استمع إلى الملخص
- "أونروا" ومؤسسات دولية تواصل دعم النازحين رغم الدمار الشديد وانقطاع الخدمات الطبية بسبب القصف المستمر.
- الهجوم يبرز العنف المستمر ضد المدنيين في غزة ويدعو للتدخل الدولي لحماية المدنيين وضمان أمانهم في ظل الصراع.
ارتفاع حصيلة المجزرة إلى 45 شهيداً وعشرات المصابين
مخيم البركسات يضم نحو 80 خيمة ويؤوي أكثر من ثلاثة آلاف نازح
كان العديد من أسر الضحايا ينتظر توفير مكان إيواء لمغادرة المخيم
نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة بحق النازحين في منطقة شمال غربي مدينة رفح، التي خُصصت لإقامة خيام للنازحين بعد تزايد أعداد الفارين من أنحاء القطاع إلى رفح.
يطلق على المنطقة التي قصفها الاحتلال في رفح، مساء الأحد، اسم "مخيم البركسات" لأنها تضم مراكز إيواء كبيرة مكونة من ألواح "الزينكو"، أُنشئت لاستيعاب أعداد أكبر من النازحين، وهي بعيدة عن التجمعات السكنية، وتصنف ضمن "المناطق الإنسانية"، وتعتبر المنطقة الوحيدة التي شملتها خريطة نشرها جيش الاحتلال للمناطق المسموح بوجود النازحين فيها.
تضم المنطقة ما لا يقل عن 80 خيمة، وتؤوي أكثر من ثلاثة آلاف نازح، وقبل العملية العسكرية على رفح، كان فيها نحو 10 آلاف شخص في مساحة لا تتجاوز 10 دونمات (الدونم الواحد يساوي ألف متر مربع تقريباً). وكانت تشرف عليها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي أنشأتها بعد امتلاء جميع مدارس مدينة رفح بالنازحين، كما كانت تضم نقطة طبية على شكل خيمة.
ورغم مغادرة عناصر وكالة أونروا مناطق عديدة من مدينة رفح نتيجة استمرار القصف الإسرائيلي، إلا أن زياراتهم إلى المنطقة ظلت يومية، فضلاً عن زيارات من مؤسسات دولية مثل برنامج الأغذية العالمي.
وبلغت حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي على المخيم النازحين 45 شهيداً، بحسب وزارة الصحة في غزة، من بينهم 23 من النساء والأطفال وكبار السن، إضافة إلى إصابة أكثر من 249 آخرين، وقالت "أونروا"، إنها لا تملك أية إمكانية للاتصال بموظفيها في المنطقة. "لا نقدر على تحديد موقعهم، ونحن قلقون للغاية على سلامتهم هم وجميع النازحين. لا يوجد مكان آمن، ولا أحد بأمان في غزة".
يضم مخيم البركسات نحو 80 خيمة ويؤوي أكثر من ثلاثة آلاف نازح
ولم يتمكن النازحون من نقل مصابي المجزرة إلى أي مستشفى قريب، فمستشفى أبو يوسف النجار خرج من الخدمة بسبب تواصل القصف الإسرائيلي على المنطقة الشرقية من مدينة رفح، ويبعد مجمع ناصر الطبي أكثر من ساعة، ولا توجد وسائل نقل بالتزامن مع محدودية عمل جهاز الإسعاف.
نجا أحمد أبو زيادة (38 سنة) من مجزرة النازحين، لكن ابنته سمية (10 سنوات) أصيبت بجروح، وقُدمت الإسعافات الأولية لها في المكان مع العديد من المصابين الآخرين الذين صنفت إصاباتهم بين بسيطة ومتوسطة لعدم القدرة على نقلهم إلى أي مستشفى، على أن يُتابَع علاجهم في أحد المراكز الصحية القريبة العاملة في حال وجود مضاعفات.
في وقت القصف، كان أبو زيادة داخل مكان الإيواء، وتطايرت ألواح الزينكو من حوله، بينما كانت طفلته في الخارج، ما تسبب في إصابتها، وبعد أن أخمد الناس الحريق بمساعدة بعض طواقم الدفاع المدني التي حضرت إلى المكان، اكتشف أنه مصاب بجروح طفيفة، وهو لا يعرف حالياً إلى أين يذهب، ومثله أفراد عشرات العائلات التي تضررت من القصف، وهم ينتظرون بالقرب من المكان حتى تؤمن أماكن جديدة لهم، سواء في منطقة المواصي أو في دير البلح.
يقول أبو زيادة لـ"العربي الجديد" إن "المنطقة بعيدة عن المناطق السكنية، ولا يوجد فيها مسلحون، لذا نزحت إليها بحثاً عن الأمان بعد النزوح سبع مرات منذ بداية الحرب للحفاظ على أرواح أبنائي. لكن يبدو أنه لا يوجد مكان آمن من القصف. انتُشل كثير من الجثامين، وجميع مع استشهدوا مدنيون، وحالهم مثل حالنا. في لحظة القصف، شاهدت جثامين شهداء محترقة، وشاهدت البعض يحملون أطرافاً بشرية مقطعة نتيجة القوة التدميرية الكبيرة. كان الجميع يحاول مساعدة طواقم الدفاع المدني التي كانت تحاول إخماد الحرائق بإمكانياتها المحدودة للغاية، وقمنا بجلب الرمال من منطقة السواتر الرملية لاستخدامها في إطفاء الحريق". يضيف: "حولت شدة القصف السماء إلى اللون الأحمر، والخيام تطايرت في كل مكان. كنا نعيش طوال الأيام الأخيرة في خوف وقلق متواصلين، وكانت طائرات الاستطلاع فوقنا في معظم الأوقات، كما نعاني من قلة الطعام والشراب، ومن بين الشهداء مرضى كانوا ينتظرون السفر لتلقي العلاج في الخارج، وآخرون مصابون بأمراض مزمنة".
