قمة "كوب 26"... المصالح السياسية تغلب تغير المناخ

02 نوفمبر 2021
تظاهرة في اسكتلندا تطالب بإحراز تقدم حقيقي حيال تغير المناخ (بيتر سامرز/ Getty)
+ الخط -

تأمل المنظمات الدولية المعنية بالمناخ في الحد من الأضرار التي تلحق بكوكب الأرض من جراء انبعاثات الغازات الدفيئة، على خلفية قمة "كوب 26" التي افتتحت أول من أمس في غلاسكو في اسكتلندا، بمشاركة العديد من زعماء دول العالم، من بينهم قادة دول مجموعة العشرين. هؤلاء ركزوا على الحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض بما لا يتجاوز الـ 1.5 درجة مئوية، وسط تحذير من عدم الالتزام بمحاربة ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تهدد، بحسب باحثين دوليين، 2.5 مليار إنسان بالعيش في ظل درجات حرارة مرتفعة لا تقل عن 29 درجة مئوية.
هؤلاء الباحثون والخبراء والمنظمات الدولية، من بينها منظمة "السلام الأخضر" (غرينبيس)، تأمل في الحد من آثار الكارثة التي تطاول حياة ومستقبل البشرية. وإذا كان قادة العالم، بمن فيهم الدول الصناعية الكبرى، خصوصاً المسؤولين بشكل رئيسي عن انبعاثات الغازات الدفيئة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، يسعون إلى السيطرة على ارتفاع درجات الحرارة بحلول عام 2050، إلا أن الأمم المتحدة تشير إلى أن البشرية لا تفعل ما يكفي لوقف ارتفاع درجات الحرارة بنحو 3 في المائة، بحلول نهاية القرن الحالي، وهو ما سيكون كارثياً بالنسبة لكثيرين.
عملياً، ووفقاً للتقارير البحثية المقدمة للأمم المتحدة، فإن التملص العالمي من اتخاذ خطوات تتجاوز مقررات اتفاق باريس للمناخ عام 2015، وحصر الاحترار المناخي بـ 1.5 درجة مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، لن يساهم في الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض. وبحسب أحد المشاركين في كتابة تقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، البروفسور ينس هيلبيرغ كريستنسن، من معهد "نيلز بور" في كوبنهاغن، فإن معظم الأبحاث والتوقعات تشير، بحسب العلماء، إلى أن الأرض ستواجه تطرفاً مناخياً يتطلب قرارات سياسية جريئة لمواجهة آثاره.

ذوبان الجليد البحري
كريستنسن، الذي تحدث على هامش قمة "كوب 26" لصحيفة "بوليتيكن" الدنماركية، يؤكد أن "الفجوة أكبر من أي وقت مضى، بين ما يجري وبين أهداف الدول". ويؤكد أنه من دون قرارات سياسية جدية، فإن الاحترار سيؤدي، خلال 30 إلى 40 سنة، إلى ذوبان الجليد البحري في المحيط المتجمد الشمالي. كما أن منسوب مياه البحار سيرتفع في القرن المقبل إلى أكثر من 7 أمتار، وسيؤدي إلى ارتفاع نسبة الانفجار السحابي إلى الضعف. كما أن درجات الحرارة سترتفع بنحو 3 درجات مئوية. وتحتاج البشرية، بحسب الباحثين، إلى "عصر جليدي" لاستعادة الطبقة الجليدية في القطب الشمالي إذا ما استمر المناخ في التدهور.

