكفي ما نعانيه من وضعٍ سيئ في لبنان، وأنا مريضة بالسكري والضغط ولدي مشاكل في القلب. نعيش في الطابق الثاني لمبنى ولم نجهّز أيّ شيء، لكنّنا نتوخّى الحذر".
وفي قضاء عاليه بمحافظة جبل لبنان أيضاً، يسلّم عبد الله خداج أمره لله رغم تواصل الرعب والخوف، ويقول لـ"العربي الجديد": "تعدّدت الأسباب والموت واحد. لا يمكن أن نوقف حياتنا، لكن الأهم أن ننجو عند وقوع الكارثة، أما الشائعات فأشدّ وطأة علينا". ويقول ربيع عبد الخالق، الذي يعمل مراقباً جوياً في مطار رفيق الحريري الدولي، لـ"العربي الجديد": "يجب ألا نعتدي على الطبيعة، ونتفادى بناء السدود ونتّخذ كل الاحتياطات المطلوبة في البناء الهندسي تحسّباً للزلازل والهزّات الأرضية".