أطلق ناشطون حقوقيون وسياسيون حملة إعلامية في الكويت للضغط على الجهات الحكومية المسؤولة عن قرار عدم تجديد إقامة الوافدين الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، ويعملون في أراضيها من دون أن يحملوا شهادة جامعية أو أخرى فوق الثانوية العامة. وقد سرى مفعول القرار منذ الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، بناءً على أوامر أصدرتها الهيئة العامة للقوى العاملة، بعد إقرار مجلس الأمة قانون "تعديل التركيبة السكانية" نهاية 2020 الذي ينص على تقليل عدد الوافدين بأكبر قدر. واندرج القانون ضمن تدابير تقليل الحكومة الكويتية نسبة الوافدين من 70 إلى 30 في المائة، بدءاً بمن أسمتهم "العمالة الهامشية" الذين فقدوا وظائفهم في ظل تفشي جائحة كورونا والصعوبات الاقتصادية التي أوجدها، إضافة إلى من تجاوزت أعمارهم الـ60 ممن يحملون مؤهلاً تعليمياً لا يتخطى شهادة الثانوية العامة. وأطلق ناشطون حملة "أنا ضد القرار" التي تطالب الحكومة بالتراجع عن الإجراء وإعطاء الوافدين الذين تجاوزوا الـ60 سنة إقامات، مع تحميلهم رسوم الرعاية الصحية وزيادتها عليهم، علماً أنهم يدفعونها في الأصل، لأن أغلبيتهم تمارس عملاً حراً عبر امتلاك محلات أو مزاولة نشاطات تجارية، وبعضهم يعيش مع أبنائه الموظفين. وجمع ناشطون آخرون تواقيع أرسلوها إلى نواب مجلس الأمة للضغط على الحكومة، بينهم سعود العنزي الذي جمع أكثر من 250 توقيعاً.
تقول أم علي كيلاني، وهي ربة منزل سورية وُلدت في الكويت وتبلغ 65 عاماً، لـ"العربي الجديد": "لا أعلم إلى أين أذهب. لم أدرس في جامعة، لأنني تزوجت في سنّ صغيرة جداً سورياً مقيماً في الكويت أيضاً، رحل عني قبل 5 أعوام، وترك لي أبناءه الذين يعملون حالياً في الكويت بوظائف مرموقة وعالية الدخل، وبينهم مهندس وطبيب وصاحب شركة تسويق. كذلك يعمل أحد أبنائي في دبي".
تضيف في وصفها حالها: "حصلت على استثناء لتجديد الإقامة لمدة 3 أشهر، ثم آخر للمدة ذاتها تضمن إنذاري بالخروج من الكويت. لكن إلى أين أذهب؟ بيت عائلتي في سورية مدمر، ولم أعرف في حياتي وطناً غير الكويت". وتشير كيلاني إلى تعاطف معها لدى مسؤولين في إدارة الدولة منحوها استثناءً مؤقتاً لتمديد إقامتها، وتسأل: "إذا كان أبناء البلاد يتعاطفون معي، فلماذا تطالبني الحكومة بالمغادرة، وأنا لم أعرف بلداً آخر؟".
إلى ذلك، يقول حسن ف.، وهو إيراني يملك محلاً لبيع الفواكه في سوق المباركية الشعبي وسط الكويت العاصمة، لكنه مسجل بطريقة غير رسمية، باعتبار أن الوافدين لا يملكون حق تسجيل محلاتهم بأسمائهم، ويضعون مواطنين كويتين في واجهة أعمالهم، إنّ السلطات رفضت تجديد إقامته للمرة الثالثة "وأنا ببساطة لا أعرف سبب تطبيق هذا القرار، إذ إنني قدمت إلى الكويت حين كنت في التاسعة من العمر، وبالتالي لم أعرف بلداً آخر، وبنيت نفسي من مجرد حامل للبضائع في السوق إلى مالك محل صغير. وذهابي إلى إيران محدود، فأموالي وأملاكي كلها هنا، وأبنائي وُلدوا هنا وعاشوا فترة طويلة قبل أن ينتقلوا إلى كندا والولايات المتحدة الأميركية، ولا أريد الذهاب خلفهم، بل أريد الموت هنا".