كان العديد من أسر الضحايا ينتظر توفير مكان إيواء لمغادرة المخيم
حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي ترويج أنه استهدف موقعاً يتبع حركة حماس، لكن الصور ومقاطع الفيديو التي توثق القصف انتشرت بشكلٍ كبير، وأكدت أن المنطقة كانت أرضاً خالية خصصت لإيواء النازحين، ولم تكن منطقة سكنية في السابق حتى تمكن إقامة منشآت عسكرية فيها. وقبل القصف، كان العديد من أسر الضحايا ينتظر توفير مكان إيواء لمغادرة "مخيم البركسات"، الذي يقع في منطقة يمكن أن يطاولها الاستهداف الإسرائيلي أثناء العملية العسكرية على مدينة رفح، وكان الناس لا يشعرون بالأمان رغم أن الاحتلال كان يصنفها "منطقة آمنة".
كان محمد حمادة من بين الذين يبحثون بشكلٍ متواصل عن مكان للنزوح بعيداً عن مدينة رفح، وقد خسر شقيقه عبد الله (24 سنة) في القصف، وأُخرج جثمانه أشلاء محترقة بعد بحث استمر ساعات، وتعرف على الجثمان من خلال خاتمه الذي كان يضم حجراً أسود، والذي وضعه معه في الكفن بعد جمع الأشلاء.
يقول حمادة لـ"العربي الجديد": "كنا نتوقع أن نُستهدف في أي وقت، والجميع في قطاع غزة لا يشعرون بأي نوع من الأمان. القصف دمر مخيم البركسات بالكامل، وهو ليس هدفاً عسكرياً، بل خيام تضم أناساً كانوا آمنين. استشهد شقيقي، وقضيت ساعات في جمع أشلاء جسده، كما استشهد معه صديقه المقرب الذي رفض النزوح مع عائلته إلى منطقة المواصي".
أصيب جهاد أبو موسى (30 سنة) في الرأس، وأصيب جميع أفراد أسرته المكونة من خمسة أشخاص بإصابات متوسطة، في حين تعرضت والدته لإصابة خطيرة، ونقلت لتلقي العلاج في مركز صحي بالمنطقة الغربية من مدينة خانيونس، كما تعرضت شقيقاته لإصابات متوسطة، وعولجن في نقطة طبية قريبة.
يقول أبو موسى لـ"العربي الجديد": "في الليلة التي سبقت القصف، كنا نتحدث بنوع من التفاؤل عن قرب انتهاء الحرب، وكان عدد من الحاضرين يحلمون بالعودة إلى منازلهم، لكنهم استشهدوا أو أصيبوا، ومن بينهم والدتي التي كانت تحلم بالعودة إلى منزلنا، والتي أخبرني الأطباء أن هناك إمكانية لبتر يدها، وأنها بحاجة إلى السفر للعلاج في الخارج لإنقاذ يدها، بينما معبر رفح مغلق، والإمكانات الطبية محدودة في قطاع غزة".
من جهته، يؤكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة توثيق استهداف الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 10 مراكز نزوح خلال 24 ساعة، جميعها تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، وتقع في مخيم جباليا ومخيم النصيرات ومدينة غزة ومدينة رفح، وهي مناطق تتكاثر فيها مراكز النزوح التي تؤوي عشرات آلاف النازحين المدنيين، وغالبيتهم من الأطفال والنساء، وكانت آخرها المجزرة المُروّعة التي وقعت في مركز بركسات "أونروا" في شمال غرب محافظة رفح.
يقول الثوابتة لـ"العربي الجديد": "كرر الاحتلال التعليمات بعدم الوجود في المناطق التي يصنفها غير آمنة، وقمنا بتحذير المواطنين من البقاء في تلك المناطق حتى لا يكون ذلك حجة لاستهدافهم، لكن منطقة البركسات كانت ضمن المناطق التي اعتبرها جيش الاحتلال آمنة، والتي دعا المواطنين والنازحين إلى التوجه إليها، ورغم ذلك، قام بقصفها وقتل وإصابة العشرات فيها. حتى مساء الأحد الماضي، سجلنا أكثر من 190 شهيداً في جباليا والنصيرات وغزة ورفح، في وقت يتواصل هجوم الاحتلال على جميع محافظات القطاع".
يضيف: "قصف الاحتلال مركز إيواء النازحين بأكثر من سبع قنابل كبيرة تزن الواحدة منها نحو 2000 رطل من المتفجرات، وكان هذا واضحاً من القوة التفجيرية في المكان، وكذلك الحريق الهائل الذي خلفه القصف، وهذا يظهر نية القتل، فالاحتلال يعلم من هم الموجودون في هذا المكان، لكن هناك سبق إصرار وترصد لارتكاب الجريمة. وتيرة المجازر الإسرائيلية ارتفعت في الأيام الأخيرة بشكلٍ كبير، وهذا يعطي دلالة واضحة على تحدي الاحتلال الإسرائيلي وداعميه في الإدارة الأميركية قرارات المحاكم الدولية، والقانون الدولي الإنساني، بدليل كل هذه المجازر التي ارتكبت بعد قرار محكمة العدل الدولية".
وحمّل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية والدول المنخرطة في دعم جرائم الاحتلال المسؤولية عما تخلفه حرب الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، والتي خلفت أكثر من 120 ألف ضحية، بينهم أكثر من 36 ألف شهيد، وأكثر من 80 ألف جريح، وأكثر من 10 آلاف مفقود.