كامل بلعاوي: أحفظ كل مكان عرفته في فلسطين

02 فبراير 2023
"ما زلت أتمنى العودة إلى فلسطين" (العربي الجديد)
+ الخط -

كان الحاج كامل أحمد بلعاوي في سن التاسعة عشرة عندما وقعت الحرب في فلسطين. وحين خرج أهله منها، كان يتلقى التدريب في معسكر خاص أقامه جيش الإنقاذ العربي في العاصمة السورية دمشق لمحاربة العصابات الصهيونية. ترك فلسطين شاباً في وقت كان يستعد للدفاع عنها حتى آخر نفس له، وشاء القدر أن يتركها ويعيش لاجئاً، لكنه مع مرور سنوات في بلاد اللجوء، ما زال يحلم ويتمنى العودة إلى فلسطين التي ولد وترعرع وعاش فيها أجمل أيام عمره رغم حال الفقر.
يقول الحاج كامل (94 عاماً) المتحدر من مدينة شفا عمرو بفلسطين، والذي يقيم في مخيم البداوي شمالي لبنان، لـ"العربي الجديد": كنت في التاسعة عشرة من عمري عندما خرجت من فلسطين، وأنا لم أتركها رغبة مني بذلك، ولم أهرب إذ كنت أتلقى تدريبات عسكرية في صفوف جيش الإنقاذ العربي لمحاربة العدو الصهيوني". يتابع: "تعلمت في فلسطين حتى وصلت إلى الصف الرابع الأساسي، لأن تعلم اللغة الإنكليزية كان أمراً صعباً جداً علينا. وفي ذلك الوقت، كنا نعيش حياة فقر، علماً أن والدي توفي حين كان عمري سنة واحدة، فاضطرت والدتي إلى العمل في زراعة القمح والشعير". ويخبر أن والده عمل في نقل حبوب العدس والفول والحمص وبيعها في المنطقة الشرقية بمدينة طبريا، كما كانت والدته تعمل منذ الصباح الباكر، وهو يصفها بأنها "كانت أمينة ومجتهدة في عملها، لذا كان أصحاب الأراضي يطلبون منها العمل لديهم".
ويقول إنه "عندما خرج الفلسطينيون من أرضهم، كنت قد ذهبت مع 25 شاباً فلسطينياً للتدرب في دمشق، والتحقنا بمعسكر لمدة 15 يوماً تدربنا فيه على القتال واستخدام السلاح. وبعد انتهاء التدريب العسكري، توجهنا إلى ترشيحا قرب الحدود اللبنانية، وقصدنا مكاناً مرتفعاً تبلغنا فيه بأن طائرة ستنقل الطعام والماء إلى العسكر الصهيوني عند الساعة الثالثة، فأخذنا مواقعنا وأتت الطائرة في الوقت المحدد، وما أن بدأت في إنزال الطعام والماء حتى فتحنا عليها نار أسلحتنا، ما حتم اختباء العناصر في الملاجئ. وبعد ذلك، أتانا أمر بالانسحاب من مواقعنا إلى مدينة صفد، حيث انضم إلينا عناصر عديدون من جيش الإنقاذ. وهناك بدأ العدو الصهيوني بقصفنا، فبقينا في أماكننا حتى أنشأنا خط دفاع لحماية أنفسنا، ثم انسحبنا إلى مدرسة موجودة في صفد بقينا فيها طوال الليل. وعندما طلع النهار، أتت طائرة وحلقت فوق وادي الليمون، وبسبب ذلك بدأنا في الانسحاب من صفد".

يضيف: "جرى نقلنا لاحقاً إلى الشام التي بقيت فيها حتى عام 1951، حين جرى تسريحنا من جيش الإنقاذ العربي ففتش كل عسكري عن أهله وذهب إليهم. وأهلي كانوا موجودين في بعلبك، فذهبت إليهم، وبقينا فيها 7 سنوات، ثم انتقلنا إلى شمال لبنان، إذ كان أخي لأبي يسكن في مدينة طرابلس، ويعمل في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فطلب منا المجيء إلى مدينة طرابلس لأن الحياة فيها أفضل من بعلبك. وبقينا في طرابلس مدة زمنية قليلة، ثم علمنا عام 1958 أن أونروا ستبني بيوتاً في مخيم البداوي، فسجلنا أسماءنا للانتقال إليها، ثم عملت إسكافياً في طرابلس، وحياتنا لم تكن مريحة في المخيم، وهو ما نعيشه حتى اليوم على صعيد خدمات المياه والكهرباء، وزادت الصعوبات أخيراً في ظل الظروف الحالية القاسية وغير الطبيعية في لبنان".
ويُخبر الحاج كامل أن شقيقيه يعيشان في الأردن، فيما ماتت أخته في فلسطين. ويعلّق: "فرقنا اللجوء، وعاش كل منا في بلد، ومع كل هذا الوجع والألم والبعد، ما زلت أتمنى العودة إلى فلسطين، اليوم قبل الغد، فأنا لا أنساها، وما زالت ذكرياتها عالقة في ذهني، وما زلت أحفظ طرقاتها وبيتنا وكل مكان زرته فيها، فأنا عشت فيها وكبرت وتعلمت فيها، لكن البريطانيين غدروا بنا وأعطوا اليهود حق بناء دولة على أرضنا، وطردونا منها لنصير لاجئين".

المساهمون