من جهتها، تقول أبرار الشمري، الأكاديمية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، والكاتبة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن لـ "العربي الجديد": "القرار ظالم، ولا يعكس القيم التي نطمح إليها في سياسات الدولة الكويتية. وهو سيُفكك أسراً وعائلات تعتبر البلد أرضها، ولم ترَغيره في حياتها، كذلك إن غالبية الوافدين المستهدفين بالإبعاد من كبار السن الذين لا يشغلون وظائف مهمة أو يريدها المواطنون، ما يجعل التحجج بأن إبعادهم يصبّ في مصلحة المواطنين الكويتيين لإيجاد وظيفة لهم، غير صحيح".
وتروي الشمري قصة عاملة المنزل الفيليبينية في بيتها التي جاءت إلى الكويت عام 1996، وعملت عند عائلتها بإخلاص وتفانٍ، وبنت حياتها في الكويت واعتبرت نفسها مستقرة فيها، ثم تفاجأت بأنها مشمولة بالقرار لأنها تبلغ 65 سنة، وباتت مهددة بالإبعاد من البلاد، رغم أنها مصابة بمرض السرطان منذ عام ونصف عام.
اللافت أنّ الحكومة الكويتية بحثت في تقديم استثناءات للوافدين الذين تجاوزت أعمارهم الـ60 ممن لا يحملون مؤهلاً يفوق الثانوية العامة، مع الأخذ بالاعتبار أنّ جزءاً كبيراً منهم يعيش مع أبنائه الموظفين في عدد من إدارات الدولة. لكن الهيئة العامة للقوى العاملة رفضت تقديم أية استثناءات، وشددت على ضرورة إخراجهم من البلاد. وشملت اقتراحات الاستثناءات أقرباء لأصحاب مهن ووظائف مهمة، مثل الأطباء والمهندسين والطيارين ومديري الشركات التنفيذيين، وكذلك أولئك الذين يملكون جدولاً محدداً لدخل الأبناء، لكن الهيئة زعمت أيضاً أنّ هذه الجداول "ستكون عرضة للتلاعب".
وانتقد الناشط سعود العنزي صمت نواب مجلس الأمة عن القرارات التي يصفها بأنها "مجحفة"، مؤكداً أنها غير مقنعة لكثيرين، لكنهم يخافون الحديث عنها بسبب تحميل قاعدة انتخابية قوية يمثلها تيار واسع، الوافدين مسؤولية ضعف الخدمات الصحية والبنية التحتية في البلاد. وقال العنزي: "يخافون قول كلمة الحق. سلمت 5 نواب تواقيع جمعتها لوقف القرار، وطالبتهم بالإدلاء بتصريح واحد في الصحف، لكنهم قالوا إن هذا أمر خطير، وإن الدفاع عن الوافدين قضية خاسرة. لكن هذه ليست الكويت التي نعرفها والتي كانت تستقبل الجميع بغضّ النظر عن انتمائهم". ووصف الاقتصادي عبد العزيز الكندري قرار إبعاد الوافدين ممن تجاوزت أعمارهم 60 عاماً بالقرار الاقتصادي الخاطئ، لأن الكثير منهم يملك رؤوس أموال كبيرة، إضافة إلى أن جزءاً آخر منهم لديه أبناء في الكويت ويعيش معهم، وعند اضطراره إلى الخروج، سيضطر أبناؤه إلى الخروج معه والذهاب إلى مدن خليجية أخرى، مثل الدوحة ودبي، وهو ما يعني فقدان الكويت للمزيد من الأيادي العاملة الماهرة.