من جهته، يؤكد أحد أعضاء الفريق الدولي المعني بالتغيرات المناخية، سبستيان ميرنيلد، أن عواقب استمرار الوضع كما هو اليوم سيخلق المزيد من الجفاف العالمي والفيضانات وتطرفاً مناخياً. ويتفق ميرنيلد وكريستنسن في أن الفجوة تتوسع بين ما يجري وما تفعله البشرية. في هذا الإطار، يحذّر علماء من أن حصر درجة حرارة الأرض بـ 1.5 مئوية أمر نظري وغير واقعي من دون قرارات حاسمة لوقف الانبعاثات الضارة بالمناخ.
وما يحذر منه الباحثون والخبراء وصل صداه إلى قادة دول مجموعة العشرين في روما، قبل انتقالهم إلى غلاسكو. ولا يتعلق الأمر بما تشهده دول أوروبا الشمالية من فيضانات وغرق سواحل وارتفاع في درجات حرارة المدن الكبرى وغير ذلك، ولا بقدرة الدول على تلبية متطلبات اتفاق باريس للمناخ، بل بما ستؤول إليه حياة نحو 2.5 مليار إنسان، في ظل جفاف يتسبب فيه ارتفاع درجات حرارة، وهو ما يحذّر منه خبراء في علم المناخ، من بينهم مدير مركز المناخ في جامعة "آرهوس" الدنماركية، ينس كريستيان سفيننغ. ويهدد تغير المناخ الحياة في المناطق الاستوائية. ويوضح سفيننغ أن مليارات الناس سيعيشون في مناطق ذات حرارة لا تطاق، بسبب تغير المناخ المسؤول عنه الإنسان.

متظاهرون في روما يرفضون الصمت (ريكاردو دي لوسا/ الأناضول)
متظاهرون في روما يرفضون الصمت (ريكاردو دي لوسا/ الأناضول)

هجرة ولجوء مناخيان
وقبل أيام قليلة من انعقاد "كوب 26"، زادت حدة التحذيرات من ارتفاع نسبة الجفاف ودرجات الحرارة وتطرّف المناخ. وتحدث خبراء عن أن دولاً وشعوباً بأكملها، بما فيها دول عربية، ستجد نفسها في ظروف صعبة حيث يستحيل العيش. والتأثيرات السلبية لما سبق تتمثل في نشوء "هجرة ولجوء مناخيين". ويقدّر الباحثون أن استمرار الوضع على ما هو عليه، وإن بطموح خفض ارتفاع الحرارة، سيؤدي حتماً إلى نشوء هجرات جماعية، وهو ما يشكل قلقاً مضاعفاً لدى قادة بعض الدول التي لا ترغب في رؤية ملايين لاجئي المناخ.
وإذا كانت بعض الشعوب في المناطق الاستوائية، خصوصاً بالقرب من الغابات الاستوائية في الأمازون، تعيش في ظل حرارة 25 درجة مئوية، فإن الارتفاع إلى نحو 29 درجة مئوية سيؤثر على إمكانية العيش بالنسبة لشعوب كثيرة أخرى، وهو ما قد يتسبب في كثير من النزوح في مجتمعات تعاني أصلاً فقراً وتأخراً اقتصادياً، وبعضها يتحمل أقل النسب المئوية في تغير المناخ. وذهبت لجنة الأمم المتحدة للمناخ في آخر دراساتها إلى التحذير من سيناريو أسوأ، بافتراض أن من سيتأثرون بالتغيرات المناخية والعيش في درجة حرارة 29 مئوية قد يصلون إلى 3.5 مليارات إنسان.
وتشير أبحاث علماء ومتخصصين في البيئة والمناخ، ظلت لسنوات طويلة، من أن الإنسان تسبب في أضرار خلال 100 سنة بما لم يتسبب فيه البشر خلال 6 آلاف سنة، إذ كان معظم البشر يعيشون في مناطق متوسط درجة حرارتها ما بين 11 و15 مئوية، وقلة عاشت في متوسط حرارة بين 20 و25 درجة مئوية. ومعظم المناطق التي شهدت أضراراً كبيرة في مناخها، مع الأخذ بعين الاعتبار فقرها وتأخرها في مجالات الصناعة، سينجم عنها محاولة 1.5 مليار إنسان الهجرة من مناطقهم، وهو رقم مهول بالنسبة للدول الأكثر تقدماً، والتي تخشى من موجات هجرة إليها.

