قطاع صحي منهك في ريف دير الزور

26 سبتمبر 2022
سوريون يعالجون في مشفى الكسرة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

كانت مناطق ريف دير الزور آخر المناطق التي تحصّن فيها تنظيم "داعش" في شرق سورية، قبل أن تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بدعم من التحالف الدولي في مارس/ آذار 2019، لكن رغم مرور كل هذا الوقت، تعاني المنطقة من ضعف واضح للقطاع الصحي، ما يجبر الأهالي على قطع مسافات طويلة لتلقي العلاج.
وتبرر المنظمات الإنسانية عدم عملها على إنشاء أو دعم مشروعات صحية في المنطقة بذريعة الواقع الأمني المتردي، والخوف من تجدد هجمات خلايا التنظيم، في حين لا توفر "الإدارة الذاتية"، المسؤولة إدارياً عن المنطقة، خدمات الصحة بالشكل المطلوب.
ويعزو الناشط فواز المرسومي سوء الواقع الطبي في المنطقة إلى عدة أسباب، من بينها هجرة الأطباء أصحاب الخبرة، وقلة المشافي والمراكز الصحية مقارنة بعدد السكان. يقول لـ"العربي الجديد": "أحيانا تُضطر سيارة الإسعاف إلى قطع مسافة 39 كيلومترا للوصول إلى أحد المشافي، وبعض الأهالي يضطرون إلى الذهاب إلى مشافي مدينة دمشق، أو مدينة حلب، لتلقي العلاج".
وتوجد في المنطقة مراكز صحية ومشافٍ عامة وخاصة، لكن جودة الخدمات متفاوتة فيها وفقا للجهة الممولة، أو الجهة المشغلة لها، ويوضح الطبيب محمد رواد، لـ"العربي الجديد"، أن "مستوى الخدمات يختلف من مشفى إلى آخر، ومن منطقة إلى منطقة، فمشفى المدينة في منطقة المعامل يقدم خدمات كثيرة مجانية، منها خدمات الإسعاف والتصوير الشعاعي والتحليل، ويضم عيادات داخلية وأطفال وأوبئة، أما مشفى الكسرة فيضم مركزاً للغسيل الكلوي، ومشفى أبو حمام تجرى فيه عمليات توليد، كما يضم وحدة غسيل كلى، وقسم إسعاف، ومشفى الشحيل تجرى به عمليات جراحية، ويضم قسم توليد، وقسم إسعافات أولية، وتحاليل، ومعاينات، ويملك محطة أوكسجين".
ويشير الطبيب السوري إلى أن "مشفى هجين الذي دخل الخدمة حديثاً يضم أجهزة طبية متطورة، وفيه بنك دم، أما مشفى الصور فيوفر خدمات الإسعاف والتحاليل والمعاينات. لكن عدد العيادات مقارنة بأعداد السكان محدود للغاية، وأعداد الكوادر الصحية أيضاً لا تتناسب مع عدد السكان". 
وهناك تفاوت في مستوى الخدمات الطبية في دير الزور بين الريف الغربي والريف الشرقي، فاهتمام المنظمات الإنسانية يتركز على مشافي ومراكز الريف الغربي باعتبارها أكثر استقراراً، في حين كانت مناطق الريف الشرقي آخر معاقل تنظيم "داعش" في المنطقة، وما زالت ينظر إليها على أنها بيئة عمل خطرة. 

لكن بعض المنظمات المحلية تحاول كسر هذه الصورة النمطية بهدف تحسين الواقع الصحي، ويبين الطبيب عبد الله محمد، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، لـ"العربي الجديد"، أن خدمات الرعاية الأولية تقدم للأهالي في المراكز الصحية بالمنطقة، وهي مدعومة من جمعية "سوسن"، وتضم عيادات شاملة، وولادة، مشيراً إلى وجود مراكز صحية تابعة لهيئة الصحة في "الإدارة الذاتية"، لكن "الأداء فيها ضعيف". 
وأضاف أن "منظمة (العمل من أجل الإنسانية) قالت إنها ستفعل قسم الأطفال وقسم العمليات القيصرية في مشفى هجين، وهناك عمليات جراحية تجرى بدعم منها في مشفى الشحيل. في حين أن هناك 12 مشفى خاصا في عموم ريف دير الزور الخاضع لسيطرة قوات (قسد)، والأسباب الرئيسية لضعف القطاع الصحي تعود إلى تردي الوضع الأمني، وهجرة الكفاءات الطبية، وقلة الدعم، ففي الريف الشرقي، يقتصر دعم 5 مراكز صحية على جمعية (سوسن)، وبقية المنظمات تخشى العمل في المنطقة بسبب الوضع الأمني، على عكس الوضع في الريف الغربي، حيث هناك 4 منظمات تدعم مشفى الكسرة".

جودة العلاج في مشافي ريف دير الزور متردية (دليل سليمان/فرانس برس)
جودة العلاج في مشافي ريف دير الزور متردية (دليل سليمان/فرانس برس)

بدوره، يشير الناشط عهد الصليبي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "المشافي والمراكز الصحية موجودة، فهناك مشفى في هجين، ومشفى آخر في الشحيل، وأغلب سكان الريف يتجهون إلى مشافي البصيرة والشحيل وهجين، لكن المنطقة خارجة لتوها من الحرب، وتعاني من تبعاتها، وبالتالي فهي بحاجة إلى مشافٍ كبيرة ومتطورة، والمشافي الحالية بالكاد تسد الحاجة، كما أنه لا وجود لمختبر للكشف عن الكوليرا في ريف دير الزور". 
وخلال العام الماضي، عاشت بلدات أبو حمام والكشكية وغرانيج والباغوز والشحيل والبصيرة أزمة من جراء نقص أسطوانات الأوكسجين، والكمامات والمواد المعقمة، ومعدات حماية الفرق الطبية من فيروس كورونا.

ويرى السكان أن تطوير المراكز الصحية في المنطقة يحتاج إلى وقت، وهذا يفرض تحمل الكثير من الضغوط في الواقع الحالي، ويقول عبيدة العواد، لـ"العربي الجديد"، إن "معظم المراكز الصحية مزدحمة، ويجب الذهاب مبكراً لمعالجة أحد الأبناء أو الحصول على علاج، وإلا فلن يتمكن الطبيب من إجراء المعاينة، والأهالي يتحملون كل هذا كما تحملوا في السابق الكثير من المشاكل الأمنية والمعيشية، لكن ينبغي العمل على إنشاء عدد أكبر المراكز الطبية، وتوفير عدد أكبر من الأطباء، خاصة في المستوصفات". 
وأنهت "الإدارة الذاتية" مشروع تأهيل مشفى الفرات في منتصف عام 2021 الماضي، وهو المشفى العام الأول في ريف دير الزور الشرقي، وقالت إنه من المقرر أن يقدم خدماته لأكثر من 600 ألف من أبناء المنطقة، وبدأت عملية الترميم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بعد أن تعرض المشفى لأضرار خلال فترة سيطرة تنظيم "داعش"، والمعارك التي دارت لإخراجه من المنطقة.

المساهمون