قصة تجريف الاحتلال مدرسة التجمع البدوي في عين سامية: كأنها لم تكن

23 اغسطس 2023
مالك أرض مدرسة تجمع عين سامية عثمان طارق مع بقايا كتاب (العربي الجديد)
+ الخط -

ترجل الناشط المجتمعي الفلسطيني عثمان طارق (60 عاماً) من مركبة نقلته إلى أرضه ببلدة كفر مالك شرق رام الله وسط الضفة الغربية، وتجوّل في أرض قاحلة مهجورة، إلا من بعض الأتربة التي تدل على آثار تجريف، وبقايا كتب تعود إلى مدرسة التجمع البدوي في منطقة عين سامية قبل أن تهدم الأسبوع الماضي.

قبل شهرين فقط كانت المنطقة حيوية، ويقطنها حوالى 200 فلسطيني من البدو، ثم رحلوا وبقي القليل من آثارهم ومدرسة متواضعة البناء كانت شاهدة على بقايا حياة. لكن بخلاف التجمع البدوي الذي بقي ما يدل على أنه كان هناك، أزالت قوات الاحتلال الإسرائيلي المدرسة بالكامل، وجرفت آلياته قاعدة إسمنتية كانت تقام عليها المدرسة فأصبحت الأرض فارغة تماماً، والمنطقة سهلاً منبسطاً مفتوحاً بلا حياة.

وخلال زيارة عثمان المكان قدمت مركبة ركنها سائقها بعيداً من الموقع الخالي للمدرسة، وترجل منها رجلان حمل أحدهما سلاحاً، وهما مستوطنان قبل أن يغادرا بعدما راقبا ماذا يحصل في المكان.

وقال عثمان لـ"العربي الجديد": "وقف هؤلاء المستوطنون خلف رحيل البدو الذين كانوا يقطنون في المكان. لم يكفوا عن إيذاء الأهالي على مدار سنوات، وكنت تبرعت بقطعة الأرض التي شيدت عليها المدرسة قبل عامين، وأنشئت ليلاً بعيداً من عيون المستوطنين وقوات الاحتلال كجزء من محاولة لتثبيت البدو في المكان، وتوفير سبل العيش والصمود لهم".

لطالما عملت مؤسسات الاحتلال لإفراغ المناطق المصنّفة "ج" وفق اتفاق أوسلو، وخاصة تلك التي تعرف بالسفوح الشرقية للضفة الغربية وأراضي شرق رام الله المعروفة بمنطقة شفا الغور، لأن مرتفعاتها تطل على الأغوار الفلسطينية، وحصل ذلك عبر إخطارات بالهدم ترافقت مع إجراءات طويلة الأمد، ثم سرّع المستوطنون خلال نحو عامين الترحيل من خلال الاعتداءات".

وكان تجمع عين سامية البدوي الذي لم يعد موجوداً، أحد التجمعات المستهدفة. وينقل موقع "ألترا فلسطين" عن تقرير تلفزيوني مطول بثته قناة "كان" العبرية قبل عامين، قصة عن مجموعات "تدفيع الثمن" الاستيطانية، وقول مستوطنة تدعى أورا هوديا لخطيبها غلعاد بنيامين أمام الكاميرا حينها: "انظُر إلى المنظر الطبيعي الجميل، البدو"، فقاطعها: "كلا، لن يكون البدو هنا بعد عامين، وعندها سيكون المنظر أجمل".

مستوطن يحقق وعده لخطيبته بتهجير فلسطينيي عين سامية شرقيّ رام الله

رحل التجمع تحت ضربات المستوطنين، وأصبح وعد بنيامين حقيقة، لكن بقيت المدرسة شاهدة على التجمع، فجاء تنفيذ قوات الاحتلال للهدم والإزالة، ومحي كل آثارها الخميس الماضي كأنه استكمال لتنفيذ هذا الوعد. وهكذا صحّ رأي الأهالي بأن ما يفعله المستوطنون هو تسريع تنفيذ مخططات حكومة الاحتلال، وهم يتبادلون الأدوار بالتالي مع جيش الاحتلال.

وقفة احتجاج لصغار وبالغين قبل هدم المدرسة (العربي الجديد)
وقفة احتجاج لصغار وبالغين قبل هدم المدرسة (العربي الجديد)

وروى عثمان طارق طريقة بناء المدرسة قبل عامين، حين استمر العمل ليلاً نهاراً لتسوية الأرض قبل البناء رغم تكرار الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال الاقتحامات، في وقت كان يؤكد الأهالي أنهم يصلحون الأرض للزراعة. أيضاً استمر العمل مع تكرار اعتداءات المستوطنين الذين تدافعوا مرات مع الأهالي. وفي إحدى الليالي تعاون نشطاء وناشطات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية مع نشطاء آخرين وأهالي التجمع البدوي وبلدة كفر مالك، وأقاموا المدرسة من ألواح صفيح، على شكل بيت متنقل "كرفان" بتمويل أوروبي.

وأنشئت المدرسة لخدمة حوالى 35 تلميذاً وتلميذة في المرحلة الأساسية، وانتظم 15 في الدراسة فيها على مدار عامين حين عرفت بمدارس التحدي المخصصة لدعم صمود الأهالي في المناطق المهددة استيطانياً.

ويؤكد طارق أنه قدم أوراق ملكية الأرض التي كان ورثها عن والده إلى جهات حقوقية، لا سيما مركز القدس للمساعدة القانونية، لمحاولة الحصول على رخصة لبناء المدرسة، لكن محاكم الاحتلال قررت هدم المدرسة في أغسطس/ آب 2022، وحصل التنفيذ بعد عام، ولم يشفع للمدرسة العديد من الزيارات التضامنية لبعثات الاتحاد الأوروبي، وبيانات الاستنكار الأوروبية لقرار إزالتها، وأخيراً بيان نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن الاتحاد الأوروبي نفسه الذي طالب بتعويض ما فقده بسبب الهدم.

وسأل طارق عن سبب هدم المدرسة رغم أنها فارغة، ولن تستقبل هذا العام تلميذ وعضو في الكادر التعليمي بسبب رحيل التجمع، لكنه لم يجد سوء الإخفاء الكامل لمعالم المدرسة، والذي استنتج بأنه "تعبير عن الحقد".

وتنتشر أربع بؤر استيطانية حول المكان، وكذلك مستوطنة "كوخاف هشاحر". وكانت هذه البؤر مصدراً للهجمات المتواصلة على البدو، ما يظهر التعقيدات أمام أي عمل أو بناء أو حتى تجريف أراضٍ وبناء جدران استنادية ينفذه فلسطينيو المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو، مقابل تعامل مغاير مع المستوطنين الذين يقيم كثير منهم بؤرهم على أراضٍ فلسطينية خاصة.
ويؤكد طارق أن أهالي كفر مالك كانوا قد اعترضوا على إحدى هذه البؤر، وأن محكمة الاحتلال قضت بإزالتها، لكنها ما زالت موجودة.

المساهمون