لبنان: أهالي الجنوب يصطدمون بارتفاع الإيجارات

17 أكتوبر 2023
التوتر مستمر على الحدود اللبنانية (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ اشتداد التوترات الأمنية عند الحدود الجنوبية للبنان وتمادي الاعتداءات والقصف الإسرائيلي، يبدي اللبنانيون قلقهم من احتمال اندلاع حرب بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. حالة الترقب والاستنفار دفعت بعض أهالي الجنوب وأهالي الضاحية الجنوبية في بيروت، إلى البحث جديّاً عن ملاذ آمن يلجأون إليه، في حال صحّت التوقعات واشتعلت جبهة الجنوب.
وفي حين قرّر البعض البقاء في منزله ريثما يتجلّى المشهد، صُدم البعض الآخر بحملات تحريضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي طاولت الطائفة الشيعية، ودعت إلى عدم استقبال المواطنين النازحين في حال اندلعت الحرب. 
وانقسم الشارع اللبناني بين مرحّب وآخر رافض لاستقبال النازحين في مناطقه، بحجة "وجود مؤامرة لمخطط تغيير ديموغرافي"، مع الإشارة إلى أن بعض البلديات والجمعيات الأهلية باشرت استعداداتها لاستقبال نازحين محتملين، تحت شعار "بيوتنا مفتوحة لكم". وبدأت بتوزيع المساعدات الغذائية والعينية، مع تزايد حركة النزوح خلال الأيام القليلة الماضية.
قضت منى (اسم مستعار) خمسة أيام متواصلة وهي تبحث عن بيت أو شقة مفروشة، بعيدة عن محافظة الجنوب أو الضاحية الجنوبية لبيروت. فكان أن قصدت عدداً من المناطق اللبنانية، غير أنها فوجئت بسؤال عمّا إذا كانت هاربة من الجنوب. منى، الشابة الجنوبية المقيمة في دوحة عرمون، وهي منطقة قريبة من مطار رفيق الحريري الدولي، تقول: "أبحث عن الأمان من أجل أولادي، كي لا يسمعوا أصوات الحرب. لكنني صدمتُ عندما قالت لي صاحبة أحد المنازل بشكل صريح وبنبرة عالية: تردني اتصالات عديدة من الجنوب، ولا أريد تأجيرك المنزل كونك ستأتين بأكثر من عائلة في حال اندلعت الحرب".
تضيف: "كانت قد طلبت مني 1500 دولار أميركي بالشهر كبدل إيجار، إلا أنها رفعت القيمة في اليوم الثاني إلى 2200 دولار أميركي، وأرادت أن تعرف هوية القاطنين معي. في حين لمستُ ترحيب صاحب بيت آخر وتمنياته ألا يحصل أي مكروه، غير أن الإيجار ناهز الألفي دولار أميركي، كما لاحظتُ أنه غير مرحب بنا في تلك المنطقة. لاحقاً، قصدتُ منطقة ثالثة حيث تمّ الترحيب بي، لكن الجميع بات سمساراً وارتفعت قيمة بدلات الإيجار. لم أجد شقة بأقل من 1300 دولار أميركي، وأخيراً استأجرت شقة بقيمة 1500 دولار أميركي في الشهر، علماً أن مدرسة أولادي ستصبح بعيدة عن سكننا". كما تشير إلى أن "غالبية الناس تبحث في الوقت الحالي عن شقق".

بدوره، يروي محمد (اسم مستعار) الصعوبات التي واجهته في رحلة البحث عن شقة آمنة. يقول: "منذ بدء التلويح بحرب محتملة، ونحن نبحث عن منزل في مناطق بعيدة عن دائرة الاشتباكات. غير أنّنا صُدمنا بالتعاطي الطائفي والمذهبي وبأسئلة هدفها معرفة مدى التزامنا بطقوسنا الدينية بحجة عدم رغبتهم بإزعاج الجيران". يتابع: "وجدتُ منزلاً في منطقة الحمراء في بيروت، بدل إيجاره 1500 دولار أميركي، في حين أنّه لا يستحق أكثر من 500 دولار. للأسف، الجميع يستغل الأزمة وما من أحد يرحم، بل إن الجشع هو سيد الموقف. قبل أحد أصحاب الشقق بداية بأن أدفع 550 دولاراً أميركيّاً، لكنّه لاحقاً طلب 1500 دولار أميركي واشترط أن أدفع له سبعة أشهر مسبقاً. انكشف بالفعل حجم التعصب الذي نعيشه في هذه البلاد. حتى المكاتب العقارية عندما نطلب منها الاستفسار عن إمكانية استئجارنا منزلاً في منطقة معينة بهوية دينية مختلفة عن هويتنا، إما يتجاهلنا أصحاب المكاتب من دون أي جواب يُذكر أو يطلبون قيمة تأجيرية مرتفعة جداً تقارب 1800 أو 2000 دولار أميركي".
محمد، الذي لمس في بعض المناطق "نوعاً من الرفض التام لتأجير شقق لطائفة معينة"، يقول: "وصلنا للأسف إلى حد الاعتذار عن طقوسنا او انتمائنا الديني وكأنه جريمة. غير أنه لا يمكن أن نغفل أننا وجدنا ترحيباً وتعاطفاً شديداً من قبل مواطنين في مناطق أخرى، فكان بينهم من قال: أنتم أهلنا، أهلاً وسهلاً بكم، نضعكم في عيوننا".

