قبل شهر، أطلق محمد اهليل مشروعه "قهوة الفنانين" في قطاع غزة. واختار الاسم لكونه فناناً يقصده العديد من العاملين في القطاع الفني
على مقربة من النصب التذكاري للجندي المجهول غرب مدينة غزة، يقف محمد اهليل (33 عاماً) خلف عربته التي أطلق عليها اسم "قهوة الفنانين"، كونها تجمع الفنانين من مختلف محافظات قطاع غزة، من مخرجي مسرح وأفلام ودراما ومطربين وغيرهم. وكوّن هذا الشاب معارفه في هذا القطاع من خلال عمله في مجال التمثيل، وقد شارك في عدد من الأعمال الدرامية.
اهليل من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، أحب التمثيل المسرحي والدرامي منذ طفولته، وشارك في العديد من الأعمال المسرحية والفنية، لكنه لم يتمكن من إكمال تعليمه في المدرسة وقد أنهى المرحلة الإعدادية فقط، إذ إنه اضطر إلى العمل لمساندة أسرته. وبدأ يعمل في الخياطة وبيع الحلويات والذرة للأطفال.
يصف المنزل حيث يعيش في مخيم الشاطئ بـ "الرديء". هو عبارة عن ثلاث غرف فقط ويعيش فيه 16 فرداً، هم أشقاؤه وزوجاتهم وأطفالهم ووالده ووالدته. كان مراهقاً عندما بدأ التمثيل في عام 2004، وكان مولعاً بمشاهدة المسلسلات الدرامية العربية والفلسطينية والأردنية.
في ذلك الوقت، منحه المخرج المسرحي الفلسطيني شريف الحلبي فرصة التدرب على عرض مسرحي بعنوان "مدرسة المشاغبين" - نسخة فلسطينية، ونجح في اقتباس دور التلميذ المشاغب حينها، ثم رافق المخرج في الكثير من المسرحيات المتنقلة وحصل على تدريبات.
كما شارك في أكثر من 30 عرضاً مسرحياً وأربعة مسلسلات درامية أنتجت في غزة، وأعمال فنية أخرى مثل فيدو كليبات وفيديوهات توعوية وغيرها. لكنه ظل يعمل في مهن أخرى كعامل بأجرة يومية وغير ذلك، من دون التخلي عن الالتزام بالعروض المسرحية والحرص على التحضير لها جيداً.
بدأ العمل على العربة، حيث يقدم مشروبات ساخنة وبعض المأكولات قبل أربع سنوات. بداية، كان يعد المشروبات في ساحة ميناء غزة، وأصبح لديه العديد من الزبائن الذين يقصدونه دون غيره. وأحياناً، ينقل عربته إلى أماكن أكثر اكتظاظاً بالناس.
وقبل شهر، افتتح عربة جديدة أطلق عليها اسم "قهوة الفنانين"، واختار ساحة الجندي المجهول كونها أكثر حيوية من ميناء غزة، في ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا في القطاع. ويقول اهليل لـ "العربي الجديد": "كوني عملت في مجال الفن، وأحببت الفن والفنانين، أطلقت هذا الاسم على العربة". ويتحدث عن الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد، وقلة الفرص أمام العاملين في القطاع الفني، لافتاً إلى أن كثيرين لا يستفيدون مادياً من الفن. "فتحت هذا المشروع لتأمين الدخل الأساسي منه". يضيف: "يتردد عليّ فنانون وأدباء وموسيقيون وفرق شبابية ومواهب، يروحون عن أنفسهم في ساحة الجندي ويشربون المشروبات عندي".
عادة ما لا يتقاضى اهليل في غالبية الأعمال المسرحية والفنية الأخرى أي بدل مادي. في بعض الأحيان، يتقاضى مبلغاً مالياً رمزياً. وهذا ليس حصراً به. ففي القطاع، لا يحصل الفنانون على دعم من الجهات المعنية. كما أنه لا وجود لمسرح وطني ولا تقدم عروض مسرحية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان القطاع، والتي جعلت تأمين الغذاء أولوية.
يحفظ اهليل معظم المسلسلات الفلسطينية التي أنتجها تلفزيون فلسطين منذ تأسيسه عام 1994، عقب تكوّن السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو الذي وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 لتكون أداة مؤقتة للحكم الذاتي للفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويذكر مسلسل "ليالي الصيادين" الذي كان أول مسلسل درامي من إنتاج فلسطيني محلي منذ تأسيس السلطة، ومسلسلات "حارة أبو عواد" و"الدبوس" و"من كل بيت حكاية" و"أما عجايب" و"الصورة مش هيك" و"الأخوة الغرباء"، بالتعاون مع ممثلين أردنيين وفلسطينيين، وتم تصويره في غزة.
كما يذكر مسلسلات أردنية، من بينها "عليوة والأيام" و"طقس الحبايب" للفنان الأردني ربيع شهاب، والذي صور بعض لقطات من حلقاته في غزة. لكنه يشكو في الوقت الحالي من عدم الاهتمام بالفنان الفلسطيني، ويلاحظ أن الكثير من الفنانين تركوا المجال لعدم وجود أي أمان وظيفي أو استمرارية في العمل. يضيف: "الفن ثقافة المجتمع. يعالج الواقع الفلسطيني بنفس إيجابي. للأسف، المواطن لا يقبل على عروض المسرح لأنه فقير. نحن نعمل في إطار مشاريع ممولة من جهات خارجية تحرص على إطلاق مسرحيات هادفة تعالج مشاكل وقضايا عدة في قطاع غزة". يضيف: "يتابع الفنان مسيرته في وقت أعمل أنا على العربة وأقابل مختلف فئات المجتمع وأستمع إلى قصصها".