تظاهرة في بلجيكا تطالب بإنقاذ الكوكب (دورسون أيديمير/ الأناضول)
تظاهرة في بلجيكا تطالب بإنقاذ الكوكب (دورسون أيديمير/ الأناضول)

ناقوس الخطر
الأمم المتحدة، التي قرع خبراء وباحثون يعملون في وكالاتها، ناقوس الخطر حيال التراخي السياسي الذي ظهر خلال القمم المناخية السابقة، والتي تحذو حذوه القمة الحالية في غلاسكو، في ظل عدم مشاركة البعض واكتفاء آخرين بالالتزام بما تقرر في اتفاقية باريس، تجدد تحذيراتها من أن يؤثر تغير المناخ على 19 في المائة من الأرض حتى عام 2070، أي على حياة 3.5 مليارات إنسان، أو ما يقرب من ثلث سكان العالم حينذاك. وكان هؤلاء الباحثون نشروا، في وقت سابق من العام الحالي، بحثاً دولياً في مجلة "Pnas" العلمية حذروا فيه من سيناريو يجمع ما بين التغيرات المناخية والنمو السكاني، بالاعتماد على بيانات تعود إلى 6 آلاف سنة خلت. ويؤكد هؤلاء أن درجات الحرارة، ومن دون تدخل عالمي جاد، ستتغير خلال العقود المقبلة أكثر مما حصل خلال آلاف السنين الماضية. على سبيل المثال، فإن دولاً في الخليج العربي والهند وفنزويلا والبرازيل والبيرو والسودان وإريتريا وإندونيسيا وباكستان والفيليبين، ستصبح الحياة فيها غير ممكنة في نهاية القرن الحالي. وعلى الرغم من أن الباحث سفيننغ يرى أنه يمكن للدول العربية الغنية فعل شيء لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة إلا أن دولاً أخرى كثيرة لا تملك الموارد لمواجهة كوارث القطاعات الزراعية واستحالة العيش في المدن الكبيرة".
ما تشهده بعض الدول من ارتفاع كبير في درجات الحرارة، والذي تسبب في حرائق وجفاف غير مسبوقين، يعني أن بلداً مثل الهند سيعرف الجحيم، وستزداد الأجواء سخونة، وبالتالي سيصبح العمل في أي مهنة لا يطاق، عدا عن تضرر القطاع الزراعي، ما يعني المزيد من الجوع والفقر والموت، وبالتالي النزوح والهجرة.

مسؤولية عالمية 
لا يبدو أن قمة "كوب 26" للمناخ ماضية إلى تبنّي ما هو أبعد من بيانات طموحة، في وقت يبدو أن سقف اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 هو الهدف، مع غياب الجدية خلف الكواليس. وقبل توجّه القادة إلى القمة، أدلى الرؤساء بالكثير من التصريحات، مع اختلاف واضح بين الراغبين في إسكندنافيا بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري بنسبة 70 في المائة، من بينها الدنمارك، وذلك حتى عام 2070، وبين دول أخرى. إلا أن التزام دولة أو مجموعة دول، سواء تعلّق بمستوى الوعي الشعبي أو القدرة، لا يمكن أن يجابه التحولات العالمية الخطيرة، في ظل رفض الدول الكبيرة والمتسببة في الأضرار على التخلي عن أنانيتها ومصالحها القومية، وعدم الاكتراث لمستقبل البشر.

وتطرح بعض الدول في "كوب 26"، ومن بينها تلك التي تعتمد سياسات للتحول الأخضر كدول الشمال الأوروبي، تخصيص نحو 100 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً للتحول الأخضر. وفي الاقتراح استعادة لما طرح في قمة كوبنهاغن المناخية (كوب 15) عام 2009، ما يعني أن سنوات كثيرة مرت من دون أن تتخذ الدول خطوات جدية لمواجهة الانعكاسات السنوية التي يستشعرها الناس في كل مكان. ويرى الناشطون وخبراء المناخ أن ما تشهده دول عدة من فيضانات وحرائق وارتفاع في درجات الحرارة ينذر بالشؤم، وتتطلب الأمور وقفة تتجاوز ما ساد في سبعينيات القرن الماضي، حين كانت سفن الدول الصناعية تضرب بيد من حديد ناشطي "غرينبيس"، الذين دقّوا مبكراً ناقوس خطر انبعاثات الغازات الدفيئة.
صحيح أن وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأميركية وإعلانه الالتزام باتفاقية باريس للمناخ أعطى أملاً، إلا أن عدم التزام قادة دول تسببت في أكبر نسبة من انبعاثات الغازات الدفيئة، على غرار الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، وغيرهما، يؤدي إلى تراجع العمل عالمياً على الحد من الاحتباس الحراري، ويجعل الأمر خاضعاً لمفاوضات ومساومات تضع المناخ ومستقبل الأجيال رهن الصراع السياسي.