بلدة عيتا الشعب الحدودية خالية من الناس (حسام شبارو/ الأناضول)
بلدة عيتا الشعب الحدودية خالية من الناس (حسام شبارو/ الأناضول)

من جهة أخرى، يقول علي (فضّل الاكتفاء بالاسم الأول) إن النزوح طاول فقط أهالي القرى الحدودية لغاية تاريخه، وقد قصد منازل أقاربه وأصحابه لعدم قدرته على استئجار أي شقة، إذ لا يمكنه تحمّل بدلات الإيجار، وسيقتصر الأمر على المرتاحين مادياً". 
إلى ذلك، يكشف أحد الخبراء العقاريين الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّهم يشهدون ضغطاً وطلباً كبيراً على الشقق لم يعهدوه خلال موسم الصيف. ويقول: "لم يسبق أن امتلأت الشقق إلى هذه الدرجة، حتى في عز الموسم السياحي. على سبيل المثال، لقد أجّرنا 641 شقة في منطقة عاليه (جبل لبنان) وضواحيها في غضون ستة أيام فقط، ناهيك عن الشقق التي تتولاها المكاتب الباقية والوسطاء العقاريون على صعيد لبنان. كما قمنا بتأجير 16 بناية كاملة منذ بدء التهويل بحرب مرتقبة. إنها أرقام غير مسبوقة لا في الحرب ولا في الموسم السياحي. ففي حرب يوليو/ تموز 2006، امتلأت الشقق في الجبل والمتن وكل المناطق الآمنة، فاضطر البعض إلى اللجوء إلى سورية. لكن اليوم، وفي ظل الأوضاع الأمنية في سورية، كيف سيلجأون إليها؟". 
ويشير إلى أن "الشقق في لبنان لن تستوعب الأعداد الكبيرة التي قد تنزح من الجنوب ناهيك عن الضاحية الجنوبية لبيروت. إنها أزمة حقيقية، وفي حال حصلت الحرب، فلن يكون أمام النازحين سوى خيار المدارس والمباني والمرافق العامة. حتى تاريخه، نعطي الأولوية لأهالي الجنوب، إذ إن الضاحية الجنوبية لم تتعرض بعد لأي قصف أو أحداث أمنية". 

ويأسف "لاستغلال البعض الوضع الراهن لتحقيق أرباح هائلة. كان بدل إيجار الشقق المفروشة يتراوح ما بين 400 وألف دولار أميركي، لكن مع الأزمة ارتفعت وأصبحت تتراوح ما بين 600 و2000 دولار. أما الفلل، فتتراوح ما بين 2500 و3000 و3500 دولار. وهي قيمة مماثلة لتلك التي اقتطعت خلال الموسم السياحي، وتعد بالتالي قيمة باهظة جداً تفوق قدرة المواطنين والمقيمين وسط الأزمة المعيشية الخانقة التي تشهدها البلاد. غير أن الخوف أجبر البعض على استئجار أكثر من شقة من أجل ضمان سلامة عائلته الصغيرة والكبيرة".
يتابع: "لم يبادر إلا القليل من أهالي الضاحية لاستئجار الشقق، غير أننا قمنا بتأجير شقق للاجئين فلسطينيين قادمين من مخيمات صبرا وشاتيلا (بيروت) وبرج البراجنة (الضاحية الجنوبية لبيروت) وعين الحلوة (جنوب البلاد). وقد ارتفعت قيمة الإيجار في بعض المناطق ولدى بعض المكاتب بنسبة 50 في المائة، وحتى 70 في المائة. رفعوا الإيجار ليفوق حتى سعر الموسم الصيفي. هؤلاء هم تجار أزمة، ومن المعيب التحكم بشركائهم في الوطن خلال هذه الأزمة العصيبة. في حين بادر البعض الآخر إلى خفض القيمة التأجيرية عن تلك المعتادة، من منطلق التعاطف مع أبناء البلد والتضامن معهم". ويأسف لأن سكان بعض المناطق "يرفضون تأجير مواطنين من طائفة مختلفة، ونعتوهم بالمهجرين، وتعمدوا معاملتهم على أساس طائفي بغيض. حتى إننا لاحظنا استغلالاً من قبل أبناء الطائفة ذاتها. فكان أن رفعوا بدل الإيجار بشكل جنوني غير آبهين بنازحين لاهثين خلف سقف آمن يقيهم قساوة الحرب وفظاعتها".

المساهمون