في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، أجرت "بي بي سي" البشتوية لقاءً مفصّلاً مع وزير المالية في حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، خالد باينده، خلال قيادته سيارة أجرة من أجل كسب لقمة العيش وإعالة أولاده الموجودين معه في العاصمة الأميركية واشنطن. حاله لا يختلف عن أحوال الآلاف الذين هربوا من البلاد بعد سيطرة حركة "طالبان" للعمل في الخارج، وإن في مهن لا علاقة لها بتخصصاتهم. في المقابل، يواجه الكثير من الذين بقوا في البلاد البطالة.
يقول باينده إنّ المردود المالي الذي يتقاضاه لا بأس به، لافتاً إلى أن الوضع في بلادنا صعب جداً، ويواجه الشباب مشاكل كثيرة، إلا أن الحياة تستمر، وعلينا أن نستمر معها. ويوضح أن منصبه السابق لن يمنعه من العمل في أي مهنة.
من جهته، يعمل أستاذ التايكوندو محمد علي رضا في مطعم في أحد فنادق العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وقد درّب مئات التلاميذ في أفغانستان. لكن بسبب البطالة وعدم وجود فرص عمل، ترك العاصمة كابول متوجهاً إلى باكستان. وفي الوقت الحالي، يعمل في مطعم ويقدّم للناس الشاي الأفغاني ويرسل نهاية كل شهر بعض المال إلى أسرته التي تعيش في ضواحي العاصمة الأفغانية كابول، في وقت يبيت هو في المطعم حيث يعمل.
ويقول علي رضا لـ "العربي الجديد" إن الوضع انقلب رأساً على عقب. "كنت أعمل في أندية مختلفة في كابول حيث درّبت الكثير من التلاميذ. لكن بعد سيطرة طالبان على البلاد، تدهور كل شيء، ولم يعد الأهل يُلحقون أولادهم بالنوادي الرياضية، إذ بالكاد يؤمنون حاجاتهم الأساسية، فكيف سيصرفون مالهم في الرياضة؟ توجهتُ إلى إسلام أباد علّني أجد عملاً وأرسل المال إلى أولادي، وأنا أحاول السفر إلى بلد آخر عن طريق إسلام أباد، إذ إن البقاء في أفغانستان لم يعد ممكناً".
إلى ذلك، يكشف المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان (Sigar) جون سوبكو، في تقرير أعدّه في التاسع من شهر مايو/ أيار الجاري، أنه منذ سيطرة "طالبان" على الحكم في أفغانستان خسر نحو مليون شخص وظائفهم، مشيراً إلى أن النساء هن الأكثر تأثراً من جراء التغيرات الأخيرة، ويتوقع أن ترتفع نسبة البطالة في صفوفهن بنسبة 21 في المائة حتى نهاية العام الجاري.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي محمد مسعود لـ "العربي الجديد" إنه "من بين الأسباب الرئيسية التي فاقمت بطالة الشباب هو سقوط كابول على أيدي طالبان، وتجميد الولايات المتحدة الأميركية الأصول الأفغانية، بالإضافة إلى هشاشة الأوضاع المعيشية في البلاد، وتراجع القطاع الخاص".
ويؤكد أن "سياسة طالبان حيال الشباب المثقفين حادّة، إذ إنها تتعامل بقسوة مع كل من كان في كابول والحكومة السابقة، وتخلق معايير من أجل حرمانهم من العمل. كما ساهم غياب خبراء اقتصاديين لديها في ارتفاع نسبة البطالة". يضيف أن "أعداداً كبيرة من الموظفين السابقين أخرجوا من وظائفهم وحل محلهم رجال طالبان".
ويقول محمد فواد، أحد الموظفين السابقين في وزارة العدل، لـ "العربي الجديد"، إنه كان يعمل في الوزارة منذ أكثر من 12 عاماً. وخلال الأيام الأولى لسيطرة "طالبان"، واصل العمل. وفي يوم من الأيام، وجد خطاباً يتضمّن العديد من الأسماء من بينها اسمه وقد أعفوا من العمل، "ولا يحق لكم أن تتحدثوا كونكم من بقايا الحكومة السابقة. وبمجرد أن عفت طالبان عنكم ولم تحاكمكم، فهذا شيء كبير"، مثلما يقول فواد.
في المقابل، يقول الناطق باسم "طالبان" وعضو اللجنة الثقافية إنعام الله سمنغاني لـ "العربي الجديد" إن "حكومة طالبان تسعى جاهدة لإيجاد فرص العمل للشباب، وإنها لم تحرم أحداً من العمل. والمشكلة أن كثيرين كانوا يعملون مع القوات الأميركية والأجنبية، بالتالي، بقي هؤلاء بلا عمل. كما أن شريحة كبيرة تعمل في المؤسسات غير الحكومية ومعظمها أغلقت أبوابها. بالتالي، حرم هؤلاء من العمل. إلا أن لدى حكومة طالبان مشاريع كبيرة في المستقبل كفيلة بإيجاد فرص عمل لأعداد كبيرة من المثقفين والشباب".
بالإضافة إلى الرجال، خسرت كثيرات أعمالهن، بل إن النساء كنّ الأكثر تضرراً. وتقول خالدة محمد، التي تعمل في وزارة الشؤون الدينية، لـ "العربي الجديد": "عملت منذ تخرجي من الجامعة عام 2019. كان عملي جيداً وكنت أتقاضى راتباً جيداً وكانت أسرتي تحتاج إلى المال. كثيرات كنّ يعلن أسرهن وقد حرمن من العمل بعد مجيء طالبان".