قلعة دوبية... ذكريات صبا اللبنانيين في انتظار الترميم

17 يونيو 2023
تقع قلعة دوبية في موقع قريب من الحدود مع فلسطين (العربي الجديد)
+ الخط -

"دوبية" هي قلعة تاريخية منسيّة ومهملة في بلدة شقرا بقضاء بنت جبيل عند الأطراف الجنوبية من لبنان، متجذّرة في الأرض رغم مرور أكثر من ألف عام. تتمركز على موقع يشرف على عدد من التلال والأودية، وجمعت طوال قرون قوافل التجّار والزوّار والفاتحين، مستفيدة من موقع استراتيجي يبعد كيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلة.

تعيد كثير من الروايات والوثائق تاريخ القلعة إلى العهد الروماني، وتشير إلى أنها بُنيت على آثار قلعة رومانية، في حين ينفي الخبير في تصدع الإنشاءات والترميم يوسف حمزة هذا الأمر، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا وجود لأيّ أثر روماني في القلعة، فالرمز المصري الأثري المعروف هو حجر عليه شكل لوتس، والرمز الإغريقي حجر عليه نقش في الأعلى، لذا يمكن القول إنها قلعة صليبية مائة في المائة".
يتابع حمزة: "يُعيد كثيرون تسمية القلعة إلى القائد الصليبي فرنسوا دي بويون، ومع الوقت بات اسمها دوبية، ويبلغ طولها 125 متراً وعرضها 80 متراً، وتتألف من ثلاثة طوابق، علماً أن القصف الإسرائيلي عام 1972 دمّر طابقها الثالث، أما الطابقان الآخران فيحتويان على نحو 30 غرفة إضافة الى بئر يعرف بالمشنقة، ومطبخ كبير ما زالت معالمه شبه واضحة. وخارج القلعة هناك خزان ضخم للمياه محفور بالصخر، وعدد من الآبار، وعدد من النواويس، وقد سكنتها تاريخياً عائلات من بلدة شقرا، واليوم باتت ملكيتها تعود إلى البلدية".

ويشرح محمد عاشور، وهو أحد أبناء البلدة المهتمين بالقلعة، لـ"العربي الجديد"، أنه تُحيط بها وديان من ثلاث جهات، ويمكن الوصول إليها فقط من الجهة الجنوبية التي تشكل مدخلها الرئيسي، والبوابة الرئيسية محصّنة ضد الهجمات، إذ تتضمن فتحة تصل إلى أعلى القلعة الذي يُرمى منها زيت ساخن على الأعداء لدى محاولتهم اقتحامها.
وأورد كتاب "خطط جبل عامل" للسيد محسن الأمين في باب القلاع والحصون، أن "قلعة دوبية استخدمت في تاريخ لبنان المعاصر، فكانت ملجأ الأمير يونس المعني وولديه ملحم وحمدان من وجه الكجك أحمد باشا والي صيدا حين زحف بعساكره لمحاربة أخيه فخر الدين الذي فرّ إلى قلعة شقيف، ثم جددتها عائلة علي الصغير في عهد ناصيف بن نصار وسكنت فيها في بناء يبدو جلياً أنه يختلف عن البناء الأصلي للقلعة. كما جدد بناءها الشيخ ظاهر بن نصار النصار، ابن أخ ناصيف النصار من آل علي الصغير، وحين أنجز العمل عام 1163 هجرية صعد إلى أعلى القلعة ليشاهد مناظرها فسقط ومات. وقيل أيضاً إنها كانت مقر مراد النصار في عهد أخيه ناصيف النصار، وبعده مقر ابنه قاسم المراد".

حضور مميز لقلعة دوبية في تاريخ لبنان المعاصر (العربي الجديد)
حضور مميز لقلعة دوبية في تاريخ لبنان المعاصر (العربي الجديد)

وحالياً يقتصر زوار القلعة على أبناء البلدة والجوار الذين لديهم ذكريات فيها، بحسب ما يقول ابن البلدة محمد محمود العلي، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "تعتبر القلعة استراحة لكل أبناء جبل عامل الذين لديهم ذكريات فيها، إذ كانت الملاذ الآمن للعب واللهو في مرحلة الصبا، وكان مسؤولو المدارس يأخذون الطلاب في رحلات إليها".
ومن زوار القلعة أيضاً لبنانيون يعرفونها وبعض السيّاح، لكن هناك مخاوف من احتمال تعرضهم إلى مخاطر مثل السقوط أو الانزلاق أو سقوط حجارة عليهم أو انهيار أجزاء في ظل عدم توفر الحد الأدنى من إجراءات الحماية، وعدم وجود أي حراس أو دليل. 

زوار القلعة لبنانيون يعرفونها وبعض السيّاح (العربي الجديد)
زوار القلعة لبنانيون يعرفونها وبعض السيّاح (العربي الجديد)

ويرى يوسف حمزة أنه "يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب ذلك من خلال استقدام حرفيين وعمال مهرة في مجال العمل ببناء الحجارة والصخر، وكذلك وضع الركائز والسقالات، وإزالة الأعشاب والأشجار التي تزيد تخلخل الجدران والبناء، وسدّ الفراغات باستعمال أحجار شبيهة بالموجودة، وذلك في انتظار ترميم القلعة بالكامل. ترميم القلعة سهل، ولا يستدعي الصراع بين مديرية الآثار وبلدية شقرا، لأن القلعة ملك البلدية، وسبق أن قدّمنا دراسة حول مشروع تعاوني لترميمها إلى البلدية، وإلى رؤساء بلديات أتحاد بلديات بنت جبيل، بهدف ضمان سلامة القلعة وإعادة الزوّار إليها، وهم أرسلوها بدورهم إلى وزارة الثقافة التي قدمتها إلى الفرنسيين الذين أرسلوا بعثة للمساهمة في المشروع التعاوني بإشراف المديرية العامة للآثار".

وكان حمزة قد اقترح على بلدية شقرا أن تصبح القلعة مركزاً لاتحاد بلديات بنت جبيل، وهو يرى أن "القلعة لا تتأثر كثيراً بالزلازل نتيجة تصميمها، وقد عرفت مناطق جنوب لبنان عموماً ثلاثة زلازل، كان آخرها بقوة 5.6 درجات على مقياس ريختر في عام 1956، وارتبط بفالق روم في منطقة جزين، وضرب منطقتي شحيم والنبطية. وعموماً لا تأثير للزلازل إلّا عندما تتحرك الصفيحة الأفريقية عن الصفيحة العربية".

المساهمون