جداول محددة
إلى ذلك، عندما ألقى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون كلمته الافتتاحية، أمس الإثنين، في مؤتمر غلاسكو، أشار إلى أنه لا مزيد من الآمال، بل يجب أن تكون هناك جداول محددة على الطاولة. وبين الخطاب الافتتاحي، المحذّر من جدية التغير المناخي وذوبان الجليد والأمطار الشديدة والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، وحقيقة ما ناقشه الساسة، يبدو أن الجدية بعيدة. فتمركز النقاش على ضرورة الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة بـ 1.5 درجة يعيد إلى الأذهان مؤتمرات المناخ، بدءاً من مؤتمر برلين ثم باريس والآن غلاسكو. إذ أن جميع الخطابات ركزت على "وجوب التحرك الآن".

لا بديل عن احترام الكوكب (لان فورثيس/ Getty)
لا بديل عن احترام الكوكب (لان فورثيس/ Getty)

وحتى علماء المناخ المصدومون بنتائج التغير المناخي خلال السنوات الماضية، يبدون أكثر يأساً من ألاعيب السياسة العالمية، المليئة بالأنانية القومية ومصالح الشركات العابرة للجنسيات وغير المكترثة بما تتسبب فيه، سواء تلك التي تعامل شعب غابات الأمازون الأصليين كشعب دخيل لشق الطرقات والتنقيب عن الموارد وإقامة مصانع بعد قطع آلاف الأشجار من غابات معروف بأنها "رئة العالم". وها هي قمة غلاسكو ماضية أيضاً في استعادة الخطابات نفسها في ظل غياب إرادة حقيقية للتوقف وتغيير جدي وحاسم.

ويأمل مراقبون أن يعطي اجتماع قادة مجموعة العشرين، وهي الدول التي تمثل 80 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، زخماً قوياً لقمة "كوب 26" المنعقدة في غلاسكو، بعدما تأجّلت لمدة عام من جرّاء وباء كورونا.
وأعربت كبرى اقتصادات مجموعة العشرين عن التزامها بحصر الاحترار المناخي في حدود 1.5 درجة مئوية، الهدف الأكثر طموحاً لاتفاقيّة باريس، لكن من دون أن تحدد أية إجراءات لذلك. كما اتفقت على وقف تمويل محطات جديدة تعمل بالفحم في مختلف أنحاء العالم بحلول أواخر عام 2021. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على "تويتر": "في وقت أرحّب بتأكيد مجموعة العشرين التزامها بحلول عالمية، أغادر روما بآمال لم تتحقق وإن كانت لم تُدفن على الأقل".

وتفيد الأمم المتحدة بأنه حتى وإن تم الإيفاء بالالتزامات الحالية للموقّعين على اتفاقية باريس للمناخ، فسيؤدي ذلك إلى احترار "كارثي" بـ2.7 درجة مئوية. وقال رئيس القمة، ألوك شارما: "مؤتمر كوب 26 يمثّل الأمل الأخير والأفضل لإبقاء (هدف) 1.5 درجة مئوية ممكناً. إذا تحرّكنا الآن وتحرّكنا معاً، فسيكون بإمكاننا حماية كوكبنا الغالي".
يشار إلى أنّ مشاركين رئيسيّين يغيبون عن القمة مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي لم يغادر بلاده منذ بدء جائحة كورونا. وطرحت الصين التي تسجّل أكبر كمية من انبعاثات غازات الدفيئة أهدافاً جديدة لخفض الانبعاثات، اعتبرها خبراء كثر غير طموحة. ويغيب كذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تعتبر بلاده من كبار الملوّثين في العالم، فضلاً عن البرازيلي جايير بولسونارو المتّهم بالسماح بقطع أشجار الأمازون بشكل كثيف، والتركي رجب طيب أردوغان الذي تعتبر بلاده من البلدان الصناعية المهمة.

المساهمون