تعرضت خلال سنوات الحرب الطويلة في سورية نساء مسنات وأمهات لمأساة فقدان المعيل، حيث يجدن أنفسهن دون حماية أو دعم. وبعد أن شملت الحرب أسرهن في عداد القتلى أو المهجرين؛ يجدن أنفسهن في مواجهة ضعف الإمكانيات والحاجة الملحة للعناية والرعاية.
وتزاحمت القصص المؤلمة والمعاناة الحقيقية للنساء المسنات والأمهات في شمال غربي سورية، حيث تُركن بمفردهن في وجه تحديات الحرب والقصف، يفتقدن لمعيل يكفل لهن حياة كريمة. فبينما يكافح الأبناء لتأمين لقمة عيشهم أو يبحثون عن أمان لأطفالهم، تترك هذه الظروف النساء والأمهات بمفردهن، يعشن في قلق وهموم لا تعرف حدوداً.
اتسعت الحاجة إلى مراكز الرعاية والدور المخصصة للنساء المسنات والأمهات اللواتي تركتهن الحرب في مواجهة الظروف القاسية، حيث تبذل بعض المؤسسات المحلية جهوداً تطوعية لاستضافة أولئك النساء وتقديم العون والرعاية لهن، إلا أن قلة الإمكانيات والشروط الصعبة تجعل هذه المساعي غير كافية.
تحدثت يسرى صبرة، مديرة دار البشر لرعاية المسنات في مدينة معرتمصرين، لـ"العربي الجديد"، عن الجهود في تقديم رعاية كاملة وصحية للأمهات المسنات المتخلي عنهن المعيل.
وأشارت إلى أن "هذه الدار تأسست قبل ثلاث سنوات، وتم تحقيق هذه المبادرة بفضل الجهود الفردية لأعضاء مجلس إدارتها، بالإضافة للمتبرعين الذين ساهموا بتبرعات عينية لتغطية كل مصاريف الدار، رغم ضعف الإمكانيات".
وبحسب صبرة فإن "الدار تقوم حالياً برعاية خمس مسنات، والعدد في تزايد مستمر. تم التنسيق لتقييم واستقبال الحالات الجديدة، وهذا يأتي بالنظر إلى الوضع الصعب الذي تعيشه المنطقة بسبب الحروب والقصف والتهجير".
صبرة أوضحت شروط القبول في الدار، حيث يجب أن تكون المرأة خالية من الأمراض العقلية والعصبية وفاقدة للمعيل فعلياً وتمتلك أوراقاً شخصية ثبوتية، وأن يكون عمرها أكثر من 45 عاماً.
وفي مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، تعمل دار السلامة لرعاية المسنين، ولكنها تستقبل فقط مسنين من الرجال. بحسب جعفر النجار المدير الإداري والمسؤول الطبي في الدار.
في ضوء الشروط التي تفرضها دور رعاية المسنين، يتبيّن أن هناك نساءً يعانين من فقدان معيلهن ويجدن صعوبة في الحصول على مأوى داخل تلك الدور. تندرج تحت هذه الفئة النساء الصغيرات في السن اللواتي فقدن معيلهن، وأيضاً النساء اللواتي يعانين من أمراض عصبية ونفسية. يظهر أنه لا توجد دور رعاية لهؤلاء النساء في مناطق شمال غرب سورية، وهم بلا شك الأكثر احتياجًا للرعاية.
سميرة، امرأة مهاجرة من حماة، تبلغ من العمر 67 عاماً، والتي فضّلت عدم الكشف عن اسمها الكامل لحفظ خصوصيتها، قالت في حديث مع "العربي الجديد": "عشت في مخيم مع زوجي، الذي توفي لاحقاً، وليس لدي أبناء أو إخوة. وعلى الرغم من وضعي الصحي، لم أستطع العيش في المخيم. تم الاتصال بمديرة دار البشر لرعاية المسنين من قبل أحد الأقارب، وتم قبولي واستضافتي فيها".
وأضافت: "الدار قدمت لي العلاج الطبيعي لمدة 8 أشهر، وتحسّنت حالتي بشكل كبير. بات بإمكاني المشي وأداء احتياجاتي بسهولة".
بدورها، توضح أمينة، امرأة في 66 من عمرها، لـ"العربي الجديد" قائلة: "لست متزوجة ولا يوجد أحد يرعاني بعد موت أخي. من خلال جهود أفراد الخير، تواصلت مع دار البشر، وجاءت مديرتها إلى منطقة كفرتخاريم لاستقبالي. بعد الاهتمام الطبي الذي تلقيته هناك، انضممت إلى ساكنات الدار".
الوضع مشابه لعدد من النساء اللواتي لا يزلن بحاجة ماسّة إلى الرعاية، دون أن يكون لديهن فرصة للانضمام إلى دور رعاية المسنين.
زبيدة أحمد، امرأة مهاجرة من الزبداني تبلغ من العمر 38 عاماً، شاركت في حديثها مع "العربي الجديد". قالت: "والدي توفي وفقدت أخي وأختي نتيجة القصف على مدينة الزبداني، وهاجرت مع أمي إلى إدلب. توفيت أمي بعد ثلاث سنوات من الهجرة، وبقيت بمفردي بلا معيل. لم أستطع العمل بسبب إصابة في قدمي، ولم يكن بإمكاني اللجوء إلى دور الرعاية لعدم تخطي عتبة العمر المطلوبة. عشت حياتي على المساعدات حتى تحسنت حالتي الصحية واستطعت العمل والاعتماد على نفسي".
وفي سياق ذلك، صرّحت المرشدة الاجتماعية ميسون زريق لـ"العربي الجديد" أن هناك حوالي 20 دار رعاية للمسنين في شمال غربي سورية. ومع ذلك، فإن هذا العدد لا يكفي لتلبية الحاجة المتزايدة.
وتشير زريق إلى أن النساء اللواتي فقدن معيلهن يتباين احتياجهن وفقاً لوضعهن الصحي وعمرهن. لذا، هناك حاجة لإنشاء دور رعاية مختصة تلبي احتياجات هذه الفئات المختلفة، سواء كنّ مسناتٍ فاقدات للمعيل، أو معاقات جسديًا، أو غير مسنات ولكنهن يعانين من اعتمادية نفسية.
ويشير تقرير منسقو استجابة سورية إلى أن هناك نحو 417 ألف مسن ومسنة في شمال غرب سورية، منهم 175 ألفا يعيشون في مخيمات للنازحين. وهذا يعكس الحاجة العاجلة لتوفير مراكز رعاية متخصصة لتلبية احتياجات هذه الفئة الهامة من المجتمع.