تخلّف مواطنون لبنانيون عن الحضور إلى المراكز الصحيّة المُختصّة، في المواعيدِ المُحدّدة لهم لتلقي لقاح "أسترازينيكا" المضاد لكوفيد-19، بعد أن أثارت الأنباء التي انتشرت في الصحافة الأوروبية حول وفاة أشخاص تعرّضوا لجلطاتٍ دموية بعد تلقّيهم اللقاح البريطاني- السويدي، قلقاً كبيراً لدى اللبنانيين.
وقالت، أسيمة الدبوني، أخصائية الأمراض الجرثومية في مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثلاثين في المائة من الأشخاص المسجّلين على المنصة التابعة لوزارة الصحة، والذين جاء دورهم لتلقي لقاح "أسترازينيكا"، لم يحضروا بالأمس إلى المركز، ودائماً ما نتّصل بالمواطنين لمعرفة الأسباب التي أدّت إلى تخلّفهم عن موعدهم لتلقي اللقاح، من هنا رصدنا أنّ العامل الرئيسي مرتبط بقلق وخوف واضحين من اللقاح، وصِلته بما يُثار عن أعراض جانبية أبرزها الجلطات".
وأشارت إلى أنّها تتفهّم قلق الناس، "لكن للأسف دائماً ما تعلق الأخبار السيئة في ذهن المواطن، علماً أنّ هيئة تنظيم الأدوية الأوروبية تحدثت عن إدراج جلطات الدم كأحد الآثار الجانبية النادرة جداً للقاح أسترازينيكا، ونوّهت إلى فوائده التي تفوق مخاطره، من هنا دورنا في تطمين الأشخاص من خلال نشر معلومات علمية".
وفي حالات عدم حضور الأشخاص في موعدهم، يُصار بحسب الدبوني إلى الاتصال بمن لديه مواعيد لاحقة وإعطائهم الجرعة، وبالتالي تقريب موعدهم.
وأشارت الدبوني إلى أنه منذ انطلاقة حملة التلقيح في لبنان، لم تسجّل أيّ عوارض جانبية تستدعي الدخول إلى المستشفى أو توصف بالدقيقة والخطيرة، بل مجرد عوارض طبيعية عادية، معروفة ومعلن عنها سابقاً.
بدوره، يقول الأخصائي في الأمراض الجرثومية والمعدية، البروفسور جاك مخباط، لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك ضرورة للتريّث قبل اتخاذ أي موقف مرتبط بلقاح أسترازينيكا، خصوصاً أنّ منظمة الصحية العالمية وهيئة تنظيم الأدوية الأوروبية لم تنصح بعد بمنعه كلياً.
ويرى مخباط أنّه من الطبيعي أن تظهر عوارض جانبية عند بعض الناس، فحملة التلقيح تطاول مئات ملايين الأشخاص من كل أنحاء العالم، وحصول تفاعلات ثانوية هو أمر متوقع، وهي ما تزال بنسبة ضئيلة جداً، بحيث إنّ فوائد اللقاح تفوق مخاطره بكثير. وأشار إلى أنّ الهدف الأساسي منها، هو الوصول إلى مناعة مجتمعية كاملة أو أقلّه بنسبة 75 في المائة لتخفيف انتشار الوباء.
ويلفت مخباط إلى أنّ "كلّ الأدوية التي يتناولها الناس، لها عوارض جانبية، وربما لو يقرؤون هذه العوارض على العلبة لما تناولها معظمهم، علماً أنّ الفرق يكمن في أنّ الدواء يوصف على خلفية مرض وبهدف العلاج، في حين أننا نتلقى اللقاح من دون أن نعاني من أي مرض بغية الوقاية والحماية، وهذا ما يجعل العوارض الجانبية مسألة متوقعة".
ويضيف مخباط أنّ النظرة إلى اللقاح تختلف بين المواطن ووزارة الصحة، فالطرف الأول يريد وقاية 100% من دون أي آثار جانبية، وهذا أمر ليس واردا بالمطلق، في حين أنّ الوزارة تبحث عن تأمين وقاية ومناعة، لأكبر عددٍ ممكن من المواطنين. ولفت في المقابل، إلى أنّ كل اللقاحات لها عوارض وتفاعلات ثانوية وليس فقط أسترازينيكا، ولكن النسب التي تأثّرت بهذه العوارض، لا تُذكر مقارنة مع الملايين الذين تلقّوا اللقاح ولم يتعرّضوا لأي مخاطر.
وأوضح الأخصائي في الأمراض الجرثومية والمعدية، أنّ من يتخلّف عن الحضور في موعده المحدّد ويرفض تلقي لقاح أسترازينيكا، لن يتمكّن من الحصول على لقاح آخر، وعليه أن ينتظر الشحنات التي تصل تباعاً، علّه يحصل على دور في مراحل لاحقة، أو يمكنه أن يلجأ إلى القطاع الخاص.
ولفت أكثر من طبيب في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ التخلّف عن الحضور ينطبق على غالبية المراكز التي تعطي لقاح أسترازينيكا، وبدأوا يتلقون الكثير من الاتصالات بشأن هذا اللقاح، وهم يحرصون على تطمين الناس وتزويدهم بكلّ المعلومات الطبية الموثوقة، وينصحون بأخذ كلّ لقاح متوفّر.
وفي 24 مارس/آذار الماضي، وصلت الشحنة الأولى من لقاح أسترازينيكا إلى بيروت، وضمّت 33600 جرعة، وخصصت ابتداءً من الأول من إبريل/نيسان الجاري للقطاع التربوي، ولا سيما أساتذة التعليم الثانوي والفريق الإداري المعني بالشهادة الثانوية، وكذلك الفئة العمرية بين 55 إلى 65 سنة.
في الإطار نفسه، أشار التقرير الأسبوعي الصادر عن التفتيش المركزي، إلى أنّ وتيرة التلقيح بأسترازينيكا كانت بطيئة جداً، إذ بلغ إجمالي الجرعات المستعملة، خلال الأسبوع الأول من استخدامه، 6,125 جرعة، لافتاً إلى أنّ متوسط التلقيح به، بالكاد بلغ 1,224 جرعة في اليوم.
ويقول التفتيش المركزي، أنّ عدد الجرعات التراكمية التي أعطيت عبر المنصة خلال الأسبوع السابع على بداية حملة التلقيح، وصل إلى 37,239 من لقاح "فايزر" الأميركي، و6,125 جرعة من لقاح "أسترازينيكا".
ويشرح مدير مستشفى بيروت الحكومي، فراس أبيض، في سلسلة تغريدات، أنه في التقرير الصادر عن السلطات الطبية الأوروبية حول لقاح أسترازينيكا، كان العدد الإجمالي للمرضى الذين توفّوا من جلطات الدم، أقل من 20، بعد إعطاء أكثر من 25 مليون جرعة، عمر معظمهم أقلّ من 55 عاماً. وخلص التقرير إلى أنّ احتمالية الإصابة بتجلّط الدم بعد تلقي اللقاح، "منخفضة للغاية".
ويضيف أبيض "عند مقارنة الاحتمالات والمخاطر، من الواضح جداً أنه بالنسبة للأفراد الذين هم في الفئة العمرية الأكبر سناً، فإنّ مخاطر كورونا هي أعلى بكثير من مخاطر تلقي لقاح أسترازينيكا. في لبنان، حيث ينتشر الفيروس، تلقي اللقاح هو أكثر أماناً لكبار السن من التعرّض لخطر العدوى".