كييفو بيتشورسكايا لافرا... دير كنيسة الدولة المنشقة عن روسيا

09 مارس 2023
تأسس دير كييفو بيتشورسكايا لافرا في القرن الـ11 ميلادياً (سيرغي سوبينسكي/ فرانس برس)
+ الخط -

يُعد دير كييفو بيتشورسكايا لافرا في العاصمة الأوكرانية كييف، والمدرج منذ عام 1990 على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي، مهداً للرهبانية وعاصمة غير رسمية للمسيحية الأرثوذكسية للسلافيين الشرقيين، ويعود تاريخ تأسيسه إلى عهد أمير كييف ياروسلاف الحكيم، الذي ينتمي إلى عائلة ريوريكوفيتش، خلال القرن الـ11 ميلادياً. 
ويعتبر كييفو بيتشورسكايا لافرا، الذي تأسس عام 1051، أحد أقدم أديرة روس كييف (تسمية روسيا التاريخية حين كانت كييف عاصمة ومركزاً لها)، وأبرزها على الإطلاق. ومن أهم معالمه الكهوف التي سكنها القسيس إيلاريون، وهو يعتبر الأب الروحي لياروسلاف الحكيم. 
وفي الأشهر الأخيرة، تحوّل الدير التاريخي إلى ساحة أخرى للصراع الروسي الأوكراني، الذي لا ينحصر فقط في السياسة وميادين الحرب العسكرية، إذ تواصل السلطات الأوكرانية بقيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي التضييق على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة تاريخياً لبطريركية موسكو.
وفي سابقة اعتبرت الأولى من نوعها وأكدت تعمّق الانقسام في عالم المسيحية الأرثوذكسية، أقام المتروبوليت إيبيفاني، رئيس  كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية التي استقلت عن بطريركية موسكو بين 2018 و2019، بحضور مئات من المؤمنين، قداس عيد الميلاد في دير كييفو بيتشورسكايا لافرا، ثم ترأس بعد أيام قداس عيد الغطاس الذي صادف لدى الطوائف المسيحية الشرقية 19 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وقال مصلون: "انتظرنا وقتاً طويلاً تسلّم هذا المكان. إنه حدث تاريخي لجميع الأوكرانيين". أما أوكسانا سوبكو (47 عاماً) فقالت: "لكلّ بلد كنيسته، ونحن لدينا كنيستنا الخاصة. يجب ان توجد كنيسة أوكرانية".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتعود قصة الانقسام إلى عام 2018، حين أسس الرئيس السابق بترو بوروشينكو كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية بدعم من بطريركية القسطنطينية، لكن هذا الانشقاق لم يؤثر في استمرار نشاط الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية بقيادة المطران أونوفريوس حتى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية المباشرة في فبراير/ شباط 2022، والتي زادت من حالة الاستقطاب في المجتمع الأوكراني. 
ورغم محاولات الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية تسوية أوضاعها في ظل الظروف الجديدة، عن طريق شطب ذكر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من ميثاقها وتبرئة نفسها من بطريركية موسكو، لكن ذلك لم ينقذها من التضييق عليها، وصولاً إلى حد دهم مبانيها نهاية العام الماضي، واتهام القساوسة بالخيانة العظمى أو بالعمل لصالح روسيا. 

الصورة
دير كييفو بيتشورسكايا لافرا رمز كنيسة الدولة الأوكرانية اليوم (العربي الجديد)
دير كييفو بيتشورسكايا لافرا رمز كنيسة الدولة الأوكرانية اليوم (العربي الجديد)

ويعلّق كبير الباحثين في قسم الدراسات الاجتماعية والسياسية بمعهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، رومان لونكين، بالقول لـ"العربي الجديد": "تكمن أهمية كييفو بيتشورسكايا لافرا في دورها الرمزي للمسيحية الأرثوذكسية في أوكرانيا وروسيا معاً. هذا الدير هو أول مركز روسي في روس (التسمية القديمة لروسيا)، وأصبح رمزاً لانتصار المسيحية في عهد ياروسلاف الحكيم ونجله. وتظهر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وجميع أرثوذكس أوكرانيا احتراماً خاصاً لمؤسسيه القديسان أنطوني وفيودوسي بيتشورسكي. وترقد في الدير جثامين الأبطال التاريخيين الرئيسيين الروس مثل نيستور ليتوبيسيتس وبيوتر ستوليبين". 
وحول رؤيته لأسباب الصراع السياسي الدائر على دير كييفو بيتشورسكايا لافرا، يقول: "على مر التاريخ، تصبح الكنيسة التي تؤدي قداساتها في كييفو بيتشورسكايا لافرا هي الكنيسة الأرثوذكسية الرئيسية في أوكرانيا التي يسعى زيلينسكي إلى جعلها كنيسة الدولة. وكنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية المنشقة والمتروبوليت إيبيفاني مجرد دمى لمكتب الرئيس الأوكراني". 

وفيما تعتبر كييف أن لا أساس لاعتبار دير كييفو بيتشورسكايا لافرا تابعاً لبطريركية موسكو، لأنه أكبر عمراً بنحو قرن من عمر موسكو التي تأسست على يدي الأمير يوري دولغوروكي عام 1147، يقلل لونكين من قدرة السلطات الأوكرانية على القضاء على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية بشكل كامل، ويقول: "تسعى أي سلطة، لا سيما الاستبدادية، إلى امتلاك كنيسة خاصة بها، تكرر حرفياً الخطابات العلمانية لسياسييها. وفي ظروف ديكتاتورية الحرب التي تكونت في كييف، تحتاج السلطات الأوكرانية إلى كنيسة قومية أكثر راديكالية ومعاداة لروسيا، ولن يكون مثل هذا الكيان المطيع سوى كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية". 

المساهمون