قرية بلميس السورية تشكو انخفاض محصول الحمضيات

24 يناير 2023
جودة الليمون المحلي معروفة (العربي الجديد)
+ الخط -

صباح كل يوم، يسير عمر اليوسف، وهو مزارع من قرية بلميس بريف جسر الشغور في شمال غرب سورية، نحو بستانه جارّاً خلفه حماره الذي يعينه في أعماله الزراعية وتنقلاته ونقل إنتاجه من محصول البرتقال إلى قريته، إذ تمنع الطبيعة الجغرافية للمنطقة أي آلية من الوصول إلى بساتين القرية، وقد باتت هذه الوسيلة الوحيدة للأهالي الذين امتهنوا الزراعة واشتهروا بزراعة الحمضيات وتوارثوها أباً عن جد.
وتقع قرية بلميس على أطراف نهر العاصي وتبعد عن مدينة جسر الشغور نحو 11 كيلومتراً وتبعد عن دركوش (شمال غرب سورية وتتبع منطقة جسر الشغور في محافظة إدلب) حوالي 25 كيلومتراً، وتشتهر ببساتينها الخضراء الممتدة على ضفاف العاصي، ما جعل موقعها ومناخها مناسبين لزراعة الحمضيات.

ويتفاوت الإنتاج ما بين عام وآخر بحسب جودة المواسم، ويصل في بعض الأوقات إلى مائة وخمسين طناً، وتحتل المنطقة المرتبة الأولى في إنتاج الحمضيات على مستوى ريف إدلب. يقول اليوسف لـ "العربي الجديد" إنه يتوجه كل صباح إلى حقله برفقة عائلته، ليتابع أعماله الزراعية ما بين نكش وتقليم وجمع ثمار، ويعتمد في غالبية أعماله على الحمير بسبب وعورة الطرقات المؤدية إلى الحقول. وتعد الزراعة مصدر رزقه الوحيد كغيره من أبناء القرية الذين امتهنوها لعقود طويلة.
يضيف عمر: "لم تعد الزراعة مجدية كما كانت في السابق، نتيجة صعوبات عدة يواجهها المزارعون كارتفاع أسعار الأسمدة والأدوية الزراعية وارتفاع تكاليف السقاية والنقل، لكنهم متمسكون بأرضهم ويسعون لزيادة دخلهم عبر استثمار الحقول بزراعات شتوية موسمية بالإضافة إلى زراعة الحمضيات". 
ويطلق اسم بلميس على تجمع عدة قرى ومزارع بلميس، مشتى العيق، مزرعة بيت الفرج، والعنابيات. وعرفت سابقاً باسم سنمرة، وتعني منطقة صيد الوحوش، ثم تحول اسمها إلى بلميس نظرا لانتشار أشجار الميس فيها، وهو نوع من الأشجار الحرجية التي كانت تغطي هذه المنطقة قديما، وتشكل غابة كثيفة وكبيرة تصل إلى نهر العاصي. وكانت تشكل منطقة المراعي لمواشي القرية. ومع مرور الأيام، انقرضت أشجار الميس نتيجة القطع الجائر وحلت مكانها الحمضيات، وذلك بحسب صفحة قرية بلميس على موقع "فيسبوك".

يضطر إلى التنقل مستعينا بحماره (العربي الجديد)
يضطر إلى التنقل مستعيناً بحماره (العربي الجديد)

يقول رئيس المجلس المحلي في بلميس باسل الكردي لـ "العربي الجديد" إن "القرية تتبع إداريا لبلدة المرج الأخضر وتعمل غالبية الأهالي بالزراعة وتربية المواشي، ويبلغ عدد سكانها 3000 نسمة". يضيف: "تشتهر القرية بزراعة الحمضيات وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة فيها نحو 250 دونماً، ويصل إنتاجها إلى 500 طن سنوياً، وتتوفر في القرية كافة أنواع البرتقال والليمون، إذ ساهمت البيئة الجيدة في نجاح زراعته. ويعتبر نهر العاصي المورد الرئيسي لسقاية المزروعات، كما ساهم وجوده في القرية بتنشيط تربية المواشي، إذ يبلغ عدد رؤوس الأبقار الموجودة فيها نحو ألف رأس".
وتشتهر القرية بالأنفاق الزراعية في فصل الشتاء بدلا من البيوت البلاستيكية، وتزرع بشكل أساسي الخيار والكوسا والطماطم والباذنجان. وتعد بلميس سلة غذائية متكاملة للمنطقة ويتم تصريف المنتجات الزراعية والحيوانية في أسواق جسر الشغور ومعرة مصرين.
لكن إنتاج حقول الحمضيات في بلميس انخفض مقارنة بالأعوام السابقة، ما انعكس على دخل الناس، لكون هذه الحقول مصدر عيشهم الرئيسي. يقول تاجر الفاكهة شاكر الجميل لـ "العربي الجديد" إنه رصد تراجعاً في إنتاج المحافظة من الحمضيات هذا الموسم من خلال كميات الفاكهة الموجودة في الأسواق بنسبة قدرها نحو 20 في المائة.

وتتفاوت الأسعار ما بين صنف وآخر، كما تلعب جودة الصنف دوراً في سعره، ويعد صنف "الكرمنتينا" (الكلمنتين) أكثر الأصناف طلباً في السوق. يضيف الجميل أن "كامل الإنتاج من الحمضيات يصرف في مناطق شمال غرب سورية ولا يتم تصدير أي نوع منه إلى تركيا، التي تعد بلدا منافسا تنتج أنواعا مماثلة من الثمار وتنافس المنتج المحلي من ناحية السعر. كما أن دخول المنتجات التركية إلى مناطق إدلب انعكس بشكل سلبي على سعر وتصريف الإنتاج المحلي".
وتنتشر زراعة الحمضيات في مناطق عدة في شمال غرب سورية مثل مناطق حارم وجسر الشغور ودركوش وبعض مناطق عفرين ذات المياه الوفيرة، وتنتج تلك الحقول كميات تكفي السوق المحلية وتفيض لاستعمالها في بعض الصناعات في حال توفرت المصانع اللازمة. ويطالب الأهالي بضرورة منع استيراد الحمضيات في هذا الوقت من العام لأنها تعتبر منافسا قويا للإنتاج المحلي رغم أنها لا توازيها في الجودة.
ويقول المزارع سامر العلي لـ "العربي الجديد": "من الضروري أن تقوم الجهات الرسمية بحماية المنتج المحلي عبر منع استيراد مواد منافسة، الأمر الذي سينعكس على الأسعار. كما أن إنشاء مصانع غذائية من شأنه أن يساهم باستجرار كميات إضافية من الثمار بهدف تحويلها إلى عصائر، الأمر الذي سيرفع من سعر المنتج المحلي ويدفع المزارعين للاهتمام أكثر بهذا الصنف من الزراعات، الأمر الذي يمكن أن ينعكس بشكل إيجابي على المنطقة بشكل عام".

المساهمون